أول حساس حيّ للمجال المغناطيسي الأرضي
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
تُعرَف الكائنات الحيّة من البكتريا والكائنات الدقيقة وصولاً إلى الطيور والثدييات كالإوز المهاجر، السلاحف البحرية، الذئاب وغيرها، بقدرتها على التنقّل اعتماداً على الحقل المغناطيسي الأرضي. ومع ذلك، فلم يُعرف بدقّةٍ حتى الآن كيفية قيامها بذلك.
في عام 2002، أعلن باحثون من كلية بايلور الطبية عن اكتشاف خلايا دماغية في بعض أنواع الحمام مسؤولة عن معالجة المعلومات حول الحقل المغناطيسي، دون أن يتوصّلوا لمعرفة الجزء المسؤول عن الإحساس بالحقل، لذلك اقترحوا وجود خلايا عصبية حسية مسؤولة عن الإحساس بالحقل المغناطيسي الأرضي أطلقوا عليها "حسّاسات الحقل المغناطيسي" (magnetosensor) موجودة في الأذن الداخلية للطيور، ليعلنوا بذلك بدء سباقٍ تنافسيٍّ بين العلماء لإيجاد أولى هذه الخلايا العصبية.
وفي جامعة تكساس، كان علماء الأعصاب والمهندسون الذين استخدموا في بحوثهم المتعلقة بمرض الزهايمر والإدمان ديدان الربداء الرشيقة (Caenorhabditis elegans)، قد اكتشفوا أنّ لهذه الديدان قدرةً على الإحساس بالرطوبة، الأمر الذي قادهم إلى السؤال عن الأشياء الأخرى التي يمكن للديدان الإحساس بها، مثل الحقول المغناطيسية.
وكان ذلك العمل حافزاً للفريق لمتابعة بحثه، والتوصّل في نهايته إلى أول اكتشافٍ لحسّاسٍ بالحقل المغناطيسي الأرضي موجودٍ في حيوان، ألا وهي تلك الديدان C. elegans. الحسّاس المُكتشف هو بنية مجهريّة موجودة عند نهاية زوجٍ من الخلايا العصبية في دماغ الديدان لها شكل الإصبع تُدعى (Amphid Finger neurons "AFD")، ويشبه هذا الحسّاس هوائياً تلفزيونياً بمقياس النانو تستخدمه الديدان للتنقل ضمن الأرض.
ويتوقّع الباحثون أن تكون نفس هذه البنى موجودة في الحيوانات الذكيّة الأخرى كالفراشات والطيور، كما يؤمنون بأنها منتشرة في معظم الكائنات التي تسكن التربة. فكيف أثبت الفريق صحّة اكتشافه؟ وضع العلماء ديدان C. elegans ضمن أنابيب من الجيلاتين، وقاموا بمراقبة تنقُّلها، فوجدوا أن الديدان الجائعة تميل إلى الحركة باتجاه الأسفل، وهي الاستراتيجية ذاتُها التي تتّبعها لدى البحث عن طعام.
كما استخدم العلماء في بحثهم ديدان تعود إلى مواطن مختلفة، فوجدوا أنها تتحرك بزاوية دقيقة نحو الحقل المغناطيسي، والتي ستربطهم بالأسفل فيما لو أُعيدوا إلى موطنهم، فالديدان الأسترالية على سبيل المثال تحرّكت نحو الأعلى ضمن الأنابيب، وعزى العلماء سبب ذلك لكون نظام الإحساس بالحقل المغناطيسي مضبوط بدقّة وفقاً لبيئتها المحلية، وهو الذي يسمح للديدان بتمييز الأسفل من الأعلى. كما لاحظ العلماء تغيّر سلوك الديدان لدى إحاطتها بحقلٍ مغناطيسي خاص ناتج عن وشيعة، حيث بيّنوا من خلال تقنية التصوير الكلسي أنّ التغيرات بالحقل المغناطيسي تسبب تنشيط الخلايا العصبية AFD .
يؤكّد الباحثون القائمون على الدراسة والتي نُشرت في مجلّة eLife، على أنّ هذا الاكتشاف يمثّل مدخلاً هامّاً لفهم آلية الإحساس بالحقل المغناطيسي الأرضي في الحيوانات الأخرى، وهو مفاجأة كبيرة للجميع، لأن أحداً لم يتوقع أن للديدان قدرةً على الإحساس بالحقل المغناطيسي الأرضي.
المصدر:
هنا