مطامر النفايات، مناجم محتملة لمعادن ثمينة
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
تجذب حاليّاً العناصر الأرضية النادرة ومعادن مجموعة البلاتين وغيرها من المعادن الرئيسيّة اهتماماً كبيراً نظراً للمخاطر الناتجة عن نقص امداداتها ولتأثيرها الكبير على الاقتصاد، وقد أدى استخدامها في تطبيقاتٍ عديدةٍ إلى تواجدها في النفايات البلديّة الصّلبة وفي النفايات التجاريّة والصناعيّة حيث تَستخدِمُ العديدُ من العمليّات الصناعيّة مواداً ذاتَ محتوىً عالٍ من هذه المعادن.
أجرى باحثون من جامعة كارنفيلد في الممكلة المتحدة دراسةً حديثةً لتقييم وجودِ هذه المعادن في مطامر النّفايات، ولإثباتِ الجدوى الاقتصادية لاستخراجها من مواقع المطامر والتي يفوق عددها في المملكة المتحدة 4000 مطمر فعّال أو مغلق.
شملت الدّراسة أربعة مطامرَ مغلقةٍ جُمعت منها خمسٌ وخمسون عيّنة من أعماقٍ مختلفة، حيث تمَّ نخلُ العيّنات يدويّاً وفرزُها لإزالة البلاستيك، والمعادن، والورق، والمنسوجات، والزّجاج وغيرها من الموادِ الأكبر من 19 ملم، ثم تمّ تجفيفُ الجزء المتبقي كالمواد العضويّةِ في درجة حرارة 105 درجةٍ مئويّة لتقليل حجمها إلى أقلّ من 1.5 ملم، ومن ثمّ عُرِّضت العيِّنات لعمليةِ الهضمِ الحمضيِّ (acid digestion)* على مرحلتين لاستخراج أكبرِ كميّة من المعادن منها، وذلك باستخدام حمض النتريك كخطوةٍ أولى، وحمض كلور الماء كخطوةٍ ثانية، وقد تمّ استخراج 27 معدناً هامّاً من المطامر الأربعة، ويبين الجدول التالي متوسّط تراكيزها والانحراف المعياريّ النسبيّ لها في كل من المواقع المدروسة.
Image: source1
تُظهرُ الدّراسة أنّ أكثرَ المعادن تواجداً في المطامر الأربعة المدروسة هي السيريوم (Ce)، والنيوديميوم (Nd)، والليثيوم (Li)، والستيبيوم (Sb)، والكوبالت (Co)، وأن تراكيز العناصر الأرضيّة النادرة متماثلةٌ تقريباً في كلٍّ من المطامر الأربعة، كما أنّ تراكيز معادن مجموعة البلاتين مُنخفضةٌ في جميع المطامر ما عدا عنصر البالاديوم (Pd) الذي بلغ تركيزُه المتوسّط في أحد المطامر 0.8 مغ/كغ.
وتفاوتت تراكيز المعادن الرّئيسية الأخرى بين المطامر المدروسة، إلا أنها تناسبت معاً لتقدّم دليلاً على تواجدها في مطامر النفايات، وقد حازَ الليثيوم على أعلى تركيز 20 ± 11 مغ/كغ، ومن بعده الكوبالت فالستيبيوم، حيث يُستخدم الليثيوم، والكوبالت والستيبيوم في صناعات السيراميك والمواد الزجاجيّة، كما يُستخدم الليثيوم والكوبالت في صناعة البطّاريّات القابلة للشحن.
وقد وُجِدت المعادن الأخرى بما فيها النحاس (Cu)، والفضة (Ag)، والذهب (Au) بتراكيز متفاوتة جدّاً بين المطامر، ويعزى ذلك إلى نوعية مدخلات المطمر من النّفايات الصّلبة وغناها بمثل هذه المعادن الثمينة.
ومن ثمّ حسب الباحثون المبلغ الإجماليّ للمعادن الّتي يمكن استردادها من المطامر الأربعة باستخدام كميّة النفايات المدفونة في كل مطمر، وبعد الاطّلاع على أسعارِ المعادن المُستخرجة في السّوق مع افتراض درجة نقاءٍ عاليةٍ لها أكبر من 99%، حيث أن أكثر المعادن قيمةً والّتي تُعرف بالمعادن الثمينة تضم كلاً من البلاتينيوم (Pt)، والذهب (Au)، والبالاديوم (Pd)، والروثينيوم (Ru).
وتوصّل الباحثون إلى أن إيرادات استرداد معادن مجموعة البلاتين كبيرة تفوق 148 مليون دولار رغم وجود كميّة قليلةٍ منها لا تتجاوز 5 طن في المطامر الأربعة، وأنّ إيرادات النيوديميوم (Nd) التي تبلغ 9 ملايين دولار هي الأعلى للعناصر الأرضيّة النادرة، يليها إيرادات الديسبروسيوم (Dy)، ثم اليوريبيوم (Eu)، والبراسوديميوم (Pr)، فالإيتيريوم (Y)، كما يوفّر الليثيوم (Li) المردودَ الأكبر في المعادن الرّئيسية الأخرى بمبلغٍ يقاربُ 14 مليون دولار، يليه الكوبالت (Co) بإيرادات تتجاوز 3 مليون دولار.
وعلى الرغم من العائدات الضخمة المتوقعة من استرداد المعادن، لكن ينبغي الحذر في استقراء إمكانات هذه العائدات لأنّها مقيّدة بتكاليفِ استخراج المعادن ومعالجتها لفصلها عن المحلول الحمضيّ من جهة، وبتحقيق درجةِ نقاءٍ تزيدُ عن 99% من جهة أخرى، ممّا قد يجعل تكلفة استردادِ هذه المعادن الرّئيسية بشكل إفراديّ أكبرَ من القيمةِ الإجماليّة النظريّة المُقدّرة لها.
يخلُص الباحثون أخيراً إلى أنّ استخراج العناصر الأرضيّة النادرة والمعادن الثمينة وحدها لا يكفي اقتصادياً، لكن ستصبح العمليّة أكثر جدوى مع استرداد الألمنيوم والنّحاس اللّذينِ يوفّران معاً مردوداً من المطامر الأربعة يُقدًّر بحوالي 400 مليون دولار، علماً أنّ هذه الدّراسة شملت العناصر الموجودة في مكوّنات تربة المطامر فقط، وأنّه يمكن زيادة الجدوى باسترداد المواد المعدنية الأكبر وإعادة معالجةِ البلاستيك والاستفادةِ من نفاياتِ المعدّاتِ الكهربائيّة والإلكترونيّة الّتي تحتوي على كميّاتٍ كبيرةٍ من الموادِ القابلةِ لإعادةِ التّدوير.
لا تقفُ أهميّة استردادِ المواد من مطامر النّفايات على إيراداتٍ اقتصاديّة فحسب، بل أن هناكَ فوائداً أخرى لهذه العمليّة كاستصلاح أرض المطمر، والتخلّص من الإجراءات الإداريّة طويلة الأمد اللازمة لموقع المطمر.
* الهضم الحمضيّ:
هي إحدى الطرق الكيميائية المستخدمة لتحليل العينات وتحديد عناصرها الكيميائية واستخراجها.
المصادر:
1- هنا
2- هنا