تطور المجتمع عند هربرت سبنسر
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم الاجتماع
تطور المجتمع عند سبنسر، هو مروره في مراحل متعددة، وانتقاله من أنماط بسيطة إلى أخرى أكثر تعقيداً. فيبدأ من الأسرة إلى العشيرة، والقبيلة، فالمدينة، وصولا إلى الدولة. ويعتقد سبنسر أن المجتمع كائن عضوي له أعضاء للتغذية، وله دورة دموية، وفيه يتم التعاون بين الأعضاء المختلفة، كما له تناسل وإفراز تماماً مثل الأفراد.فالمجتمع عنده كالفرد، فهو ينمو، وكلما ازداد نمواً اشتد تعقيداً، وكلما تعقد، ازدادت أجزاؤه استقلالاً. وحياة المجتمع طويلة جداً بالنسبة لحياة أجزائه التي يتألف منها.
وهكذا فإن تطور المجتمع يسير على قانون التطور، فنمو الوحدة السياسية من الأسرة إلى الدولة إلى عصبة الأمم، ونمو الوحدة الاقتصادية من الصناعة المحلية الصغيرة إلى الاحتكار ونقابات الانتاج، ونمو وحدة السكان من القرى إلى البلدان الصغيرة إلى المدن، كل هذا بالتأكيد يظهر لنا عملية التجميع والتكتل.
بينما نرى من جهة أخرى أن تقسيم العمل وتعدد المهن والصناعات، والتجارة وزيادة اعتماد الاقصاد على التبادل بين المدن والأرياف وبين أمة وأخرى يوضح لنا التطور بشطريه من تجمع إلى تباين.
ويرى سبنسر أن الأمل في إلغاء الحروب، وبلوغ مجتمع تتحقق فيه العدالة الاجتماعية، يكمن في تطور الصناعة في الشعوب الصناعية. إذ أن الصناعة تؤدي إلى الديمقراطية والسلام. وعندما تتوقف سيادة الحرب لحياة الأمم، ينهض التطور الاقتصادي، وتنشأ العديد من المشاريع الاقتصادية، ويعود السلام في البلاد وهذا ضرورة رئيسية من أجل الرخاء والازدهار. وسيكون –بطبيعة الحال-هناك استثمار للأموال في جميع أنحاء العالم، وتخف القسوة، ويحل نظام الزوجة الواحد بدلاً من نظام تعدد الزوجات، ويرتفع وضع المرأة، وتحل الأبحاث الدقيقة عن الأسباب الطبيعية محل المعجزات والقوى الخارقة. ويبدأ التاريخ في دراسة الناس وهم في العمل بدل من دراسة الملوك وهم في الحرب. ويتحول التاريخ عن كونه آلة يتم فيها تسجيل حياة الشخصيات إلى تسجيل أحدث الآراء والأفكار وأعظم الاختراعات، وتزيد الجماعات المنتجة في الدولة.
ولقد اعتبر سبنسر موطنه انجلترا مثالاً للبلد الذي يقترب من المجتمع الصناعي، على الرغم من أنه استنكر بشدة نمو الروح العسكرية الحربية الاستعمارية فيها، واعتبر كلاً من فرنسا والمانيا مثالاً للدول العسكرية الحربية.
إن العلاقات الاقتصادية أشد صعوبة من العلاقات السياسية وأكثر تعقيداً، ولا تستطيع حكومة تنظيم كل هذه العلاقات من غير اللجوء إلى الشدة من جانبها. وقد فشلت جميع المحاولات التي قامت، ويتضح لنا هذا من ملاحظة فشل قوانين تثبيت الأجور في انجلترا في العصور الوسطى، وقوانين تثبيت الأسعار في فرنسا، وينبغي ترك العلاقات الاقتصادية إلى التوفيق الذاتي الآلي للعرض والطلب، أما ما تريده الشعوب أكثر فستدفع ثمناً له أكثر، وإذا كان بعض الناس يتلقون أجوراً أكثر من غيرهم فهذا لأنهم كابدوا وخاطروا مقابل ماحصلو عليه.
أبدى سبنسر عطفه نحو الحركة التعاونية بحيث يصير تنظيم العمال أقل إلزاماً وقسراً عندما يتقدم المجتمع. وكل عضو سيكون سيد نفسه بالنسبة لعمله، ولا يكون خاضعاً إلا للقوانين التي تسنها أكثرية الأعضاء، والتي تستدعيها الحاجة إلى النظام، ويتم التحول من التعاون العسكري الالزامي إلى التعاون الصناعي الطوعي.
من أقواله: "ربما كان من الخطأ أن نبحث عن السعادة، من الافضل أن نخلقها لأنفسنا، والأفضل من كل شيء أن نخلفها للاخرين".
المرجع:
قصة الفلسفة: ول ديورانت .