العرافة وقراءة المستقبل | الجزء الأول
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
كيف يؤثر "العرَّافون" بنا إذاً؟
-تأثير فورير "The Forer effect":
هو مصطلح يُشير إلى ميل الناس الى الاقتناع بصِحَّة ودِقة مجموعة من العبارات التي تصفهم أو تصف حياتهم، فيميلون الى تصديق أنَّها تنطبق عليهم بشكلٍ شخصي، مع أنَّها من الممكن أن تنطبق على مجموعة كبيرة من الناس. حيث لاحظ الأخصائي النفسي Bertram R. Forer أنَّ معظم الناس يميلون الى تصديق العبارات العامة ذات المعاني الشاملة، ويؤمنون بأنَّها تنطبق عليهم بشكلٍ خاصٍّ وشخصيّ.
على سبيل المثال دعنا نقدِّم لك العبارات التالية:
"أنت شخص تحتاج الى محبة الآخرين وتقديرهم، ولذلك فإنَّك في كثيرٍ من الأحيان تنتقد نفسك بنفسك. لديك بعض نقاط الضعف في شخصيتك ولكنَّك تعوِّض عنها بأمورٍ أخرى. لديك قدرات ومهارات لم تستخدمها بعد لصالحك، تبدو منضبطاً ومسيطراً على نفسك من الخارج، بينما تشعر بالقلق وعدم الأمان في داخلك. في بعض الأوقات تساورك الشكوك بخصوص القرارات التي تتخذها. تفضل دائماً أن يكون هناك تجديد في حياتك وتشعر بعدم الراحة حين يحاول أحدهم تقييدك أو الحد من حريتك. أنت تشعر بالفخر بنفسك وتعتبر نفسك استقلالياً في تفكيرك، ولكن بنفس الوقت تشعر أنَّه من غير الحكمة أن تكون صريحاً تماماً مع الآخرين. في بعض الأحيان تكون منفتحاً على الآخرين واجتماعياً، بينما في أوقات أخرى تشعر بالرغبة في الانطواء والوحدة والحذر من الآخرين. بعض طموحاتك تميل الى أن تكون خيالية".
في عام 1948، قام فورير بإجراء اختبار الشخصية لطلابه، وتجاهل إجاباتهم فلم يُقيِّمهم على أساسها، بل أعطى جميع الطلاب العبارات المكتوبة في الفقرة السابقة، وطلب منهم تقييم مدى تطابقها مع شخصياتهم بإعطاء درجات من 0 الى 5 (حيث 5 تشير الى: متطابق تماماً، 4: متطابق، 3: متطابق نوعاً ما ..وهكذا). وبعد جمع النتائج، كان المعدل العام للإجابات يساوي 4.26 من 5.
تمت إعادة هذه التجربة مئات المرات، ومع ذلك بقيت النتيجة 4.2 من 5. أو ما يعادل 84% كنسبة لدقة المعلومات وتطابقها مع شخصية المُشارك بحسب اعتقاده.
باختصار، استطاع فورير اقناع طلابه بأنَّه اكتشف شخصياتهم، وكما أشارت الننتائج فإنَّ دقة توقعاته كانت عالية جداً. بالرغم من أنَّ هذه الفقرة التي قدمها لهم كانت مقتبسة من أحد فقرات الأبراج في إحدى الصحف (للمزيد عن الأبراج هنا ).
إنَّ تأثير فورير يُفسر لماذا يعتقد العديد من الناس أنَّ العلوم الزائفة كالأبراج والتنجيم "تعمل بالفعل"، وتقدِّم معلومات شخصية صحيحة ودقيقة.
يمكن تفسير تأثير فورير بالاعتماد على مفهوم الأمل عند الإنسان، أو التفكير الرَّغبي " Wishful thinking"، الغرور والرغبة في أن يستخلص الانسان عبرة من تجاربه، بالإضافة الى شعور العديد من الناس بأنَّهم لا يعرفون أنفسهم وليسوا متأكدين من حقيقتهم، كل ذلك يقود الإنسان الى تصديق هذه العبارت. بمعنى آخر، تفسير فورير يستند بشكلٍ أساسي الى "بساطة الإنسان وسذاجته"، حيث يميل الناس الى تصديق العبارات بسبب رغبتهم في أن تكون هذه العبارات صحيحة، فيصدّقون بعض العبارت المشكوك بصحتها أو حتى الخاطئة اذا شعروا أنَّها إيجابية أو مغرية لقبولها.
- الكهانة وقراءة المستقبل "Fortune-telling":
وهي ادّعاء معرفة الأحداث التي ستقع في المستقبل.
يستخدم العرّافون أساليب غريبة لـ "قراءة المستقبل"، على سبيل المثال، تشمل بعض هذه الطرق الاستماع الى الضحك الهستيري، أو الضجة التي تصدرها الحيوانات للاطلاع على المستقبل!
