بدايات العبودية في أمريكا والأحداث التي أدت إلى الحرب الأهلية
التاريخ وعلم الآثار >>>> تحقيقات ووقائع تاريخية
بداية العبودية:
لجأ المستعمرون الأمريكيون إلى العبيد الأفارقة كقوة عاملة أرخص ثمناً وأكثر وفرة من عمال السخرة المنتمين بغالبيتهم إلى فئة الفقراء البيض. ففي عام 1619 رست أول سفينة هولندية حاملةً معها 20 أفريقياً لمستعمرة جيمس تاون البريطانية في فيرجينيا، ومنذ ذلك الحين ازداد عدد العبيد إلى حوالي ستة أو سبعة ملايين أفريقي استقدموا إلى العالم الجديد خلال القرن الثامن عشر فقط.
خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، تركزت العبودية في مزارع الأرز والتبغ على الساحل الجنوبي لأمريكا الشمالية. وخلال الثورة الأمريكية على التاج البريطاني، بدأ بعض المستعمرين في الشمال (حيث كان الاقتصاد مستقل بشكل كبير عن العبيد ونشاطهم) يرفضون العبودية ويشبهونها بالطغيان البريطاني الذي جثم على أمريكا قبل الاستقلال. وبعد انتهاء الحرب، اعترف الدستور الأمريكي بمؤسسة العبودية كما أسماها وعدَّ العبد ثلاثة أخماس الفرد الحر في مسائل الضرائب والتمثيل البرلماني.
أهمية محالج القطن:
في أواخر القرن الثامن عشر كانت الأراضي المزروعة بالتبغ قد استنهكت مما وضع النشاط الاقتصادي ومعه العبودية على حافة الهاوية في الولايات الجنوبية. لكن ازدهار الصناعات النسيجية في بريطانيا وازدياد الطلب على القطن المزروع في الجنوب كان بمثابة قارب النجاة الذي خلص الاقتصاد في تلك المنطقة من الانهيار. كذلك فإن اختراع إيلي ويتني لمحلج القطن ساعد على إزالة البذور من ثمار القطن، مما دفع إلى تحول أراضي الجنوب من زراعة التبغ إلى القطن وازداد معه الاعتماد على العبيد في أعمال الزراعة.
على المقلب الآخر، لم تنتشر العبودية في الولايات الشمالية بهذا الحجم ففي العام 1804 كانت العبودية ممنوعة في كل تلك الولايات ولكنها ما زالت أساسية في الجنوب. وبعد ذلك بأربعة أعوام، جرّم الكونغرس الأمريكي تجارة العبيد الأفارقة ولكن هذا أدى إلى ازدهار التجارة الداخلية وتضاعف عدد العبيد ثلاث مرات إلى أن بلغ حوالي 4 ملايين في عام 1860، أكثر من نصفهم يعيشون في الولايات المنتجة للقطن.
الأحوال الاجتماعية للعبيد ومالكيهم:
أما بالنظر إلى أحوال العبيد الذين شكلوا حوالي ثلث سكان الولايات الجنوبية وعاشوا بمعظمهم في المزارع الكبيرة فإن حياتهم كانت معتمدة بشكل أساسي على مالكيهم من خلال مجموعة من الأنظمة التي حكمتهم. وعلى سبيل المثال، حُرم على العبيد تعلم القراءة والكتابة، وكان باستطاعة مالك العبيد أن يقيم ممارسات جنسية مع النساء المستعبدات، كما كانوا يعاقبون العبيد المتمردين بقسوة وحشية. ولم تكن الطبقية الاجتماعية مقتصرة بين البيض والعبيد ذو البشرة السوداء بل أيضاً بين العبيد أنفسهم حيث يتربع على رأس الهرم الاجتماعي العبيد الذين يعملون بالمنازل أو الحرفيين المهرة وينتهي مع العبيد المزارعين في الحقول. هذه الهرمية حالت دون اتحادهم وأبقتهم منقسمين على أنفسهم ومشتتين مما أفقدهم القدرة على النجاح بأي ثورة ضد مُلّاكهم.
