سرجون الأكادي
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
و لكن هناك شخصيات تبقى أقرب للأذهان من شدة عظمتها و أهميتها التاريخية
و من هذه الشخصيات الملك سرجون الأكادي المعروف بسرجون العظيم، كما يُذكر أن اسمه يعني الملك الحقيقي أو الحاكم الشرعي.
تقول أسطورة سرجون بأنه لم يعرف والده مطلقاً، و أن أمّه أبقت خبر حملها سِرّاً، فوضعته في سلّة في نهر الفرات، وجده رجل يُدعى أكاي الذي عمِل بستانياَ لصالح يور زبابا الملك السومري لمدينة كيش.
حكمَ سرجون بلاد ما بين النهرين بين عامي 2334-2279 ق.م و اُشتهر بكونه والد الشاعرة العظيمة أنهيدونا.
لم يكن سرجون هو الاسم الذي أُعطي له عند مولده بل هو الاسم الملكي الذي اختاره لنفسه. و هو اسم سامي و ليس سومري و بناء على ذلك اعتبر سرجون سامياً.
بالرغم من كونه أحد أكثر الشخصيات القديمة شهرةً إلا أنه كان مجهولاً بالنسبة للعالم الحديث حتى سنة 1870 عندما نشر عالم الآثار السير (هنري راولينسون) أسطورة سرجون، و الذي عثر عليها في مكتبة (آشور بانيبال) في مدينة نينوى.
اُعتبرت الإمبراطورية الأكادية أول كيان سياسي يتمكن من الاستخدام الفعّال للبيروقراطية و الإدارة على مستوى واسع وعلى أساس يشابه استخدامها من قبل الحكام و الممالك المستقبلية. وكانت النظرة لسرجون بأنه أعظم إنسان عاش في منطقة بلاد ما بين الرافدين، فنسجت عنه الأساطير و القصص و احتفي به إلى جانب حفيده (نارام سين)، و اعتبر بمثابة شخصية شبه إلهية.
تولى سرجون منصب حامل الكأس لصالح حاكم مدينة (أومما) دون الحاجة لأي نفوذ أو صلات، و كان هذا المنصب يعني بأنه الشخص الثاني بعد الملك.
كسب سرجون ثقة الملك، وكان الاختبار الحقيقي له عندما قام ملك مدينة أوروك (لوغال زاغيزي سي) بحملة عسكرية ضد كيش، فشك يورزبابا بسرجون و قرر إرساله للتفاوض مع لوغال زاغيزي سي و تضمنت الرسالة التي يحملها طلباً منه أن يقتل سرجون و لكن لوغال زاغيزي سي رفض و قرر ضم سرجون له و احتلوا كيش و هرب يورزبابا.
ما حدث لاحقاً بين لوغال زاغيزي سي و سرجون غير واضح تماماً، فيقال أن سرجون كان على علاقة بزوجة لوغال . بغض النظر عن ما حصل فقد تحول التحالف بينهما إلى عداوة، و التقى جيشهما في معركة الوركاء و التي خرج فيها سرجون منتصراً. و جلب خصمه إلى مدينة (إنبور) أمام تمثال الإلهة (إنليل).
اختار سرجون الإلهة (عشتار) لتكون حاميته، و مع هزيمة كل من يورزبابا و لوغال زاغيزي سي توّج سرجون نفسه ملكاً على كيش و عمد إلى توطيد حكمه في سومر.
أمّا عن الحملات العسكرية و بناء الإمبراطورية نرى أن سمعة سرجون و أساطيره ساعدته بتوسيع مملكته في بلاد ما بين النهرين و مما ساعده أيضا بدايته المتواضعة، مما شجع الطبقة العاملة في بلاد مابين النهرين للانضمام له حيث نُظِر إليه على أنه المحرر. ولكن الطبقة العالية لم تتقبل هذا الأمر و كان على سرجون توطيد حكمه بالقوة العسكرية و التأكيد على أنه الحاكم الشرعي الوحيد.
بعد احتلال سومر قام سرجون ببناء و تجديد المدن، حيث بنى مدينة أكاد على ضفاف نهر الفرات و احتل مدينة ماري و حارب العموريين محتلاً مدينة آشور في الشمال و ضم نينوى.
كما يقال أنه احتل قبرص و وصلت جيوشه إلى البحر المتوسط و أقام تجارةً مع الهند ووصل إلى جبال طوروس و لبنان.
قام سرجون بتطوير النُظم العسكرية و ضم فرق متنوعة في الجيش و طور التشكيلات العسكرية و التي أصبحت منتشرةً في عصر الإسكندر المقدوني و تمكّن سرجون من بناء أول إمبراطورية عرفتها البشرية.