اولئك الذين مارسوا ال Felidomancy - وهو ادعاء معرفة المستقبل عن طريق مراقبة سلوك وأصوات القطط - يدّعون أنَّ سلوك وأشكال القطط بالفعل قادرة على التنبؤ بالمستقبل، فالقطة السوداء تشير الى الحظ السيء، والقطة التي تعطس تمنحهم نبوءة باقتراب سقوط المطر!
إنَّ محبّي الحيوانات لن تعجبهم الفكرة التالية، ولكن بالفعل فإنَّ أحد أساليب التنبؤ بالمستقبل في العصور الوسطى كان باستخدام طريقة تسمى Haruspication وهي تتمثل في شق بطن حيوان ذُبِح حديثاً وسحب أمعائه الى الخارج ليروا ما اذا كانت خطوط الدم شكَّلت أي رموز يمكن أن تستخدم للتنبؤ بالمستقبل!
بغض النظر عن ماهيَّة الطريقة التي يستخدمها العرَّافون للتنبؤ بالمستقبل، تبقى جميع هذه الطرق غير صحيحة وغير فعالة، أبسط دليل أنَّهم لم يتمكنوا من التنبؤ بأحداث مهمّة كحادث 11 سبتمبر مثلاً، الانهيار الاقتصادي العالمي الأخير، تسونامي في اليابان عام 2011، وغيرها العديد من الأحداث العالمية الهامة التي لو تم التنبؤ بها لتم إنقاذ الآلاف من أرواح الأبرياء. البعض قد يدَّعي بأنَّهم تمكَّنوا بالفعل من التنبُّؤ بهذه الأحداث، ولكنَّهم لم يفصحوا عن تنبؤهم إلَّا بعد وقوعها، وهذا الإدعاء ما هو إلّا مُحاولة لتحسين سمعة هؤلاء العرّافين، فلو كان كلامهم صحيحاً عليهم أن يتنبؤا بالأحداث قبل وقوعها، بدلاً من التحدث عنها بعد وقوعها وربطها ببعض الأساطير التي قيلت في الماضي على أنَّها نبوءات.
- اختلاف أساليب التكهّن وتناقضها:
دعونا نفترض على سبيل المثال أنَّ شخصاً يريد معرفة ما إذا كان سينتقل الى باريس خلال ال 10 سنوات القادمة، فإذا ذهب الى عدّة عرّافين يستخدمون أساليب مختلفة، ينبغي أن يحصل على الإجابة ذاتها، لأنَّ الحقيقة محصورة في خيارين فقط، إما أنَّه سينتقل أو لن ينتقل الى باريس. ولكنَّ ما يحدث هو أنَّ الشخص يسأل عشرة عرافين فيحصل على عشرة خيارات جميعها محصورة بنعم أو لا .. وفي هذه الحالة فما يقوله العرافون ليس سوى احتمالاً معروفاً جداً، فلو حدث وسافر هذا الشخص بالفعل .. سيكون بعض العرافين قد صدقوا في نبوئتهم وبعضهم الآخر قد فشل، وهذا يثبت أنَّ تنبؤات العرافين لا تزيد عن كونها احتمالات متقلبة ومتغيرة، فلماذا نثق بها؟!
وهناك سؤال آخر يطرح نفسه، إذا كانت إحدى طرق العرافة صحيحة ودقيقة بالفعل، فلماذا يوجد اليوم وعلى مرّ العصور مئات الأساليب للعرافة؟! فإذا كانت قراءة أوراق الشاي طريقة دقيقة ومثبتة فإنَّ ذلك سيدفع الناس للوثوق بها والابتعاد عن الطرق الأخرى مثل مراقبة الحيوانات أو قراءة الكريستال، ولكن الحقيقة أنَّ جميع هذه الطرق متساوية في مدى صحتها (أو عدم صحتها)، لأنَّها جميعها تعتمد على ذات المبدأ: قراءة المستقبل بالاعتماد على أحداث وإشارات عشوائية.
وحتى أن العديد من الكتب التي تدعي أنَّها تختص بقراءة المستقبل تعترف بأنَّ الطرق المستخدمة غير أكيدة وغير دقيقة، ففي كتاب "The Complete Book of Fortune - الكتاب الكامل لقراءة المستقبل"، يوجد ملاحظة موجهة للقارئ تقول: " عندما تحاول معرفة مستقبلك عن طريق أيٍّ من طرق العرافة، فإنَّ النتائج التي تحصل عليها هي مجرّد توقعات لما يمكن أن يحدث، ويجب ألّا يتم القبول بها كأدلَّة قاطعة على ما سيحدث مستقبلاً".
ففي نهاية الأمر، لا يوجد أي دليل علمي أو منهجية واضحة تثبت صحَّة أي من طرق الكهانة المستخدمة عبر التاريخ، لذلك فهي تعتبر علماً زائفاً وليست علماً حقيقياً.
وأنتم ماذا تعتقدون؟ هل مررتم بتجارب شعرتم فيها أنَّ "العرافة" تعمل بالفعل؟ شاركونا بآرائكم واقتراحاتكم لنجيب عليها في الجزء الثاني من هذا المقال.
المصادر:
هنا
هنا