دروز بلغراد... رحلة الظلم والمعاناة.
كتاب >>>> الجائزة العالمية للرواية العربية
“مكتوب لي في اللوح المحفوظ أنني أطمر حيا ًحبيساً بلا جرمٍ في هذه الأرض الغريبة؟ أين العدل؟ كيف يصنع الربّ بي هذا؟"
يقدم لنا ربيع جابر في روايته "دروز بلغراد" قصة أناسٍ بسطاء قادهم سوء حظهم للمساهمة ببناء التاريخ في زمن الحكم العثماني، حيث يتغير مصيرهم بِسُلطَة القدر القاسية.
تسلط هذه الرِّواية الضوء على دور الدَّولة العثمانية بالتغيير الدِّيموغرافي الذي حصل في منطقة جبال لبنان عبر التَّحريض بين سكان تلك المنطقة الذين ينتمون لطوائف متعددة لتقوم بِنفي جماعة من إحدى الإثنيات (الدّرزية) إلى معسكرات العمل الإجباري على تخوم الإمبراطورية المريضة.
تبدأ الرواية بمشهد ترحيلِ مجموعة من الشُّبان الدُّروز إلى مراكز الأعمال القسرية، لِيُدخِلَ القدر المشؤوم "حنا يعقوب" بائع البيض الفقير برحلةِ عذابٍ امتدت لاثنتي عشرةَ سنة غيرت مجرى حياته، يعيش خلالها حنا مع إخوته غير الأشقاء متنقلين بين سجون بلغراد والهرسك وبريشتينا والجبل الأسود، ضمن ظروف المعاملة الوحشية والأمراض الفتاكة والموت العشوائي.
فبائع البيض الفقير لم يعد سجيناً فقط بل أصبح إنساناً باسمٍ جديد وهويةٍ جديدة ستظل ملازمةً له طوال مدة نفيه، ويبقى شبح هويته القديمة، ذكريات منزله، زوجته، طفلته وعمله ترافقه في نوبات الحمى وظلمات السجون.
أبناء الشيخ "غفار" الأربعة أصبحوا إخوة حنا في غربتهم -التي بدت لبعضهم أزلية-فَحلُمُ العودة رافقهم حتى القبر في رحلة عذابهم في الظلام والبرد والعمل الشاق. لم ينجُ سوى حنا بعدما أزيحت آخر معاقل الأتراك من بلغاريا ليقع مرةً ثانية بأيدي العثمانيين ويحاكم ويسجن من جديد بسبب بيضةٍ واحدةٍ التهمها بعد أيامٍ من الجوع والتَّشرد.
يعود الزمن بِحَنا مرةً أخرى إلى عذاب السجن وعمل السّخرة، فَتستمر معاناته لسنواتٍ عديدة حتى هروبه في النهاية، ليتحول الفقير المسيحي إلى فقيرٍ مسلم يصلي مع الحجاج الرَّاحلين إلى مكة في رحلة عودته إلى الوطن.
خلال قراءتك للرواية ستلاحظُ وصفاً دقيقاً للحصون العثمانية على تخوم الإمبراطورية وسجونها وحياة السجناء ضمنها وعذاباتهم التي لا تنتهي غالباً إلا بالموت برداً أو جوعاً أو نتيجة فتك الأمراض المختلفة بهم، كما يصف علاقاتهم ببعضهم وبسجانيهم وأنواع الأعمال الشاقة التي كانوا يسخرونهم للقيام بها.
تندرج رواية "دروز بلغراد" ضمن الرِّواية التَّاريخية، حيث ارتكزَ الكاتب على وقائع تاريخيةٍ معينة لبناء روايته هذه وشخصياتها التي لامست الواقعة التاريخية بدرجة إقناعها.
اعتمد جابر أسلوب السَّرد المباشر بلغةٍ بسيطة ضمن تسلسل تاريخي تقليدي يخدم موضوع العمل بدون زخرفات تقنية قد لا تخدم الموضوع، وبكلمة أخرى الحبكة مبنية على مقدمة وعرض وخاتمة حسب التَّسلسل الزمني للأحداث. يتميز أسلوب جابر في هذا العمل بإثارة التَّشويق المتراكم لنصل إلى الذروة والنهاية السعيدة. كما يتميز بروعة الوصف للأماكن وما يدور من تغييرات واختلاجات في الشَّخصية المحورية للعمل والتي هي شخصية "حنا" لنعيش الحالة الشعورية والتجربة المريرة التي عانى منها البطل.
---------------------------------
الكتاب: دروز بلغراد.
تأليف: ربيع جابر.
دار النشر: دار الآداب للنشر والتوزيع. بيروت.
نوعية الكتاب: 239 صفحة قطع متوسط.
الرقم الدولي: 9789953684960.