تطور الحواشي عبر التاريخ، وأخر ما توصلنا له "الرابط الثابت"
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
شبّه الكاتب البريطاني نويل كاورد Noel Coward قراءة الحواشي بالاضطرار للنزول للطابق السفلي لفتح الباب في أثناء ممارسة الحب. ربما هذه النقطة صحيحة بالنسبة للمسرحية بما أن واجبها الوحيد هو الإمتاع، أما بالنسبة للمؤرخين في تأريخهم كما للمحامين في مرافعاتهم، الحواشي شيء جوهري وإن كان جمعُها مملاً وصعباً، والفارق الجوهري بين حواشي المؤرخ وحواشي المحامي هو إمكانية القول: "إليك المكان الذي ستجد فيه الدليل الوافي لما قدمته في الفقرة أعلاه" وإلا لما كان الفارق كبيراً وصعب تمييزهم عن الروائيين والقصصيين والمسرحيين.
استوعبت الحواشي الكثير من الانتقادات ضد أسلوبها حيث خاضت صراعا ًمع دور النشر الأكاديمية التي تريد إزالتها لجذب المزيد من القرّاء على المدى الطويل مشتكية من تأثيرها السلبي على الناحية الجمالية او على اعتبارها إشارة لقلة الافكار في البحث. و ربما أكثر حاشية مهينة في التاريخ كانت في القرن الثامن عشر في الأطروحة الهزلية للكاتب التهكمي غوتليب ويلهيلم رابنير Gottlib Wilhelm Rabener الموجودة في صورة المقال والتي حملت عنوان "Hinkmars von Repkow Noten Ohne Text" والتي كان جلّها عبارة عن حاشية فقط! على قاعدة أن هذا فقط ما يحتاجه لتحقيق ثروة وشهرة أدبية؛ وكان النص الرئسي غير ضروري ويمكن للقارئ التكهن به وهو يقرأ!
وبعد هذه الإهانات المتعددة و المباشرة تبين أن هناك تطور خطير قد يقوض الحواشي وهو استخدام الاقتباسات في الشبكة العنكبوتية.
المؤرخون - كما بقية الأكاديميين - تزايد تضمينهم للحواشي بمواقع المصادر على الشبكة (URLs) وهذا بالضرورة سيجعل المصادر متاحة فقط على شبكة الانترنت، وتلك الممارسة تفترض أن تلك المصادر هي دائمة كما الأدلة الورقية.
ولكن هل هذا صحيح؟
البعض يعتقد أنه اذا كان هناك شيء ما على شبكة الانترنت فإنه سيبقى كما لو أنه في مكتبة، ولكن هذا بعيدٌ جداً عن الحقيقة، ولأن عدم الاستقرار يلازم الشبكة العنكبوتية، فإن الإقتباسات تضمحل وتصبح غير قابلة للولوج ومن ثم تختفي . فأثارت هذه الحالة عدم الراحة والقلق بين أوساط العلماء والمحاميين ودفعتهم للقيام بأبحاث منفردة.
وجد الباحثون في Los Alamos National Laboratory في مسح لثلاثة ملايين ونصف المليون مقالة علمية من صحف ومجلات علمية بين عامي 1997 و 2012 أن هناك ما يقارب العشرين بالمائة من الروابط المضمنة في الحواشي تعاني خلل مرجعي.
و في مسح أخر لمنشورات قانونية وسياسية تبين بعد مرور ست سنوات أن ما يقارب نصف الروابط المقتبسة أصبحت غير قابلة للولوج. وفي دراسة أمريكية عن صحيفتين رياديتين في مجال التاريخ، تبيّن في المقالات المنشورة قبل سبع سنين، أن هناك حوالي 38% من اقتباسات الشبكة لم يعد لها وجود.
من الممكن أحياناً قيام الأكاديميين بنقل صفحات مفقودة من الشبكة الى أرشيف رقمي، القسم الأكبر يحفظ في "Wayback Machine" في سان فرنسيسكو. وبكافة الأحوال هناك العديد من الصفحات الجيدة لم تؤرشف وهي غير قابلة للاسترجاع بشكل نهائي، تم اطلاق أداة في 2014 تدعى Perma.cc وهي لا تزال في المرحلة التجريبية، تم تطويرها في مكتبة كلية هارفرد للحقوق .
هذه الأداة تسمح للمستخدمين بإنشاء روابط لاقتباساتهم لا تتعطل أبداً.
و الجدير بالذكر أنه اذا أردت أن تضمن مستقبل رابط الإنترنت في حواشيك، تقوم بإنشاء نسخة مؤرشفة للصفحة المقتبس منها، ولاحقاً يمكن لأي أحد بالنقر على الرابط وسيأخذه الى النسخة المؤرشفة. هذا "الرابط الثابت" لا يصلح الاقتباسات المتضررة، بل يحاول المضي قدماً في حل المشكلة بحد ذاتها. وتم تناولها بالاستعراضات القانونية في أمريكا.
و لكن لابد من الاعتراف بأن الحواشي جزء حيوي ومهم بالنسبة للمؤرخين وبذات الوقت هي جزء من معوقاتهم، وكما يقال "العلامة التجارية هي ضمان الجودة" . ولذلك يجب على المؤرخين أيضاً تبني هذه "العلامة التجارية" لتغير ملامح العمل الأكاديمي عبر تبني شامل لـ الرابط الثابت .
المصدر:
هنا