الإدراكيّة واللاإدراكيّة
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
المدرسةُ اللاإدراكيّةِ:
هي مجموعةٌ مختلفةٌ عنِ اللا واقعيةِ، موضوعُها عنِ الأخلاقِ، ترى أنَّهُ لا يوجدُ خصائصُ أو حقائقُ أخلاقيّةٍ، وهذا لا يعني أنّها ترى أنَّ الحالاتَ الأخلاقيّةَ خاطئةٌ، بل هيَ ليستْ في خِضَمِّ تأكيدِ كونِها صحيحةٌ أم خاطئةٌ (جوهريّاً).
وهيَ تأخذُ بعينِ الاعتبارِ بأنّهُ عندما يتلفّظُ الأشخاصُ بجُمَلٍ أخلاقيّةٍ، لا يكونوا قد عبّروا عنْ مبادئ عقليّةٍ أو إدراكٍ للطريقةِ التي تكونُ بها هذهِ المبادئ، إنّما تعبيراً عنْ تصرفاتٍ غيرَ مُدرِكَةٍ (non-cognitive attitudes) أكثرُ شَبَهاً بالرغباتِ.
لدينا قضيّتينِ سلبيّتينِ تشكّلانِ الادعاءاتِ المركزيّةَ اللاإدراكيّةٍ، أوّلُها: ترفضُ أنَّ الجُمَلِ الأخلاقيّةِ تُعبّرُ عنْ حالاتٍ جوهريّةٍ حقيقيّةٍ، وأنَّ دلالاتِ الألفاظِ ليستْ ملائمةً للصحّةِ أو الخطأ. أمّا القضيّةُ السلبيّةُ الثانيةُ: يُمكن تسميتِها "اللاإدراكيّة النفسية" "Psychological non-cognitivism"، هذهِ القضيةِ ترفضُ أنَّ حالاتِ القولِ التي يُعبَّر عنها بشكلٍ تقليديّ عبر الكلامِ الأخلاقيّ، هي مبادئٌ أو حالاتٌ عقليّةٌ. وبعضُ اللا إدراكيينَ الحاليينَ يقبلونَ هاتينِ القضيّتينِ السلبيّتينِ على مضض.
أمّا المدرسةُ الإدراكيّةُ:
هي على عكسِ اللاإدراكيّةِ، والتي تعتبرُ أنَّ الجُمَلَ الأخلاقيّةَ هي عِرضَةٌ للصحّةِ والخطأ، ويرونَ أنَّ الصيغَ الدلاليّةَ في الكلامِ تتضمنُ عادةً إسناداً أخلاقيّاً يُعبّرُ عن مبادئَ بنفسِ الطريقةِ الي تقومُ بها الجُمَلُ ذاتِ الصفةِ العاديّةِ.
يختلفُ الإدراكيّونَ عن محتوياتِ الجُمَلِ الأخلاقيّةِ وعن شروطِ صِحَّتِها، لكنّ المشتركَ بينهم هو رفضُ وجودَ بَيانٍ كافٍ من الأحكامِ الأخلاقيّةِ التي تتفقُ مع القضيّتينِ السلبيّتينِ لللاإدراكيةِ.
الصيغُ المختلفةُ للإدراكيّةِ الذاتيّةِ Cognitivist Subjectivism تعادلُ الخصائصَ الأخلاقيّةَ، مثل:الصِّحّةُ Rightness ، وهي أنْ يتمَّ الموافقةُ عليهِ مِنْ قِبلِ أحدِهِم أو مجموعةٍ. فأنْ نقولَ عن شيءٍ ما أنّهُ صحيحٌ، يعني في الحقيقةِ أنّنا نوافقُ عليهِ، وفي حالِ كانَتِ الموافقةُ اعترافيّة Conative أكثرُ منها تصرّفٌ إدراكيّ، هذا يعني أنَّها -الموافقة- موقفٌ غيرُ إدراكيّ على الرغم من أنَّ هذا موقفاً ليسَ إدراكيّ على وجهِ الدقةِ.
وبالنسبة لهذه النظريّةِ الذاتيّةِ Subjectivist Theory، الكلامُ الأخلاقيّ يُعبّرُ عن مبادئَ المتكلّمِ الذي يوافقُ عليها من خلالِ تصرُّفاتِهِ التي تحتوي شروطاً للصحّةِ ذاتِها التي يحتويها الكلامُ الذي قيلَ. أمّا كيفَ نُعبّرُ عن التصرّفِ الأخلاقيّ، فالذاتيّةُ الإدراكيّةُ تقولُ بأنَّهُ مثلاً: إذا كَرِهَ المرءُ شيئاً فهو يعبِّرُ عن ذلك بقولِه أنَّهُ لا يُحبّهُ. أما اللاإدراكيةِ فترى أنَّهُ يمكننا أنْ نُعبّرُ عن ذلك من خلالِ استهجانِنا للشيء booing or hissing، والطريقةُ الأخيرةُ تختلفُ عنِ الأولى لأنّها تُعبِّرُ عن تصرّفٍ دونَ القولِ أو التصرّفِ.
