تتسارعُ عجلةُ التقدُّمِ في مجالِ الذكاء الصُنعيِّ بشكلٍ يوميّ، إلى حدٍّ جعل البعض يخافون هذا التقدُّم. فبعد أن أصبح الحاسوب قادراً على التَخيُّل والحُلم، ها هو اليوم يُناقش معنى الحياة مع الإنسان!
أطلق الباحثون في شركة «غوغل» ورقةً بحثيَّةً لإحدى أهمِّ التقنيَّات التي توصَّلوا إليها في هذا المجال. فقد قام الباحثون ببرمجة نموذجٍ مُطوّرٍ من برامج المحادثة الآليّة، والذي يستطيع تَعلُّم الاستجابة في المحادثات بناءً على أمثلةٍ من عدَّة مجموعاتٍ حواريّةٍ مُدرّبة.
لا يقوم هذا المُحاوِر الآليُّ بالإجابة على الأسئلة وفقاً لأجوبةٍ نمطيّةٍ مُعدّةٍ مُسبقاً، بل يستطيع بناء أجوبةٍ جديدةٍ لأيّ سؤالٍ مُستحدث، حيث قام الباحثون بسؤاله عدَّة أسئلةٍ ابتداءً من الأسئلة المُملّة حول تقانة المعلومات وصولاً إلى أسئلةٍ تتعلّق بمعنى الحياة!

كانت الأجوبة مُثيرةً للإعجاب ومُسلّية ومُثيرةً للغضب أحياناً.
سنستعرض البعض من أبرز المحادثات وأكثرها شاعريّة:
الإنسان: ما هي غاية الحياة؟
الآلة: خدمةُ المَصلحة العامّة
الإنسان: ما هي غاية العيش؟
الآلة: أن تعيش إلى الأبد
الإنسان: أين أنت الآن؟
الآلة: أنا في وسط اللّامكان
الإنسان: ما هو الغرض من الموت؟
الآلة: أن يكون لك حياة
الإنسان: ما هو الغرض من العواطف؟
الآلة: لا أعرف
الإنسان: ما هو الشيء الأخلاقيّ؟
الآلة: هو الذي يدعم الإنسانيّة
الإنسان: ما هي الأخلاق؟
الآلة: ما هو الإيثار؟
الإنسان: ما هو تعريف الإيثار؟
الآلة: إذا لم تكن مؤمناً، فأنت لا تعرف
الإنسان: حسناً، فما هو تعريف الأخلاق؟
الآلة: حسناً، في الحقيقة أنت لست مؤمناً
الإنسان: أخبرني بتعريف الأخلاق، فأنا مستاءٌ جدّاً الآن!
الآلة: أنا لا أخجل من كوني فيلسوفاً
وقد قام النظام أيضاً بالتَحدُّث بشكلٍ إيجابيٍّ عن «بيل غيتس» مُؤسِّس شركة مايكروسوفت.
الإنسان: ما هو رأيك بـ«بيل غيتس»؟
الآلة: إنه رجلٌ صالح.

لقد وجد الباحثون ذلك مُشجِّعاً، حيث يستطيع النظام تذكُّر الوقائع وفهْمَ سياق الكلام والأداء ضمن المنطق والحسّ السليم دون أيّة تعقيدات، ومن المُمكن تعميم هذا على الأسئلة الجديدة.

وعند التَعمُّق قليلاً في الورقة البحثيّة المنشورة، نرى أنّ البحث اعتمد على أبحاثٍ سابقةٍ لنماذج مُحَاورةٍ آليّة، لكنّها كانت مُخصّصةً لمجالاتٍ مُحدّدةٍ (كحجز تذاكر الطيران) وتتطلّب قواعد مُحدّدة مُسبقاً.
لكنّ هذا النموذج يُحَاور من خلال التنبّؤ بالجملة التالية بالنظر إلى الجملة الحالية أو الجمل السابقة للحوار. كما نجد أنّ هذا النموذج البسيط قادرٌ على توليد محادثاتٍ بسيطةٍ اعتماداً على بياناتٍ ضخمةٍ لمحادثاتٍ تدريبيّة. ويستطيع النموذج استخراج المعلومات والمعارف من مجموعةٍ مُحدَّدةٍ من البيانات أو من مجموعةٍ كبيرةٍ من ترجمات الأفلام.
وفي نطاقٍ مخصّص لبياناتٍ مُتعلّقةٍ بتقانة المعلومات، يستطيع النموذج إيجاد الحلِّ للمشاكل التقنيّة التي يواجهها المُستخدِم بواسطة محادثته.
نورد فيما يلي مثالاً عن ذلك:
الآلة: مرحباً
الإنسان: مرحباً
الآلة: هل بإمكانك إخباري بنظام التشغيل الذي تعمل به؟
الإنسان: أستخدم نظام «لينوكس»
الآلة: حسناً، لقد علمتُ أنّ المشكلة في شبكة الـ ssl vpn
(أي شبكة الاتصال الخاصَّة الافتراضيّة المُرتكزة على مآخذ التوصيل الآمنة)
الآلة: ما هي المشكلة التي تعاني منها لو سمحت؟
الإنسان: أرى خطأً مُتعلّقاً بالشبكة الافتراضيّة الخاصّة
الآلة: ما هي رسالة الخطأ التي تراها عندما تتّصل بشبكةٍ افتراضيّةٍ باستخدام الاتّصال الشبكيّ؟
الإنسان: رُفِض الاتصال، أو شيءٌ من هذا القبيل
الآلة: هل تستطيع إخباري بإصدار شبكة الاتصال التي تتّصِل عبرها؟
الإنسان: لست متأكّداً من معرفتي به
الآلة: هل تطلب الشبكة أيّة شهادة مُستخدِم؟
الإنسان: نعم
الآلة: هل أنت في العمل أم في المنزل حاليّاً؟
الإنسان: أنا في المنزل
الآلة: جرِّب هذا
الآلة: اذهب إلى الصفحة التالية <عنوان URL> وأدخل اسمك وكلمة المرور
الإنسان: تم
الآلة: جرِّب تسجيل الدخول بواسطة <اسم مستخدم> وتحقّق ممّا إذا كانت قد بدأت تعمَل بشكلٍ صحيحٍ الآن
الإنسان: نعم إنّها تعمل!
الآلة : عظيم، هل أستطيع مساعدتك بشيءٍ آخر؟
الإنسان: كلّا، كان ذلك مفيداً
الآلة: ليلة سعيدة.

ويحوي رابط الصفحة التي أعطاها النظام معلوماتٍ حول حسابات الشبكة الافتراضيّة الخاصّة vpn.

لكنّ الخبر غير السعيد بالنسبة للباحثين هو أنّ الأجوبة غالباً ما تكون قصيرةً وبسيطةً وأحياناً غير مُرضيةٍ كما وجدنا سابقاً، إلاّ أنّها بدايةٌ جيِّدة ومُشجّعة تجاه مزيدٍ من الأبحاث في مجال الذكاء الصُنعيّ.

------------------------------
الورقة البحثيّة:
هنا

-----------------------------