كونفوشيوس.. فلسفته ومذهبه الأخلاقي
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> أعلام ومفكرون
في بداية حياته خدم أحد الأمراء فكلَّفه برعي الأغنام، وعندما أجاد كونفوشيوس عمله، عيَّنه الأمير مشرفاً على الحدائق العامة في الولاية. بعد سن العشرين انتقل إلى ولايةٍ أخرى، إذ أنشأ مدرسةً خصَّصها لأصحاب المواهب ليتعلموا فيها أصول الفلسفة الأخلاقية والسياسية، ومنها تخرَّجت آلاف الشخصيات التي أصبحت فيما بعد قادة الفكر والسياسة في الصين.
بعد أن ذاعت شهرته تولَّى العديد من المناصب المهمة، وبعد آخر منصبٍ له عاد يتجول في سائر ولايات الصين مقدماً لحكامها النصائح. وكان في زياراته هذه يُناظر العلماء، حتى توفي سنة 479 قبل الميلاد. أنجب كونفوشيوس ابناً واحداً توفى في حياة والده، لكنه ترك له حفيداً اسمه (تزوتس) أصبح هو الآخر عالماً وفيلسوفاً، وأدَّى دوراً مهماً في نشر فلسفة جده.
يعُدُّ الصينيون كونفوشيوس نبياً ورسولاً؛ فأفكاره وتعاليمه هي أساس عقيدتهم التي ظلوا يدينون بها على مدى خمسةٍ وعشرين قرناً.
يتلخص المذهب الأخلاقي والسياسي عند كونفوشيوس في أن أي نظامٍ اجتماعي صحيح ومتكامل، إنما يقوم على تزويد الأفراد بالأخلاق الحميدة، وهذا يتحقق بالتربية والتعليم إلى جانب وجود حاكم على خلق قويم، يكون قدوةً لشعبه ونموذجاً يحتذي به الجميع. ويرى كونفوشيوس أن الأخلاق إذا وصلت في المجتمع إلى مستواها المنشود أغنت عن القوانين والتشريعات والقضاء، وبذلك يختلف عن الفلسفة الموهية هنا
يقول:
"إذا حكمْتَ الناس وفق قوانين إجبارية وهدَّدتهم بالعقاب، فقد يحاولون اتّقاء العقاب، ولكن لن يكون لديهم شعور بالشرف. ولكنك إذا قدتهم بالفضيلة ونظمت شؤونهم بالتربية، فإن علاقاتهم ستقوم على أساس الشرف والاحترام. "
ويرى كونفوشيوس أن الفرد إذا ما عُلِّمَ ورُبِّيَ أخلاقياً، فإنه سينقل ذلك إلى أسرته، ومن الأسرة إلى المجتمع، ومن ثمَّ إلى الإنسانية كلها.
يرى كونفوشيوس أنَّ على الحاكم أن يكون «أباً للشعب»، يُكرِّس نفسه له، ويعطف عليه، ويستمع لصوته.
من الأشياء التي استخدمها لكي يرسِّخ الكونفوشيوسية هي: الأخلاق الحميدة في نفوس الناس، والموسيقا، وبعض الفنون التي تؤثر في الجماهير كالشعر والغناء والرقص، وغيرها من الأشياء التي يحبها المجتمع الصيني.
تتكون مؤلفات كونفوشيوس من خمسة كتب تسمى الكلاسيكيات الخمسة، وهي:
1- كتاب الأغاني أو الشعر.
2- كتاب التاريخ.
3- كتاب التغيرات.
4- كتاب الربيع والخريف.
5- كتاب الطقوس أو التقاليد.
وقد وضع تلاميذه بعد ذلك أربعة كتبٍ أخرى لتلخيص هذه الكتب الخمسة وشرحها، فأصبح لدينا تسعة كتب تُمثِّل المصدر الأساسي لمذهب كونفوشيوس.
أما أسلوب كونفوشيوس فهو عبارةٌ عن صياغة حكم ومواعظ وأمثال تتناول موضوعات مختلفة، ولا يربطها خيطٌ منطقيٌّ موحَّد. ومع ذلك، فقد استطاع الباحثون الصينيون ثم الأوروبيون فيما بعد أن يستخلصوا منها مذهباً متكاملاً في السياسة والاقتصاد والدين وغيرها من المجالات.
وقد حاول كونفوشيوس أن يُرطِّب حياة الناس الجافة عن طريق الموسيقا، إلى جانب بعض الفنون الأخرى كالشعر والغناء والرقص، لكي يُرهف مشاعرهم ويُهذب حركتهم ويُعودهم على الإيقاع المنتظم، بهدف تقريبهم من قانون الطبيعة المتناغم الذي يتوازى تماماً مع القانون الأخلاقي في الإنسان الأصيل.
وبهذا الشكل استطاع أن يقدم للصينيين مذهباً تقوم أركانه على الأخلاق والسياسة والطقوس الدينية المتوارثة، ثمَّ الآداب والفنون، وهو الأمر الذي جعلهم يعُدُّونه (ديناً) ما زالوا يتمسكون به حتى اليوم.
المراجع:
1-شيخاني، سمير. صانعو التاريخ، بيروت، لبنان، مؤسسة عز الدين، 1991.
2- موسوعة المعرفة - ١٠٠٠ شخصية عظيمة .
3- موسوعة المورد - منير البعلبكي.