عواقب وآثار خروج اليونان من منطقة اليورو!
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
إن احتمال خروج اليونان القريب من منطقة اليورو يشكل أحد المخاوف النظرية للمتشائمين بمستقبل اليورو، فلم يتم إيجاد اليورو كعملة مؤقتة وإنما ليستمر التعامل بها. كما لم تتضمن معاهدات الدول التي اتفقت على استخدام اليورو أي شيء يتعلق بوقف استخدامه. وهناك العديد من التوقعات عما سيحدث في مستقبل اليونان.
كيف ستصل اليونان إلى نقطة الخروج؟
القطاع المصرفي اليوناني له الدور في ذلك. لا يوجد أي إجراء سياسي أو قانوني يمكن اتخاذه لإخراج اليونان من منطقة اليورو. كما أشارت الحكومة اليونانية مراراً وتكراراً إلى أنها لا تود الانسحاب طواعيةً، مما يعني أن اليونان ستخرج فقط في حال وصلت البنوك لوضعٍ سيءٍ لا يمكن إيجاد حل آخر معه إلا بخروج اليونان. و هذا يعني أن وجود اليونان بمنطقة اليورو مرهون بسلامة قطاعها المصرفي.
ما مدى السوء الذي ستصل إليه الأمور حتى يحدث ذلك؟
و من الملاحظ أن البنوك اليونانية تعاني من مشكلة السيولة، فهي غير قادرة على تحويل أصولها التي تتكون غالبيتها من القروض إلى أموال سائلة مما يدفع المقرضون وأصحاب الودائع إلى المطالبة بهذه الأموال. والوسيلة الوحيدة لتوفير السيولة هي إمداد هذه البنوك بالمساعدات النقدية الطارئة كما فعل البنك المركزي اليوناني، إلا أن البنك المركزي الأوروبي قد قام من جهته بإيقاف عمليات الإقراض الطارئة هذه. و نتيجة لذلك فقد أغلقت البنوك اليونانية أبوابها، محاولة بذلك أن تقنن من سحب أموال المودعين و ذلك بتحديد عمليات السحب النقدي إلى مبلغ 60 يورو يومياً لكل مودع، كما فرضت الحكومة إيقاف تحويل اليورو إلكترونياً للخارج.
و في الواقع يبدو أن اليونان قد وضعت إحدى قدميها خارج منطقة اليورو فمن الملاحظ الآن أن المستهلكون اليونانيون و الشركات في اليونان يفضلون التعامل النقدي. فأصبح اليورو النقدي أفضل بكثير من اليورو المودع في البنوك اليونانية و التي تختلف كثيراً عن البنوك الألمانية على سبيل المثال. كما نرى أن اليونانيين يعتقدون أن عملة حساباتهم ليست بالفعل هي اليورو.
ما الذي سيدفع باليونان للخروج؟
من الممكن أن يوقف البنك المركزي الأوروبي عملية إنقاذ اليونان، حيث أنه قد أشار مؤخراً أنه هناك شعور بعدم الارتياح إزاء المخاطر المرتبطة بإقراض البنوك اليونانية. إن جزءاً كبيراً من الأصول المرهونة كضمان لقاء قروض الإنقاذ هذه تشتمل على السندات الحكومية أو تلك المضمونة من قبل الحكومة، وإذا انتهت عمليات الإنقاذ فإنه يتوجب على البنوك اليونانية تسديد قروض الطوارئ هذه، و لكنها لا تستطيع فعل ذلك مما سيدفعها للانهيار.
ما الذي سيحدث بعد ذلك؟
سيحتاج النظام المصرفي إلى إعادة إقلاع، وذلك على الأقل من أجل ضمان سير تجارة السلع الأساسية والخدمات في البلاد. كما ستكون هنالك حاجة إلى حل مصرفي هائل و منتظم. حيث أن قيام البنك المركزي الأوروبي بالاستيلاء على الضمانات سيستنزف الأصول المصرفية، ومن المحتمل أن تفقد الأصول المتبقية جزءاً كبيراً من قيمتها. فمعظم أصول البنوك هي عبارة عن قروض لليونانيين.
و كجزء من الحل سيكون هناك حاجة لإعادة رسملة البنوك (تلك البنوك التي ستنجو في النهاية). ومن المعروف أن رأس مال البنك يساوي الأصول مطروحاً منها الالتزامات، وهناك طريقتان رئيستان لزيادة رأس المال، إما بزيادة الأصول أو بتخفيض الالتزامات.
هل يمكن القيام بذلك من خلال اليورو؟
نعم يمكن ذلك، لكن هذا يتطلب مساعدة البنك المركزي الأوروبي على أقل تقدير، فهو الجهة الوحيدة القادرة على الدعم من خلال توفير السيولة باليورو للتعامل مع مخاوف المودعين. لذا يتعين عليه البدء بالمساعدات من جديد وإقراض اليورو للبنوك التي تم إعادة تأسيسها حديثاً مقابل أصولها الموجودة لتتمكن من مقابلة المسحوبات.