و في الإسهاب عن سرجون و الإمبراطورية الأكادية نجد أن تشكيل الامبراطورية كان التحدي الأول و الذي استطاع سرجون التفوق فيه، و لكن الحفاظ عليها شكّل التحدي الأعظم.
بَرع سرجون في الإدارة، وللحفاظ على تنظيم مملكته و التحكم بها منح سرجون مناصب القوة في المدن العديدة لأكثر الأشخاص الذين يثق بهم، و أدار مواطنو أكاد كما دعاهم البابليون (65) مدينة مختلفة. حيث أن كل مدينة احتلها أديرت من قبلهم و حُصِنت بجيش أكاد.
بالاضافة إلى ذلك لعبت ابنة سرجون (أنهيدونا) دوراً كبيراً في توطيد حكم والدها، فقد عينها القديسة الكبرى للإلهة (إنانا)، و عبر ذلك كله استطاع سرجون التحكم بالأمور الدينية والسياسية و الثقافية.
تُعرف أنهيدونا اليوم على أنها أول كاتبة عرفت بإسمها، ومما عُلِم عن حياتها يتضح أنها امتلكت القوة الإدارية بالإضافة إلى مواهبها الأدبية.
الاستقرار في المملكة أدى إلى إنشاء الطرق، تحسين الري و التجارة وتطور الفن و العلوم. أنشأت الامبراطورية الأكادية أول نظام بريدي في التاريخ، حيث ربطت الألواح الطينية الأكادية بمغلف حوى على إسم المرسل و ختم الشخص المرسل إليه.
طوّرَ سرجون نظاماً قياسياً للأوزان و القياسات للاستعمال في التجارة والأعمال اليومية بالإضافة إلى نظام ضريبي عادل لجميع فئات المجتمع، وأقام عدد من المشاريع البنائية كتجديد حدائق بابل التي تنسب له أحياناً.
أمّا من الناحية العسكرية تمّ تدريب و تجهيز جيش متفرغ، فضمت مدينة أكاد وحدها 5400 جندياً. و بالرغم من قلة الاحترافية في الجيش مقارنةً بالجيوش اللاحقة، فقد أدى كل ذلك للتفوق العسكري للجيش الأكادي في زمانه.
بالرغم من التحسن المعيشي الذي عاشه سكان بلاد الرافدين، قام الناس بالثورات ضد الحكم الأكادي. و لكن ظل البابليون يحكون بطولات سرجون لمدة ثلاثمئة عام و كيف استطاع تدمير كل من ثار عليه.و بحسب لائحة الملوك السومريين فقد حكم سرجون 56 سنة و مات بأسباب طبيعية.
و في نهاية المطاف نجوبُ قليلاً بما قيل في الأسطورة و الإرث فقد كتبت الأساطير عن سرجون و سلالته حتى أخر أيام الإمبراطورية السريانية، ووجدت قطعة رأس سرجون النحاسية في نينوى و التي دلّت على أهميته في الحضارة السريانية، و اعتبرت من أهم معالم الفن الرافدي.
قصة سرجون، الطفل الذي وُجِد في سلّة في نهر الفرات و كَبُر ليصبح القائد الأعظم لشعب بلاد الرافدين أثرت على العديد من الثقافات اللاحقة، وشكل مثالاً للقتال و النضال للشعوب السومرية التي قاومت قبائل (الكوتيين) فيما بعد.
تولى ابن سرجون الأكبر (ريموش) إدارة الامبراطورية بعد موت سرجون و استمر في إخماد الثورات المشتعلة ضد الحكم الأكادي ودام حكمه تسع سنوات، ليتولى الحكم بعده أخوه (مانيشوتشو) و حكم خمسة عشر عاماً.
حكم أولاد سرجون بشكل جيد لكن الامبراطورية بلغت ذروة مجدها في عصر حفيده (نارام سين).
بعد موت نارام سين تولى ابنه(شل كلي شري) العرش و بدأت المدن في عصره تستقل عن الامبراطورية و تشكل مملكات مستقلة.
حارب شل كلي شري العموريين و قبائل الكوتيين الغازية من الشمال بالإضافة إلى الثورات العديدة التي قامت ضده، مما أدى إلى سقوط الامبراطورية الأكادية في يد الكوتيين و الذين جلبوا العصر المظلم على بلاد الرافدين ووصفوا بمدمري الحضارة.
وفي النهاية دُمِرت مدينة أكاد و التي لم يعرف مكانها حتى اليوم، و لم يبق من الامبراطورية الأكادية غيرَ أساطيرٍ مَلكُها سرجون العظيم.
مصادر المقال:
هنا
هنا