البلوتونيوم المعدن الفريد
الكيمياء والصيدلة >>>> كيمياء
البلوتونيوم هو عنصرٌ معدنيّ مشعّ بلونٍ فضّيٍّ يصبحُ مائلاً إلى الصّفرةِ عندَ تعرّضهِ للهواء، رمزهُ الكيميائي Pu ويملكُ العددَ الذّريَّ 94.
ينتجُ البلوتونيوم أثناء عملية الانشطار في المُفاعلاتِ النّوويّةِ نتيجة قذف عنصر اليورانيوم بالنيترونات، ومعظمُ كميّةِ البلوتونيوم الموجودةِ على أرضِ الواقعِ هيَ من صُنعِ الإنسانِ، و يُمكنُ أن يتواجدَ بكميّاتٍ ضئيلةٍ جداً في الطّبيعةِ.
على الرغمِ من مخاطرهِ المحتملةِ إلّا أنّهُ يملكُ خصائصَ فريدةً تجعلهُ مفيداً في بعضِ الأحيانِ. فهذا المعدنُ يُنتج حرارةً يمكنُ استخدامها كمصدرِ طاقةٍ للأقمارِ الصناعيّةِ وأجهزةِ تنظيمِ ضرباتِ القلبِ.
اذاً فما هي تلكَ الخصائصُ الفريدةُ؟
لمعرفةِ ذلكَ دعونا نتكلّمُ بدايةً عن أساسيّاتِ الذّرّةِ:
تدورُ الإلكتروناتُ حولَ نواةِ الذّرةِ وفقَ مداراتٍ إلكترونيّةٍ، وكلُّ مدارٍ من هذهِ المداراتِ يملكُ عدداً أعظميّاً من الإلكتروناتِ الّتي يمكنُهُ حملها.
في المعادنِ العاديّةِ، يبقى عددُ الإلكتروناتِ الّتي يُمكنُ أن تتواجدَ في المدارِ الأخيرِ ثابتاً؛ فمثلاً يملكُ النحاسُ إلكتروناً واحداً أما الحديدُ فيملكُ اثنين. وفي حالةِ غيابِ أيّ طاقةٍ خارجيّةٍ تؤثّرُ على الذّرةِ، كالحرارةِ أو التّيّارِ الكهربائيِّ، تبقى الإلكتروناتِ في حالتها الطاقيّة الدنيا، وتُدعى بالحالة القاعية Ground state.
ولمعرفةِ ما تبدو عليهِ إلكتروناتُ البلوتونيوم في حالتها الطاقيّةِ الدّنيا، قامَ فريقُ Janoschek بإطلاقِ حزمةٍ من النيترونات* على عينةٍ منَ البلوتونيوم.
يملكُ كلّاً منَ النيترونِ والإلكترونِ حقلاً مغناطيسيّاً، وهذهِ الحقولُ تملكُ عزوماً مغناطيسيّةً. يُشيرُ العزمُ المغناطيسيُّ إلى مقدارِ واتجاهِ القوّةِ اللّازمةِ لجعلِ جسمٍ ما يصطفُّ وينتظمُ داخلَ الحقلِ المغناطيسيِّ.
وعندَ تداخلِ العزومِ المغناطيسيّةِ للبروتوناتِ والإلكتروناتِ معَ بعضها البعضِ، لاحظَ الفريقُ وجودَ أحدَ أنماطِ تأثيرِ الحالةِ القاعيّةِ، والّتي كشفت وأوحت بعددِ الإلكتروناتِ المتواجدةِ في المدارِ الخارجيِّ لهُ.
فوجدوا بذلكَ أنَّ البلوتونيوم يمكنُ أن يحتوي على أربعِ، خمسِ أو ستِّ إلكتروناتٍ في مدارهِ الخارجيِّ في حالتهِ الطاقيّةِ الدّنيا، والعلماءُ الّذينَ حاولوا سابقاً تفسيرَ الخصائصَ الغريبةِ لهذا العنصرِ كانوا قد افترضوا أن هذا العددَ ثابتٌ.
لكنَّ ما وجدتهُ الدراسةُ الجديدةُ هو أنّه "يتقلّبُ بينَ التوضّعاتِ الثّلاثةِ المختلفةِ"، وبعبارةٍ أخرى إنّهُ يتواجدُ في التوضّعاتِ الثلاثةِ جميعها في الوقتِ ذاته!
لقد تمَّ وضعُ الأساسِ النظريِّ لهذهِ الحالةِ الغريبةِ في عامِ 2007، عندما طوّرَ الفيزيائيون في Rutgers University أداةً رياضيةً جديدةً افترضت أنَّ إلكتروناتِ البلوتونيوم يمكنُ أن تتقلّبَ على هذا النحو.
فكانت هذهِ التجربةُ Los Alamos هي الأولى من نوعها منَ الناحيةِ النّظريةِ والّتي قد ثبتَت صحّتها فعلاً.
