هل الكذب أمر سيء؟
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
1. الكذب سيء، لأن الصدق عموماً هو الأمر الجيّد:
لو كذب الجميع في كل ما يقولونه، لأصبحت الحياة صعبةً بشكل كارثيّ، فلن نثق عندها بأيّ أحد، ولن نصدق شيئاً مما نسمع، وسيتوجب علينا العمل على إدراك وتوثيق كل ما يحيط بنا، كما أن الحياة بشكلها هذا لن تكون موضع اهتمام الكاذبين! فما فائدة الكذب إن كان الجميع يكذب؟!
2. الكذب سيء، لأنّه مبني على أساس معاملة من يحيط بنا على أنهم وسيلة لتحقيق غاياتنا، ولن تكون غاية وسيلتها استغلال الأخرين أمراً جيّداً.
3. الكذب سيء، لأنه وتبعاً لكل الديانات السماويّة والوضعيّة ولكل واضعي القواعد الأخلاقيّة يسيء إلى الهبة العظيمة المعطاة للبشر ألا وهي التواصل فيما بينهم.
4. يعتبر بعض الفلاسفة أن تخاطب الإنسان مع الإنسان يندرج في إطار عقدٍ اجتماعيّ محدّد الشروط، وأهم ما يندرج ضمن بنود هذا العقد هو أن من يتحدّث يجب ألّا يكذب.
الكذب من منظورٍ فلسفيّ:
توجد الكثير من النظريّات في الفلسفة وعلم الأخلاق والتي تقارب مفهوم الكذب من مناحٍ مختلفة، نذكر لكم بعضاً منها:
1- المذهب النفعيّ:
يقيم هذا المبدأ صحة أو خطأ أمرٍ ما بناءً على تبعاته، لذلك يبرر دعاة هذا المبدأ الكذب في الحالات التي يعود علينا الكذب فيها بنتائج جيدة.
ولكن هذه النظرية بعيدةٌ جداً عن الواقع في مقاربتها هذه بسبب النقاط التالية:
• صعوبة توقّع التبعات.
• صعوبة قياس السيء والجيد، فلا يوجد نظامٌ أو معايير محددة واضحة للقياس. بالإضافة إلى صعوبة تحديد الفترة الزمنية التي يجب أن يتم قياس هذه التبعات على أساسها.
• تستوجب شخصاً قادراً على قياس جودة التبعات بشكلٍ عادل لجميع الأطراف.
المذهب الأخلاقيّ:
دعاة هذه النظرية يبنون أفكارهم فيما يتعلق بهذا الموضوع على القوانين العامّة للكون وليس على نتائج أفعالٍ ما. ولذلك فإن أيّ عملٍ بالنسبة لهم هو إما صحيح أو خاطئ.
أي أن الكذب عندهم أمرٌ خاطئ حتى لو عاد عليهم بنتائج إيجابيّة.
III- كيف ومتى نكذب؟ تجيب الفلسفة!
نورد لكم في هذه المقالة، أعزائنا المتابعين، أنواعاً مختلفة وجدليّة من الكذب:
1- طريقة التحفّظ عقلي:
في هذه الطريقة يتم تقسيم الكذبة إلى شطرين، الأول وهو القسم المضلل، بينما الثاني هو القسم الحقيقيّ، فيما تكون الحقيقة هي اجتماع الشطرين معاً. وأهمّ ما في الأمر أنَّ القسم الأول فقط هو ما يُقال جهاراً أمّا الشطر الثاني فيبقى في عقولنا.
إليكم بعض الأمثلة للتوضيح:
• "لم أخن زوجتي قط" (في ما عدا السبت الماضي والسبت الذي سبقه).
• "لم ألمس المجوهرات" (قفازاتي فعلت).
قد تبدو هذه الوسيلة ساذجة بعض الشيء لعقول ابناء القرن الحادي والعشرين، على عكس عقول أجدادنا قبل عدة قرون ماضية، حيث كان من المعتاد أن تحصل هكذا تحفّظات عقليّة في المحاكم، فعندما كان على أحدهم أن يقسم كاذباً على أنه لم يسرق خروفاً ليتجنب عقاب الله، فما عليه إلا أن يقول بكلّ صدقٍ انّه "لم يسرق ذاك الخروف" مضيفا في عقله "يوم الإثنين". وكان من المعتاد أنّ يحصل أمرٌ كهذا فما كان سائداً في ذلك الوقت هو أنَّ الله قادرٌ على سماع ما يجري في عقولنا."