ويمكننا التمييزَ بين الأصنافِ الرئيسيّةِ للاإدراكيّةِ عبرَ التركيزِ على الادعاءاتِ الإيجابيّةِ التي يقومونَ بها لتفسيرِ الوظيفةِ الدلاليّةِ Semantic function للتعابيرِ الأخلاقيّةِ ولطبيعةِ الحالاتِ العقليّةِ، وهي:
1- العاطفية Emotivism:
ترى العاطفيّةُ أنَّ التعابيرَ الأخلاقيّةَ تُعبِّرُ عنْ العواطِفَ Emotion، ويمكنُ قراءةُ هذا على أنَّ الطريقةُ الصحيحةُ لشرحِ معاني هذه المصطلحاتِ يتمُّ بالإشارةِ على أنّها أجهزةٌ تقليديّةٌ للتعبيرِ عن فعلِ خطابٍ مُعيِّنٍ Certain Speech act
فالجُمَلُ التي تُعبّرُ بشكلٍ عام عن تقييمٍ أخلاقيّ إيجابيّ كـ "صحيح"، "جيد"، "فاضل" وهلمَّ جرّا، هي إشارةٌ لـ دافعٍ شخصيّ لعملٍ Pro-attitude غيرِ إدراكيّ مثلُ الموافقةِ. فتلقيبِ أحدهِم بالفاضلِ هو تعبيرُ تصرّفِ موافقةٍ.
والجُمَلُ التي تعبّرُ بشكلٍ عام عن تقييمٍ أخلاقيّ سلبيّ كـ "خاطئ"، "سيء" و "باطل" تشيرُ إلى تصرفاتٍ غيرِ إدراكيّةٍ سلبيّةٍ. والكلماتُ الخبريّةُ البسيطةُ توظّفُ فيما يسمى المصطلحاتُ الأخلاقيةُ الكثيفةُ Thick moral terms كـ "شجاع"، "صادق"، تعبّرُ في ذاتِ الخطابِ الفعليّ في حين أنّها في الوقتِ ذاتِهِ تركّزُ على الخاصيّةِ الطبيعيّةِ (كعدمِ الخوفِ في حالةِ الشجاعةِ). وهكذا يمكنُ اعتبارُ المصطلحاتِ الأخلاقيّةِ الكثيفةِ تملكُ كِلا المعنيَينِ الوصفيّ Descriptive والانفعاليّ/العاطفيّ Emotive.
2- التوجيهيّة والتوجيهيّة العامّة Prescriptivism and universal prescriptivism:
ترى أنَّ الأحكامَ الأخلاقيّةَ هي نوعٌ من الأحكامِ التوجيهيّةِ، فالمصطلحاتُ الأخلاقيّةُ تركّزُ كمؤشراتِ تنفيذٍ في مقارنةٍ مع مزاج/حالة function as force indicators an analogy with mood. ويقترحُ كارناب Carnap أنَّ الأحكامَ الأخلاقيّةَ تعادلُ الضروراتِ البسيطةَ النسبيّةَ، مثلاً حالةُ "القتل هو شرّ" لديها ذات المعنى "لا تقتل"، وعلى هذا الأساسِ يدّعي كارناب أنَّهُ لا وجودَ لمعرفةٍ أخلاقيّةٍ. وطالما أنَّ الجُملَ الأخلاقيّةَ تعبّرُ عنْ أنواعٍ من التوجيهِ، - وإلى حدٍّ كبيرٍ أنواعُ التوجيهِ تخضعُ لقيودٍ متماسكةٍ مختلفةٍ - فهذا يعني أنَّ قبولَ حكمٍ أخلاقيّ يتطلّبُ قبولَ أحكامٍ أخرى مشابهةٍ.
الصيغُ الأخلاقيّةُ عامّة، فهي لا تُطَبّقُ فقط على العواملَ التي صنعَتْها، بل أيضاً أيّ حالةٍ شبيهةٍ لهذهِ العواملَ، إنّها تُطَبّقُ على كلّ الحالاتِ المشابهةِ في أيّ زمانٍ أو مكانٍ. فالقيامُ بفعلٍ خاطئٍ يعتمدُ على المتكلّمِ أنْ يقومَ بحكمٍ خاطئٍ، أي فعلٍ خاطئٍ بأيِّ مكانٍ وأيِّ زمانٍ ومن قِبَلِ أيّ شخصٍ كانَ.
3- شبه الواقعية Quais-Realism:
أكثرُ قلقِ اللاإدراكيينَ الأوائلَ الدفاعُ عن الالتزاماتِ الميتافيزيقيّةِ والمعرفيّةِ التي تتعارضُ مع التفسيرِ الواقعيّ للادعاءاتِ الأخلاقيّةِ. فالأحكامُ الأخلاقيّةُ تبدو تجريبيّاً مفتقدةً للبراهينَ.
