ماذا يمكن للهندسة المعمارية أن تقدم لصحتك؟
العمارة والتشييد >>>> التصميم المعماري
وضُعِت المبادئ التوجيهية للمخططين والمعماريين والمصممين بحيث يكون هدفها الرئيسي مواجهة المخاطر الصحية مثل أمراض السكري والسمنة عبر التصميم الذكي.
إن البيئة العمرانية من حولنا تتحكم -الى حد ما- في كيفية تعاملنا وتعايشنا معها مما يؤثر بشكل لا إرادي على نمط واسلوب حياتنا. فمثلاً كيف تذهب للعمل ؟ هل تمشي أم تقود أم تركب الدراجة الهوائية؟ هل تستقل المصعد أم تفضل صعود الدرج؟
نحن نتخذ هذه القرارات بشكل يومي وفي أغلب الأوقات بناءً على ما هو سهل ومريح. لكن التعليمات والارشادات المعمَّمة حديثاً موجَّهة بحيث تعطي المصممين المفاتيح والأدوات اللازمة للتَّشجيع على نمط حياة صحي ومفيد. إذاً ما الذي يستطيع المخططين والمعماريين فعله لتأمين نمط حياة صحي وفعَّال؟
تعلَّمت البشرية منذ القرن التاسع عشر كيف تواجه الأمراض المعدية، حيث أثبتت الكثير من التدابير الوقائية فعاليتها، فمثلاً إنشاء بنى تحتية وأبنية على أسس صحيَّة يقلل من حالات انتقال العدوى. هذا ما حدث في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع انتشار أمراض الكوليرا والسل. بينما في أيامنا هذه فإن معظم الأمراض منشأها اسلوب حياتنا وخياراتنا غير الصحية. فبعض الأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكري وبعض حالات السرطان والسمنة ترجع جذورها لنمط حياتنا غير الصحي والذي يتضمن أعمالاً تقتضي منا الجلوس لفترات طويلة بالإضافة إلى خياراتنا الغذائية السيئة.
تعتبر مدينة نيويورك ملائمة بشكل كبير للمشاة، بشوارعها المنتظمة والمرقمة بالإضافة لوسائط النقل العامة والعدد الكبير من الحدائق. بهذه المعايير تعتبر مدينة نيويورك مدينة فعالة. لكن ما الذي يمكن تحسينه بعد؟
المبادئ التوجيهية الحديثة دفعت باتجاه خمس إجراءات رئيسية هي :
تحسين الوصول لوسائط النقل العامة.
تحسين الوصول للمنشآت الترفيهية والساحات العامة.
تنشيط التفاعل بين المجتمع والفعاليات في الشارع.
تحسين الوصول للبضائع والخضار الطازجة.
تجهيز منشآت خاصة للدراجات الهوائية.
بعض المشاريع الجديدة قامت بالتوجه لتطبيق بعض هذه الاشتراطات مبيِّنةً كيفية عملها، كمشروع Hightline ومشروع South bronx green way الذي يحوي على شبكة من طرق الدراجات تصل المشروع مع شبكة الطرق الموجودة في جزيرة Randall.
إن تطبيق هذه الاشتراطات في الاستخدام اليومي للأبنية كما هو في تصميم المدن يمكن أن يدفع نحو نمط معيشي صحي ونشيط. المفاتيح الرئيسية لتصميم الأبنية هي التحفيز على استخدام الأدراج لمن يستطيعون ذلك عبر وضع أدراج مريحة للاستخدام اليومي، كما يشترط أن تكون الأدراج واضحة للمستخدم ومميزة ومريحة.
بالإضافة للأدراج يجب أن يشجع تصميم الفراغات للمبنى المستخدمين على المشي للوصول إلى الفراغات المشتركة كغرف البريد وفراغات الطعام والاستراحة وذلك بتأمين ممرات جذابة ومحفِّزة.
كما يجب تأمين منشآت تُحفِّز على ممارسة التمارين الرياضية كأن تكون هذه المنشآت مركزية ومرئية للجميع وتأمين الحمامات والأدواش وغرف الخزائن بالإضافة لأماكن وقوف الدراجات الهوائية وأماكن التزود بالمياه.
تصميم كتل الأبنية ودراسة الإكساء الخارجي بحيث يندمج التصميم مع البيئة المحيطة ليعطي احساساً مريحاً للمشاة، وتأمين عدة محاور للدخول ونقاط توقف ومظلات.
هذه التعليمات والارشادات يمكن التعامل معها كنظام تقييم. فهي ليست جزء من بحث علمي لكنها جاءت كنتيجةٍ لمراقبةِ سلوكِ الناس وكيفية تفاعلهم مع البيئة المحيطة وبالاستفادة من التجارب السابقة التي يمكن أن تخبرنا عن فعالية استخدام الفراغ سلباً أم إيجاباً.
أما فيما يخص ما تبقى من البيئات الحضرية فيتم تقييمها بناءً على خمس عناصر :
الكثافة، التنوع، التصميم، إمكانية الوصول من مختلف الجهات، والبعد عن أماكن التنقل.
