نعمة قتل الأشقاء| خلايا لوكيميا تتحوّل إلى خلايا مناعية قاتلة لشقيقاتها
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
- اللوكيما Leukemia أو ابيضاض الدم:
في نقي العظم، تبدأ رحلة تكوّن خلايا الدم المختلفة حيث تنقسم الخلايا الجذعية الدموية فيه ـ في الحالات السوية ـ إلى أنواع مختلفة من الخلايا تتمايز فيما بعد إلى خلايا دموية وظيفية (كريات الدم البيضاء والحمراء والصفيحات).
ولكن في معظم حالات ابيضاض الدم (لابيضاض الدم أربعة أنواع هي ابيضاض الدم النَّقوي المزمن/ الحاد، وابيضاض الدم اللمفاوي المزمن/ الحاد)، تتشكل العديد من كريات الدم البيضاء الشاذة؛ وتحتشد حول الخلايا الطبيعية في نقي العظم والعقد اللمفاوية والكبد والطحال، وعندما تصل إلى الدم وكنتيجة لاكتظاظها ـ لأنّه لا يمكن الاستفادة منها بشكلها الشاذ لأنها تكون غير وظيفيه ـ يصبح الدم غير قادر على أداء مهامه، وقد يتعرض المريض لحدوث نزف أو كدمات ويلتقط العدوى بسهولة.
والآن قبل أن نبدأ حكايتنا مع الخلايا القاتلة وندخل في بعض التفاصيل، الأمر ببساطة موجزة هو كالتالي:
هناك أضداد (أجسام مضادَّة) ترتبط بمستقبلات خاصة بها على سطح خلية الدم البيضاء السرطانية (خلية لوكيميا)، وتحولها إلى خلية مناعية شجيرية تمتد منها استطالات إلى الغشاء الخارجي لأخواتها السرطانيات الأخريات وتفتك بها في آلية تسمّى بالإنكليزية Fratricide أو قتل الأشقاء. كيف ذلك؟ حسناً، ستساعدكم هذه الصورة على تخيل ذلك، ويبقى أن تتابعوا القصة كاملة فيا يلي الصورة من فقرات...
Image: U-T research
ولكن، كيف بدأت القصة بالضبط؟ ومن أين جاءت فكرة هذه الأضداد؟ وقبل كلّ شيء ما هي الأضداد؟
الأضداد هي جزيئات بروتينية (غلوبولينات مناعية) يصطنعها الجهاز المناعي كرد فعل على وجود عناصر غريبة في الجسم (بكتريا/ فيروسات...إلخ) أو خلايا سرطانية، حيث ترتبط الأضداد بمواد موجودة على سطح هذه العناصر الغريبة ليقوم الجهاز المناعي في النهاية بالقضاء عليها.
أمّا كيف جاءت الفكرة؛ فقد حدث هذا بينما كان علماء من معهد (TSRI) The Scripps Research Institute) يبحثون عن أضدادٍ يُمكنها أن تُفعّل مستقبلات عامل النمو على سطح خلايا نقي العظم غير الناضجة، وبالتالي تحويلها إلى خلايا دم ناضجة متخصصة (كريات دم بيضاء وحمراء وصفيحات) والهدف هو استخدامها في علاج الأشخاص الذين يعانون من قصور في عامل النمو المنشِّط لتكوّن خلايا الدم أو في نوع معين من الخلايا المناعية.
حسنٌ، وهل نجحوا في ذلك؟
نعم! استطاع فريق البحث تحديد عدد من الأضداد التي تفعّل مستقبلات موجودة على سطح خلايا نقي العظم.
لا يبدو هذا حتى الآن ذا صلةٍ باللوكيميا! فما الرابط؟
أثناء اختبار فاعلية هذه الأضداد وُجِدَ أنّه كان لبعضها تأثيراتٌ غير متوقعة على خلايا نقي العظم، إذ جعلها تتمايز إلى نوع آخر من الخلايا مختلفٍ كلياً ( أي أنَّهُ ليس أيٌّ من الخلايا الدموية المعروفة) كالخلايا العصبية مثلاً، وهنا تساءل العلماء عمّا إذا كان يُمكن الاستفادة من ذلك في تحويل خلايا نقي العظم السرطانية إلى خلايا غير سرطانية.
