آلية جديدة لتعديل الجينات: آمالٌ ومخاوفٌ في الوقت نفسه
البيولوجيا والتطوّر >>>> التقانات الحيوية
كان باحثو جامعة Cornell بحاجة لفهم ديناميكية نمو الجماعات والسلوك الذي تتّبعه أنظمة إدخال الجين الاصطناعية بين الأفراد. ولهذا الغرض قاموا بإنشاء نموذج رياضي بسيط لاختبار مدى سرعة وانتشار الألليل المُدخَل، وكذلك لتسليط الضوء على الوعود والمشاكل المُحتملة لآلية تعديل الجينوم الجديد والتي سميت آلية محرك الجين gene drive.
تم مناقشة آلية محرك الجين gene drive لفترة طويلة، إلى أن قام باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو مؤخراً بإظهار نتائج تجاربهم المخبرية التي أُجرِيَت على ذبابة الفاكهة باستخدام تقنية تعديل الجينوم التي تسمى CRISPR، وهي أحد تقنيات الهندسة الوراثية التي تسمح بالتحكّم بالـDNA وتفعيل الجينات بواسطة البروتين الجرثومي Cas9 المربوط بجزيئة RNA التي تحمله بدورها إلى التسلسل المُراد تغييره في الـDNA.
يقول مؤلّف المقال الزميل الباحث في قسم البيولوجيا الجزيئية والوراثة Rob Unckless: "إنّ الزمن اللازم لانتشار وتثبيت الألليلات المُدخَلَة بواسطة تقنية CRISPR ضمن الجماعة المقصودة يتطلب عشرات الأجيال، وهذا وقت سريع جداً مقارنةً بظروف الانتقاء الطبيعي، التي يحتاج فيها الجين الجديد إلى مئات الأجيال حتى يظهر بشكل واضح ضمن وتيرة تكرار مرتفعة في الجماعة".
تمّ استيحاء تقنيّة CRISPR أثر دراسة الاستجابة المناعية للجراثيم التي تستخدم جزيئات ال RNA لتحمي نفسها من هجمات البلاسميدات والفيروسات، وذلك بتحطيم تسلسلات نوعية في الـDNA الخاص بجينوم العامل الممرض. استفاد الباحثون من هذه الآلية وقاموا بتوظيفها لأغراض تعديل الجينوم، الأمر الذي يتيح لهم حالياً إجراء تعديلات وراثية دقيقة لإحداث التأثيرات المطلوبة.
يمتلك كل فرد من الكائنات العليا نسختين من كل جين، إحداهما من الأب والأخرى من الأم، وقد أوضح الباحثون من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو كيفية استخدام نظام CRISPR المستقل لتعديل الجين وتغيير الألليل المقابل بحيث يحمل التعديل الجيني الجديد. فعندما يكون الجنين حاملاً لألليل الـCRISPR، فإنّه سيطوّر نسختين متطابقتين تنتقلان إلى ذريّته، وتستمر آلية انتقال ألليل CRISPR هذه عبر الأجيال التالية ممّا يضمن انتشاره بسرعة بين أفراد الجماعة.
حالياً يمكن للباحثين اختيار جين ذات خصائص معينة تسمى ضريبة الصلاحية التطورية Fitness cost إذا صح التعبير، كجين العقم الذكري، ونقله عبر أفراد معيّنة من الجماعة ليتوارثها الأبناء، وهو أمر مستبعد ونادر الحدوث (أي انتقال الصفات غير المرغوبة) في ظروف الانتقاء الطبيعي.
أظهر النموذج الرياضي الذي أنشأه الباحثون من جامعة Cornell أنّ الألليل المُدخل من الأرجح أن يتم تثبيته في الجماعة عندما يقوم هذا الألليل بقلب ألليله النظير ليصبح متطابقاً معه، وبالتالي يصبح جزءاً من الجينوم.
يتم في ظل الظروف الطبيعية فقدان النسخة الوحيدة لأي طفرة، لكن الباحثين في جامعة Cornell تمكّنوا من العثور على طفرة منفردة يمكن إدخالها إلى فردٍ واحدٍ لتنتشر عبره إلى جميع أفراد الجماعة المقصودة خلال ثلث الوقت اللازم. هذه النتيجة جعلت الباحثين يفترضون أنّ ألليل CRISPR قام بتحويل الألليل النظير له، وأنّ الألليل المُدخَل سبّب خفض ضريبة الصلاحية بحيث انخفض إنتاج الفرد للذريّة حتى 40%.
قد تسمح آلية محرك الجين gene drive للعلماء بالسيطرة على البعوض الناقل للملاريا أو الحشرات المقاومة للمبيدات -على سبيل المثال- باستخدام تقنية CRISPR لإدخال طفرة (ألليل) في عدد قليل من الأفراد التابعين لجماعة ما وتحقيق انتشار هذا التحوير بسرعة داخل الجماعة بأكملها، إلا أن الباحثين يخشون في الوقت نفسه أن يكون لاستخدام مثل هذه الآلية عواقب غير مقصودة، كانتشار الأنواع ذات الصفات غير المرغوبة.
يقول Unckless: "هذه إحدى الآثار التي تخيفنا، تخيّلوا لو أنّ واحدة من هذه الألليلات أُدخِلَت بشكل غير مقصود إلى تجمّع لا نرغب إجراء أي تعديل عليه! على سبيل المثال، مورّثة CRISPR التي تتحكّم بالبعوضة الحاملة لحمّى الضنك قد تنتقل إلى أنواعٍ قريبة لها والتي ربّما لا تتغذّى على البشر. المعضلة الكُبرى ستحصل في حال انتقل جين CRISPR بطريقةٍ ما عبر عثةٍ أو دبورٍ إلى نحل العسل.
الأبحاث في مجال تعديل الجينات وتثبيت التغيرات المرغوبة و توريثها عبر الأجيال مازالت مستمرة، و يوجد الآن الكثير من الحقائق التي نجهلها، إلا أن هذه الفكرة تحمل من جهة أخرى وعوداً كبيرة للعلماء".
المصادر:
هنا
هنا