إلا أن كل هذه الأوضاع الاجتماعية المتردية أدت إلى بعض المحاولات الثائرة والمتمردة التي كانت سرعان ما تنتهي بالفشل وأشهر هذه الثورات؛ ثورة نات ترنر في عام1831 في ولاية فرجينيا حيث قام حوالي 75 عبد بقيادة نات ترنر بقتل 60 مستعمراً أبيضاً خلال يومين. لكن المقاومة المسلحة للبيض وتدخل ميليشيات الولاية أديَّا إلى إخماد هذه الثورة التي رأى فيها مؤيدو العبودية دليلاً على همجية ذوي البشرة السوداء وأن العبودية هي الوسيلة الوحيدة لتنظيمهم وتأديبهم. انتهت هذه الثورة إلى تشديد الأحكام والقوانين المتعلقة بالعبيد في الولايات الجنوبية بشكل يحد من قدرتهم على التعلم والتنقل والاجتماع. فيما ازداد دعم الولايات الشمالية لفكرة تحرير العبيد.
نمو الحركة المناهضة للعبودية في الشمال:
بين ثلاثينات وستينات القرن التاسع عشر، نمت حركة الإلغاء "Abolition Movement" المناهضة للعبودية والتي كانت بقيادة بعض الأفارقة الأحرارمثل فريديريك دوغلاس والمؤيدين لهم مثل ويليام غاريسون. وقد كانت منطلقات هذه الحركة نابعة من مصادر مختلفة بعضها ديني مثل الاعتقاد أن الاستعباد خطيئة، وبعضها لا ديني يتعلق بالتحرر وأن الاستعباد لا يحقق أية فوائد اقتصادية كما تدعي الولايات الجنوبية.
هؤلاء الأفارقة الأحرار وآخرون من المعادين للاستعباد في الولايات الشمالية بدؤوا بمساعدة العبيد على الهروب من الجنوب إلى الشمال وتأمين مساكن لهم هناك؛ بلغت هذه المبادرة ذروتها في ثلاثينات القرن التاسع عشر وأدت إلى تحرير ما يقارب 40000 لـ 100000 عبد، وانتشار حركة Abolition، وازدياد الحساسيات المناطقية بين الشمال والجنوب.
Image: biography.com
الشكل (1): فريديريك دوغلاس أحد قادة الحركة المناهضة للعبودية "Abolition Movement"
التوسع نحو الغرب والنزاعات حول مستقبل العبودية:
أدى التوسع نحو غرب القارة الأمريكية الشمالية وضم أراضي جديدة للدولة إلى احتدام الصراع حول شرعية العبودية في هذه الأراضي الجديدة بين المعسكرين الشمالي المناهض والجنوبي المؤيد للعبودية. فتلك الولايات المنضمة حديثاً للدولة الأمريكية كانت يجب ألا تخل بتوازن القوى القائم بين هذين المعسكرين مما أفضى إلى إبرام تسوية ميسوري في عام 1820 والتي تم من خلالها قبول ميسوري كولاية تسمح بالعبودية مقابل مين كولاية حرة (لا استعباد فيها) واعتماد حدود ولاية ميسوري الجنوبية كخط فاصل بين الأراضي الحرة في الشمال والأراضي التي تسمح بالعبودية في الجنوب. بمعنى آخر، إن أي ولاية تريد الانضمام إلى الدولة الأمريكية يجب أن تسمح بالعبودية إذا كانت واقعة جنوب خط ميسوري ويجب أن تحرّمها إذا كانت واقعة شمال هذا الخط.
Image: www-tc.pbs.org
الشكل (2): خط ميسوري الذي يفصل بين الولايات الحرة في الشمال والولايات التي تسمح بالعبودية في الجنوب.
للأسف لم تؤد هذه التسوية إلى إنهاء الحساسيات والنزاعات مما دفع إلى ظهور مقترح جديد في عام 1854 وهو قانون كنساس نبراسكا والذي نص على حرية سكان الولايات الجديدة باختيار مستقبل العبودية في تلك الولايات عوضاً عن اتباع خط جغرافي حسب تسوية ميسوري. وقد أدى هذا القانون إلى سلسلة من النزاعات الدموية والتي عرفت باسم كنساس النازفة "Bleeding Kansas" وكذلك أفضى هذا القانون إلى انهيار حزب "Whig Party" ونشوء الحزب الجمهوري. كل هذه الأحداث التي رافقت تاريخ العبودية أدت إلى الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب.
المصدر:
هنا