الأولوية في التقييم تأتي من إمكانية الاستخدام المتعدد للأرض من قبل المشاة والدراجات الهوائية بالإضافة للبنية التحتية والحدائق والمساحات المفتوحة. هذا يتطلب من المصممين أن يأخذوا بالحسبان مختلف النشاطات الموجودة في البيئة والأحياء المحيطة والعمل على تحفيز وتطوير مختلف خدمات التبضع ومنشآت النشاطات الترفيهية وطرق النقل المشترك والحدائق الخارجية.
هذه الاشتراطات تحث على تصاميم أكثر مراعاةً للبيئة المحيطة والتشجيع على استخدام وسائط النقل العامة بدلاً من السيارات وتوسيع رقعة المساحات الخضراء مما سيؤدي إلى تخفيف تلوث الهواء وانبعاث الغازات في المحيط.
وفقاً لهذه التعليمات فإن مدينة نيويورك تحقق معظم هذه الاشتراطات، وبالرغم من ذلك فإنَّ التصاميم قابلة دائماً للتحسين والتطوير .
قسِّمت التعليمات إلى مجموعة من الأقسام الفرعية الموجَّهة للمخططين بحيث يتم شرح كل بند على حدى. وهي:
الاستخدام المشترك للأرض، الدخول الملائم للكراجات، الوصول للحدائق والمتنزهات، الوصول للساحات والمرافق الترفيهية، مناطق لعب الأولاد، الساحات العامة، القرب من محلات بيع الخضار والبضائع الطازجة، الوصل بين الشوارع، تخفيف حركة المرور، طرق المشاة، خلق الأرصفة والاعتناء بها، والبنية التحتية لطرق الدراجات الهوائية.
كل قسم من هذه الأقسام يقدم عدد من الاقتراحات لتقييم الفعالية بناءً على مجموعة من الأدلة الجديدة إضافة إلى التجربة. كما تم إتباعها بمجموعة من الحالات المدروسة وأمثلة من مشاريع مختلفة كمشروع Highline و Greenstreets و Madison Park و Bus shelters .
دليلٌ إرشادي مماثل تم تقسيمه وتوجيهه لتصميم الأبنية ويضم أقساماً عدة هي: تصميم الأدراج ذات الاستخدام اليومي، أبعاد الأدراج، حلول إبداعية لتصميم الأدراج كعناصر تزيينيَّه ومركزيتها بالنسبة للمباني، التقليل من استخدام المصاعد والأدراج الكهربائية، برمجة المباني، توسيع خيارات ممرات المشاة، المنشآت التي تشجع على التمرين، بالإضافة لكتل الأبنية وإكسائها الخارجي. هذا الدليل يصف أمثلة ناجحة مثل Modern Art، وHarlem Children’s Zone، وNeNew York Times Buildingw
بالتزامن مع هذه الإرشادات تم حث المخططين و المعماريين للاطلاع على مشروع PlaNYC وهي خطة استراتيجية لمواجهة المشاكل التي تعترض مدينة نيويورك، مثل تزايد عدد السكان وقِدَم البنية التحتية بالإضافة إلى التغيرات في المناخ. فالتعليمات الموصى بها في الدليل تعطي للمخططين لمحةً عن البيئةِ الحضريةِ عبر مجموعة من النقاط التي تقدم حلولاً نشطة ومستدامة لتخطيط صحي و بيئي. فالعديد من هيئات المدينة يعملون بالتزامن مع بعضهم البعض. كما أن دائرة النقل والمواصلات كانت ولا زالت مستمرة في عملية تطوير الشوارع بما يجعل المشي أكثر متعة عبر تخفيف الازدحام، والدراسة العمرانية للجزر الوسطية وللساحات العامة. كما قامت بتوسيع الطرق المخصصة للدراجات الهوائية وتأمين البنية التحتية لها كالمواقف المطلوبة بحسب القانون في الأحياء والفراغات التجارية. كما أصدرت دائرة التصميم والإنشاء في مدينة نيويورك كتيب إضافي هو التصميم العالمي، غايته رفع سوية التصميم ليتكيف مع احتياجات جميع المستخدمين.
هذه الإرشادات مجتمعة تسعى لإيجاد حلول تجمع صفات التصميم الحي والمستدام والعالمي، وتحقق التوازن بين التصميم والتكلفة. كما يتوافر مجموعة من الأمثلة المدروسة.
في النهاية الدليل الإرشادي عبارة عن مجموعة من الاستراتيجيات والاقتراحات المكثفة والشاملة التي يمكن أن توحي بطرق فريدة ومميزة للتصميم، لتجمع عناصر فعالة ومستدامة وعالمية على مختلف الأصعدة. بالإضافة إلى التشجيع على اتباع استراتيجيات تصميمية تتضمن الخيال والثبات وتتمتع بمقياس انساني.
هل تؤثر العمارة في صحة الإنسان فعلاً؟ هل يمكن مواجهة بعض أمراض العصر كالسكري والسمنة من خلال تصاميمٍ ذكية وفعالة؟
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر:
هنا