الخصائصُ الغريبةُ للبلوتونيوم :
هذا التقلّبُ والتّذبذبُ في توضّعِ الإلكتروناتِ في البلوتونيوم يمكنُ أن يفسِّرَ عدمَ انجذابهِ إلى المغناطيس.
إذ تحصلُ المغانطُ على قدرتها المغناطيسيّةِ الّتي تجعلها تلتصقُ بالمعادنِ، منَ الإلكتروناتِ الفرديّةِ، فكلُّ إلكترونٍ يمثّلُ مغناطيساً صغيراً يملكُ قُطباً موجباً وآخرَ سالباً. أثناءَ عمليّةِ ملءِ المداراتِ الذّريّةِ بالإلكترونات، يتوضّعُ كلُّ إلكترونٍ في مكانهِ بشكلٍ مفردٍ ويأخذُ توجُّهاً مغناطيسياً في اتجاهٍ واحدٍ. وعندَ دخولِ المزيدِ منَ الإلكتروناتِ، فإنها تتزاوجُ معَ الأقطابِ الموجبةِ أو السّالبةِ الّتي تواجهها ممّا يؤدّي إلى إزالةِ الحقولِ المغناطيسيّةِ.
ولكن في بعضِ الأحيانِ لا يتمكّنُ الإلكترونُ من إيجادِ شريكٍ لهُ. على سبيلِ المثالِ؛ عندما يتمُّ وضعُ جسمٍ منَ الحديدِ داخلَ حقلٍ مغناطيسيّ، فإنّ جميعَ الإلكتروناتِ الفرديّةِ غيِر المتزاوجةِ تصطفُّ وتنتظمُ بنفسِ الاتجاهِ، ممّا يشكّلُ حقلاً مغناطيسياً معاكساً يُمكنُ لهُ أن يجذُبَ جميع الأجسام المِغناطيسيّة.
ولأنّ عددَ الإلكتروناتِ في المدارِ الخارجيِّ لذرّاتِ البلوتونيوم سيبقى متغيّراً بشكلٍ مستمرٍّ، فإنَّ هذهِ الإلكتروناتِ لن تنتظِمَ وتصطفَّ أبداً في حقلٍ مغناطيسيٍّ ولن يكونَ بوسعِ البلوتونيوم أن يُصبح مُمغنطاً.
هذهِ التجربةُ أضحت أكثرَ من مجرّدِ طريقةٍ لكشفِ إحدى خصائصِ البلوتونيوم الغريبةِ، فالتقنيةُ الرياضيّةُ الّتي استُخدِمت فيها إلى جانبِ اكتشافِ الإلكتروناتِ الغريبة للبلوتونيوم، منَ الممكنِ أن تساعدَ العلماءَ على التنبؤِ بسلوكِ العناصرِ الجديدةِ، إذ أنّ الطريقةَ الوحيدةَ المتبعةَ حتّى الآن في معرفةِ سلوكها هيَ القيامُ بتجاربَ متعددةٍ على العنصرُ مثلُ تسخينهِ أو تعريضهِ لحقلٍ مغناطيسيٍّ أو كهربائيّ. وبذلكَ يمكنُ أن تكونَ هذهِ التجربةُ طريقةً جديدةً لمعرفةِ سلوكِ أيِّ عنصرٍ جديدٍ بشكلٍ أسرعَ من سابقتها.
يقولُ البروفيسور Gabriel Kotliar وهو فيزيائيٌّ في جامعةِ Rutgers وواحدٌ من أوائلِ الباحثين الّذين عملوا على إنجازِ هذهِ النّظريةِ بشكلها الرياضيِّ: "إنّ نظريةً تنبُئيةً رياضيّةً كهذهِ في عالمِ المواد والعناصرِ تمثّلُ أمراً بالغَ الأهميّةِ لأنّنا سنتمكّنُ أخيراً من خلالِها منَ المحاكاةِ والتنبؤِ بخصائصِ الموادِ باستخدامِ الحاسوب. وبالنسبةِ للمعادنِ المشعّةِ كالبلوتونيوم، فإنَّ تطبيقَ نظريةٍ كهذهِ أقلُّ كلفةٍ بكثيرٍ من إجراءِ تجاربَ فعليّة".
كما و يمكنُ لهذهِ النظريّةِ بالإضافةِ إلى ذلكَ أن تفسّرَ إحدى الخصائصِ الغريبةِ الأخرى للبلوتونيوم، فهذا العنصرُ يتمدّدُ ويتقلّصُ بصورةٍ أكبرَ من بقيةِ المعادنِ عندَ تسخينهِ أو تعريضهِ لتيارٍ كهربائيّ.
النيترون : هو واحدٌ منَ الجسيماتِ تحتِ الذّريّةِ الموجودةِ في نواةِ الذّرةِ بالإضافةِ إلى البروتون، لا يملكُ شحنةً كهربائيّةً على عكسِ البروتونِ صاحبِ الشّحنةِ الموجبةِ. عددُ النيتروناتِ في نواةِ الذّرةِ يحدّدُ نظائرَ هذا العنصرِ.
المصدر
هنا
مصدر الحاشية:
هنا