نعم للتبغ!... من أجل حياةٍ أفضل للنحل
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
هناك نحو 250 نوعاً من النحل حول العالم، معظمها في نصف الكرة الشمالي، بالإضافة إلى بعض الأنواع المحلية في أمريكا الجنوبية ونيوزيلندا التي استقدم إليها النحل من بريطانيا. انخفض النحل بسبب تغيير الممارسات الزراعية بحيث أزيلت المساحات المزهرة، تاركةً القليل من الغذاء للنحل، فقد انخفض تعداد أفراد الأربعةٍ وعشرين نوعاً الموجودةُ في المملكة المتحدة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وانقرض نوعان منه عام أربعين وتسعمئة وألف. يعاني النحل في يومنا هذا الكثير، وقد تحدثنا عن أهم مشاكل النحل في مقالينا السابقين من هذه السلسلة (هنا و هنا). من المشاكل التي يعاني منها النحل؛ الطفيليات، حاله حال باقي الكائنات الحية.
إن اصطناع المركبات الاستقلابية الثانوية Secondary Metabolites في النبات لهو السمة المميزة التي يدافع فيها النبات عن نفسه ضد الحيوانات (والحشرات) العاشبة، ومع أن هذه المركبات قد تكون ذات تأثير سلبي على مستهلكي النبات إلا أنه لا غنىً عنها في حماية بعض الحيوانات العاشبة ضد الطفيليات. يحتوي رحيق الأزهار عادةً على هذه المركبات الثانوية، ولكن لا تزال الآثار الكيميائيةُ للرحيق على الملقحات الحشرية -بما فيها النحل- غير معروفة.
افترضت الدراسة التي نناقشها اليوم أن المركبات الثانوية في الرحيق يمكن أن تقلل من العدوى الطفيلية للنحل. تم تلقيح النحل الطنان الشبيه بنحل العسل (اقرأ مقالنا السابق عنه من هنا) بالمتطفل المعوي Crithidia bombi ودُرس بعدَ ذلك تأثيرُ ثماني موادَ كيميائيةٍ موجودةٍ طبيعياً في الرحيق على هذا النحل المعدى. خفضت المركبات الحمولة الطفيلية بشدة؛ نظراً لتأثير القلويدات والجلوكوزيدات والتيربونيدات Terpenoids بنسبة تتراوح بين 61 - 81%. تم في هذا البحث أيضاً تقييم أثر الأنابازين Anabasine (وهو قلويد موجود في نبات التبغ) والجدوى الاقتصادية لاستخدامه إذا أنه يؤثر بشكل فعال في المتطفلات على النحل، علماً أن له آثارَ جانبية كزيادة الوقت اللازم للبدء بوضع البيض.
وُجدَ أن الحشرات التي تمت تغذيتها على نظام غذائي مكون من الأنابازين Anabasine ، كانت الأوفر حظاً في تخلصها من الطفيليات بعد أسبوع واحد. أظهرت النتائج المخبرية أن تربية هذه الأنواع من النباتات حول الحقول الزراعية قادر على خلق "حيـّـزات صحية" طبيعية تساعد في إبقاء النحل المصاب على قيد الحياة وفعالاً في تلقيح المحاصيل، وذلك وفقاً لباحثي كلية دارتموت وجامعة ماساتشوستس-امهرست في الولاياتِ المتحدةِ الأميركية. يدّعي العلماء أن التركيزات المستخدمة في الدراسة ربما قللت من تعرض النحل الحقيقي للكيميائيات النباتية.
إن أحد الاحتمالات المرجحة بناءً على نتائج الدراسة هي أن النحل قادر على علاج نفسه عن طريق استهلاك مركبات النبات الثانوية عندما يكون مصاباً بالطفيليات على فرض أن بعض مركبات الرحيق قادرة على التقليل من إصابة النحل بالطفيليات. لا تزال هذه الدراسة مخبرية ولا تزال النتائجُ بحاجةٍ إلى اختبارها مجدداً في الطبيعة، وهذا ما يجري العمل عليه حالياً بتنفيذ خطط بحثية تقيـّم تأثير النباتات المزروعة في شرائط الملقحات حول المحاصيل الزراعية على أمراض النحل وخدمات تلقيح المحاصيل.
إن نحل العسل معروف ببحثه عن مركبات النباتات الثانوية مع خصائص مضادة للفطريات عندما تتعرض للفطريات مثلاً، لكن هذه الدراسة هي المثال الأول الذي يوثق ذلك على نحو علمي. صحيح أنها دراسة مخبرية، لكن المؤكد أن زراعة النباتات ذات الصلة على نطاق أوسع سيزيد من تعرض النحل لها.
مركبان من كل ثلاثةٍ تم اختبارها في الدراسة موجودةٌ طبيعياً في رحيق أزهار أنواع منتشرة كالبطاطا وبعض أنواع الباذنجان وبالتالي قد يتمكن النحل يوماً ما من معالجة نفسه إذا رغب بذلك، فقط بتركيزنا على زراعة بعض الأنواع النباتية. تسلط نتائج هذا البحث الضوء على إمكانية الاستفادة من المنتجات الاستقلابية الثانوية في إنقاذ مستعمرات النحل من المتطفلات وتقليص العدوى بين المستعمرات.
المصادر:
Richardson L. L.، Adler L. S.، Leonard A. S.، Andicoechea J.، Regan K. H.، Anthony W. E.، Manson J. S. and Irwin R. E. (2015). Secondary metabolites in floral nectar reduce parasite infections in bumblebees. Proceedings of the Royal Society of London B: Biological Sciences، 282(1803). هنا
و
هنا