اللاإدراكيةٍ المعاصرةُ، كانت قد حرّضتْ أيضاً من قبلِ التزاماتٍ ميتافيزيقيّةٍ ومعرفيّةٍ مشابهةٍ، ألّا أنّهم كانوا قلقينَ من التجريبِ الشرعيّ للتصرفاتِ الأخلاقيّةِ والمناقشاتِ الأخلاقيّةِ تقريباً مع كلّ شيءٍ آخرٍ. ونتيجةً لذلكَ كانَ عليهمُ وضعُ وقتٍ وطاقةٍ لشرحِ الظاهرِ الواقعيّ للحديثِ الأخلاقيّ في غيابِ الالتزاماتِ الواقعيّةِ.
شبهُ الواقعيّةُ هو اسمٌ أطلقهُ Simon Blackburns على هذا النمطِ من اللاإدراكيةِ خاصّةً نسختُه من التعبيريّةِ.
4- التعبيريةExpressivism:
ترى أنَّ الجُمَلَ الأخلاقيّةَ هي أجهزةٌ تقليديّةٌ للتعبيرِ عن التصرفات تجاه المواضيع، وبهذا تكونُ العاطفيّةُ تعبيريّةً، فهي توافقُ على أنَّ اللغةَ الأخلاقيّةَ تركّزُ على التعبيرِ عن تصرفاتٍ غيرِ إدراكيّةٍ من مصادرَ مختلفةٍ.
وأنَّ الجُملَ الأخلاقيّةَ تعبّرُ عن التصرفاتِ التي تحدّدُ معاني القيمِ Semantic Values عليها أنْ تكونَ صارمةٌ ومحدّدةٌ، فالحالةُ الخبريّةُ يمكنُ أنْ تعبّرَ عن تصرّفٍ غيرِ إدراكيّ مثل: "لقد مرّتِ الساعةُ العاشرةُ" تدلُّ على نفاذِ الصبرِ، و"الكذبُ سيءٌ" و"أنا لا أحبٌّ الكذبَ" تعبّران عن عدمِ الموافقةِ على الكذبِ.
وبهذا، على التعبيريّةِ أنْ تحدّدَ نوعُ التعبيرِ الذي يسمحُ لهم بالمقارنةِ في أيٍّ مِنَ "الكذب خطأ" تعبّرُ عن التصرّفِ الذي يولّدُ قيمتَها المعنويّةِ Semantic Value، مِنَ الأسلوبِ حيثُ "أنا لا أوافقُ على الكذبِ" أو حتى "أنّي لا أرى أنَّ الكذبَ هو خطأٌ" قد يعبِّرا عن ذاتِ الموقفِ تماماً.
5- Norm-expressivism and plan-expressivism:
يقترحُ Gibbard القيامَ بتحليلٍ للأحكامِ التي تتعلّقُ بالعقلانيّةِ، بالنسبة للأحكامِ التي تعبّرُ عن موقفٍ غيرِ إدراكيّ لقبولِ القواعدَ والمعاييرَ، فهو يُقلّلُ الأحكامَ الأخلاقيّةَ للتحليلِ المُقتَرَحِ. وليكونَ الفعلُ عقلانيّاً عليهِ أنْ يُعبّرَ عن قبولِ الشخصِ منظومةً من المعاييرِ التي تسمحُ بقيامِ الفعلِ، أمّا الفعلُ اللاعقلانيّ هو أنْ يعبّرَ الشخصُ عن قبولٍ لمنظومةٍ من المعاييرِ الرافضةِ لهذا الفعلِ. وهكذا يقترحُ Gibbard أنّهُ منَ الأفضلِ أنْ نفكّرَ بالأحكامِ للتأثيرِ الذي به الفعلُ اللاعقلانيّ، كالتعبيرِ عن رفضِ أي مجموعةٍ من المعاييرِ التي تُحرِّمُها.
Gibbard قدّمَ تحليلِه لتغطيةِ الأحكامِ الأخلاقيّةِ من خلالِ تحليلِ هكذا أحكامٍ في معاييرَ من الأحكامِ العقلانيّةِ الفعل الخاطئ إذا وفقط إذا فشلَ في ملاقاةِ مقاييسِ الأفعالِ المقصودةِ أو المُهمَلةِ التي في الحالةِ الطبيعيّةِ للعقل ستكونَ محدّدةً لتجدَ عميلٍ بديهيّ يستحقُّ اللومَ.
والفعلُ المستِحقُّ اللومَ سيكونَ عقلانيّاً للعميلِ ليشعرَ بالذنبِ وللآخرينَ أن يستاؤوا من العميلِ لقيامِهِ بهذا الفعلِ. في حين عقلانيّةُ الذنبِ أو الاستياءُ تتلقى تحليلاً غيرَ إدراكيّ، النهجُ يولِّدُ تحليلاً غيرَ إدراكيّ للأحكامِ الأخلاقيّةِ ذاتِها.
تمت الترجمة عن:
هنا