وبالتالي ستتمكن البنوك من رفع أصولها باليورو أو تخفيض التزاماتها باليورو، و الحكومة هي الطرف الوحيد الذي يمكنه زيادة أصول البنوك بيد أنها لا تمتلك اليورو لذا فهي بحاجة لدعم من المقرضين في منطقة اليورو لفعل ذلك، وهذا يعني إجراء صفقة من جديد. ويمكن بدلاً من ذلك أن تقوم البنوك بتقليص التزاماتها و التي هي في أغلبها عبارة عن نقود المودعين وهذا يعني أن تتم خفض قيمة ودائع المودعين في حساباتهم المصرفية. و بالطبع فإن هذه العملية ستكون صعبة للغاية إلا أنها تحول دون خروج اليونان من منطقة اليورو و الذي بات الخيار الوحيد المتبقي بعد ذلك.
كيف سيبدو خروج اليونان من منطقة اليورو؟
إذا تبنت الحكومة عملة جديدة، لنقل أنها الدراخما، فإنه سيكون من الممكن إعادة رسملة البنوك بها. ويمكن طباعة كمية من الدراخما واستخدامها لشراء أسهم في البنوك الجديدة، حيث ستمتلك البنوك أصول جديدة وكميات من النقد على شكل دراخما. ويمكن للبنك المركزي اليوناني توفير السيولة النقدية من الدراخما للبنوك الجديدة من خلال إقراضها الكميات التي يرغب بها.
ما السيء في ذلك؟
سيتحول النظام المالي إلى نظام قائم على الدراخما، و بهذا فإن المودعين الذين يملكون 10 آلاف يورو في حساباتهم سيملكون لنقل 10 آلاف دراخما. و هذه العملية ليست مساواة أرقام فقط، و لكن قيمة الدراخما الواحد ستكون بالتأكيد أقل من قيمة اليورو واحد.
كيف سيؤثر خروج اليونان على بقية دول منطقة اليورو؟
إنه من الصعب بمكان معرفة ذلك، حيث أن اليونان تدين بالكثير من اليورو بشكل مباشر للدائنين في منطقة اليورو. فهنالك 131 مليار يورو لصندوق إنقاذ منطقة اليورو و 53 مليار يورو للعديد من الحكومات في منطقة اليورو. وستكون اليونان بالتأكيد عاجزة عن سداد التزاماتها وستحتاج إلى إعادة هيكلتها. هذا وتدين اليونان بمبلغ 34 مليار يورو للمستثمرين من القطاع الخاص من خلال السندات التي أصدرتها بعد التعثر الكبير الذي حدث في عام 2012 والتي من المحتمل أن تسعى لإعادة هيكلتها أيضاً. سيقود ذلك إلى خلق حالة من الفوضى، فهذه الديون تحكمها قوانين أجنبية وتخضع لاختصاص المحاكم الأجنبية وليس اليونانية، وستكون اليونان غير قادرة ببساطة على إصدار قانون متعلق بتغيير شروط الديون كما فعلت في عام 2012.
كيف سيؤثر خروج اليونان على البنك المركزي الأوروبي؟
إن البنك المركزي الأوروبي بالإضافة إلى 19 بنكاً مركزياً محلياً لدول منطقة اليورو يشكلون فيما بينهم ما يسمى بـ "نظام اليورو". وإن انهيار البنوك اليونانية يعني خسارة مبلغ 39 مليار يورو الذي قد قام نظام اليورو بإقراضها لهذه البنوك. لكن عمليات الإقراض هذه كانت مضمونة برهن سندات آمنة جداً وبالتالي سيكون نظام اليورو بحال جيدة. كما أن عملية إقراض مبلغ 89 مليار يورو كتمويل طارئ تمت في ظل شروط مختلفة، ويتحمل البنك المركزي اليوناني مخاطر عدم السداد.
ما الذي سيحدث لما يدعى بـالتزامات (Target-2) المستحقة على البنك المركزي اليوناني؟
تتفاعل البنوك التجارية في كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي مع البنك المركزي المحلي الخاص بها، وعندما تنتقل الأموال بين البنوك التجارية في دولتين، فإن البنوك المركزية تشرف على عملية النقل هذه، ويتم احتساب هذه التدفقات بشكل يومي.
يبلغ مجموع التدفقات بين الـتسعة عشر دولة التي تشكل منطقة اليورو صفراً، في حين أنه يبقى رصيد بعض البنوك المركزية موجباً ورصيد بعضها الآخر سالباً. وفي الأوقات الطبيعية لا يكون هذا الفارق كبيراً، فالبنوك التجارية في الدول المختلفة تقرض بعضها البعض و بالتالي فتلغي معظم هذه الأرصدة بعضها البعض في النهاية.
لكن الآن تمر منطقة اليورو بظروف غير طبيعية، حيث يمتلك البنك المركزي اليوناني رصيداً سالباً بقيمة 100 مليار يورو منذ شهر أيار/مايو الفائت وهذا ما يسمى بالتزام (Targrt-2) ومن المحتمل أن يقوم البنك المركزي اليوناني بنكران هذا المبلغ، وبالتالي سيواجه البنك المركزي الأوروبي خسارة في الميزانية العمومية. و قد بين الاقتصادي كارل ويلان Karl Whelan أن البنك المركزي اليوناني سيحاول أن يبقى كجزء من نظام التسوية هذا حتى و لو لم يعد عضواً في منطقة اليورو، حيث أن معدل الفائدة الذي يدفعه البنك المركزي اليوناني مقابل التزام نظام (Target-2) يعتبر ضئيلاً جداً وهو حالياً 0.05%. كل ذلك يعتمد في الأساس على مدى سلاسة خروج اليونان من منطقة اليورو.
المصدر:
- هنا