والتساؤل هو رأس الخيط لبدء سلسلة من التجارب، فما الذي فعله العلماء؟
1. قام فريق البحث باختبار 20 ضدٍّ من الأضداد التي اكتشفوها مؤخراً على خلايا من أشخاص مصابين بمرض ابيضاض الدم النَّقوي الحاد والنتيجة:
كان لواحدٍ من هذه الأضداد تأثيراً غير اعتياديٍّ على هذه الخلايا. لماذا؟
لأنّ نسبةً عالية من خلايا ابيضاض الدم النقوي المزمن تحمل على سطحها مستقبلاً يُسمَّى Thrombopoeitin أو اختصاراً (TPO)، والضدّ سابق الذكر انتقائي ومتخصص جداً بهذا المستقبل.
2. عندما تمّ اختبار تأثير ضد TPOعلى خلايا ابيضاض الدم النَّقوي الحاد، تمايزت هذه الأخيرة إلى نوع مختلف من الخلايا تُسمّى Dendritic cells أو الخلايا الشجيرية (وهي خلايا أساسية داعمة في جهاز المناعة).
لكن، هذه ليست نهاية القصة...
لم يكتفِ العلماء بذلك، فقد لاحظوا أنَّه بتعريض هذه الخلايا الشجيرية للأضداد لفترة أطول وضمن شروط استنبات معيَّنة أخرى داخل المختبر، يُمكن أن تتحول هذه الخلايا إلى خلايا تشابه إلى حدّ كبير خلايا القتلة الطبيعيون أو Natural killers (وهي نوع من الخلايا المناعية يُمكن أن تكون فعالة ضد الفيروسات والبكتريا والخلايا السرطانية حتى وإن لم يسبق أن تعرّفت عليها مسبقاً). وقد وُجِد أنَّ عدداً غير كبيرٍ من خلايا القتلة الطبيعيون NK قد تمكن من القضاء على 15% من خلايا ابيضاض الدم النَّقوي الحاد المحيطة بها في غضون 24 ساعة فقط.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تتخصَّص خلايا NK بقتل خلايا ابيضاض الدم النقوي الحاد فقط أم أنّها يمكن أن تقتل أنواعاً أخرى من الخلايا؟
نعم، هذه الخلايا شديدة التخصص بقتل الأشقاء فقط وتوصف بأنّها Purely fratricidal؛ أي أنّها لا تقتل إلّا الخلايا المشابهة لها، ولذلك جانبان أحدهما سلبيٌّ والآخر إيجابي؛ أما الإيجابيّ، فيكمن في أنّها لن تسبب الضرر للخلايا السليمة في الجسم إذا ما تمّ استخدامها مستقبلاً. في حين أنّ الجانب السلبي يتمثل في عدم نجاعتها في الفتك بخلايا سرطانية غير اللوكيميا؛ فعند اختبار خلايا NK على خلايا سرطان الثدي، تبين أنّها لم تستطع أن تقتل عدداً كبيراً منها، والسبب وراء شدة تخصصها لا يزال غير واضح تماماً.
إلى أيِّ مدىً تعتبر هذه الدراسة ذات أهمية؟
يُجمل قائد البحث الدكتور Richard A.Lerner فوائد الأضداد التي توصلوا إلى ابتكارها بما يلي:
• يمكن أن تستخدم هذه الأضداد سريرياً مع أو بدون إجراء تعديلات طفيفة.
• تخفض هذه الأضداد من الآثار الجانبية المحتمل حدوثها نتيجة العلاجات الكيميائية التقليدية للسرطان بسبب تخصُّصِها الشديد لمستقبلات سطح خلايا نقي العظم إضافةً إلى التخصص الشديد لخلايا القتلة الطبيعيون الناتجة عن عملها.
• إنّ هذه الديناميكية المتخصصة للعلاج بقتل الأشقاء والتي يُمكن أن تتحوّل بموجبها الخلايا السرطانية كلّها إلى خلايا NK ، تفترض ـ في حال نجحت هذه الاستراتيجية ـ أنّ ذلك لن يقلّل من عدد الخلايا السرطانية المستهدفة عند مريض السرطان فحسب، بل سيزيل السرطان بأكمله.
إذاً، فهو قتل الأشقاء، سلاحنا القادم ضدّ السرطان! وإذا ما اجتازت هذه الأضداد اختبار السُّمِّيَّة عند البشر بنجاح، فسيسجّل العلم حينها أروع الجرائم في تاريخ الجسم البشري، بل وأغربها على الإطلاق!
فهل ستضيء هذه الدراسة شمعةً جديدةً على الدرب المؤدي إلى الوصول إلى علاجٍ ناجعٍ للسرطان؟ هذا ما ستكشف عنه الدراسات القادمة في هذا المجال...
المصدر: هنا
البحث الأصلي: هنا