وينصح الأطباء حديثاً بهذا النوع من الكذب، ففي حالة مريض الحمّة التي قد تودي أيّ أخبار سيئة عن حالته بحياته، يفضّل أن يجيب الطبيب مريضه عندما يسأله عن حالته قائلاً "حرارتك طبيعية اليوم"، اي أنَّها طبيعية لمريضِ حمّة في أشد مراحل مرضه.
2- طريقة العين بالعين:
إن هذه الطريقة مبنيّة على فكرة الفيلسوف الهولنديّ Hugo Grotius، الذي يقول بإمكانية الكذب على من لا يحقُّ له معرفة الحقيقة.
وكانت هذه الطريقة وليدة الفكرة القائلة بأن كون أمرٍ ما خاطئ هو بسبب تعدّيه على حقوق أحدٍ ما، فالكذب أمر خاطئ إن هو تعدّى على حقوق الشخص الثاني بالحصول على الحقيقة، فإن سقط هذا الحق أصبح الكذب أمراً صائباً!
فالكذب على اللص الذي اقتحم منزلك سائلاً إيّاك عن مالك هو أمرٌ اخلاقيّ كما يراه بعض الفلاسفة!
هل توافق الفلسفة على الكذب على الكاذب؟
طبقاً لهذه الطريقة فإنّ الكاذب يفقد الحقّ في الحصول على الحقيقة، لذلك فإن بعض الفلاسفة يبرر الكذب على الكاذب.
ولكن، وعلى الرغم من أنَّ الغريزة الإنسانيّة تدفعنا إلى التعامل "بالحدّ الأدنى" من المصداقية مع الكاذب، إلا انه ومن وجهة نظر فلسفيّة-أخلاقيّة، فالكذبة كذبة حتى ولو كانت موجّهة لكاذب!
ثم أنّ الكاذب حتى ولو تم النظر إليه كفاقد لحقّّه بالحقيقة، فإنَّ إحدى حقوق المجتمع عليك أن تستعمل هبّة الكلام والتواصل بمسؤولية (راجع مقالنا السابق تحت عنوان الكذب مضر بالصحّة؟ الفلسفة تجيب بـ 50-50! لمزيد من المعلومات حول مسؤولية هبة التواصل).
من جهةٍ أخرى فإنَّ القانون الفلسفيّ العريق القائل بأن "خطئين لا يصنعان صواباً" يؤكّد أنَّ التعامل مع الكاذب لا يكون بكذبة، فبغض النظر عن توافر كل الشروط التي تمنعك من الكذب، يوجد حيز متّسع من الخطأ الذي قد ترتكبه عند كذبك على الكاذب، ألا وهو تقييم حجم كذبته لتقابله بالمثل! فإن كذبت عليك بعدد أطفالي، لا يعني أن لديك الحق بالكذب عليّ باسمك وعملك!
3- الكذبة البيضاء:
الكذبة البيضاء! تشمل كل أنواع الكذب غير الضارّ وغير المترافقة مع نيّة الأذى للطرف الثاني، وعلى العكس قد تكون النيّة هي تقديم الفائدة له أو حتى منع ضرر محتمل عنه.
ففي دعوة لك على الغداء، أن تكذب وتقول أنَّ طهو زوجة زميلك في العمل لذيذ هو اقل ألماً من الحقيقة التي لن تجلب معها إلا الحساسيّات، رغم أن قولك الحقيقة قد يجنّب زوّاراً آخرين تذوّق مرارة الطبق ذاته. وهذا المثال يشابه الكثير من الحالات التي تتدخل فيها العواطف لردع المنطق عن اتخاذ القرار.
لكن وكما لكل نوع من الكذب شروطه، فإنَّ للكذبة البيضاء شروطها أيضاً:
• ليست على نيّة أذية الطرف الثاني.
• لا تؤذي ولو بشكل غير مباشر أطرافاً أخرى.
ورغم بساطة هذين الشرطين إلا أنّنا نرى آلاف التجاوزات كلَّ يوم تحت مسمّى "الكذبة البيضاء"، لذلك فهي تحتاج إلى شعور عالٍ بالمسؤوليّة. كما أن للكذبة البيضاء مساوء أيضاً، فقد تحرم الطرف الثاني من معلومات قد يعتبرها مهمّة ومفيدة رغم قساوتها، إضافة إلى أنَّ الكذب الأبيض قد يجعل من الكذب أسهل وقد تضيع الحدود بين الأبيض منه وباقي الألوان.
ولا تنظر الفلسفة بإيجابية إلى الكذب الأبيض، فتراه مدخلاً إلى الكذب المبرّر، كما تراه مهرباً من الحقيقة التي يجب أن تقال.
المراجع:
هنا
هنا
هنا
مصدر الصورة:
هنا