كُل! ولا تأكُلْ! بكتريا القناة الهضمية تأمر والدماغُ يستجيب!
البيولوجيا والتطوّر >>>> الأحياء الدقيقة
دراسةُ اليوم تطرح نظريةً مثيرةً للاهتمام، تقول هذه النظرية: بما أنّ البكتريا تعتمد على الكائنات المُضيفة لها للحصول على مكانٍ تعيش فيه، وتسعى للحفاظِ على وجودها بنِسَبٍ مستقرة، فمن المنطقي جداً أن يكونَ لهذه البكتريا وسيلةَ تواصلٍ مع المضيف تنبِّهُه من خلالها أنَّها بحاجةٍ إلى الغذاء ممّا يدفعه لتناول الطعام.
تسألون كيف؟ وماهي هذه البكتريا؟ لِمَ تسكن أمعاءنا؟ ولماذا يغفلُ الجهازُ المناعيُّ عن الفتكِ بها؟ إليكم الإجابة...
تعيشُ أنواعٌ مختلفةٌ من البكتريا في القناةِ الهضميةِ للإنسانْ، وتوصفُ هذه الأنواعُ البكتيرية بأنّها متعايشةً معه، إلّا أنّ الدراسات أثبتت أنّ العلاقة هي "تبادل منفعة"، حيث تحصل البكتريا على الغذاء والمكان اللازمَين لحياتها، ويستفيدُ الإنسانُ بالمقابل من قدرة البكتريا على المحافظة على سلامة القناة الهضمية؛ من خلال المساعدة على امتصاص المواد المغذية، ومنع استيطان البكتريا الممرضة اعتماداً على مبدأ التنافس على الغذاء والمكان.. بقية الحكاية في مقالنا السابق على الرابط التالي:هنا .
حسناً، إذاً فالبكتريا تتواصل مع المضيف لتخبرَه بحالةِ الجوعِ أو الامتلاء.. لا ليس عبر الفيسبوك! ولا الرسائل القصيرة! فكيف إذاً؟
يقومُ نوعٌ من البكتريا المعوية التي تعيش في الأمعاء وهو الإشريكية القولونية (E-Coli) بإنتاج بروتينات تَبيّن أنّ لها دوراً هاماً ومباشراً في التحكم بالشهية تجاه الطعام من خلال التأثير على إطلاق إشاراتٍ معويةٍ ـ دماغية بالإضافة إلى تنشيط خلايا عصبيةٍ مسؤولةٍ عن التحكُّم بالشهية للطعام في الدماغ. حيث تُظهرُ الدراسةُ التي قام بها البروفيسور سيرغي فيتيسوف وزملاؤه في فرنسا أنّ البروتينات البكتيرية المنتَجَة من قبل الإشريكية القولونية يُمكن أن تُشارك في المسارات الجزيئية نفسِها التي يستخدمها الجسمُ لإطلاق إشاراتٍ تعلنُ الوصولَ لحالة التخمة.
يحتاج الأمرُ لتوضيحٍ أكثر... هاكم التفاصيل...
بعد التجارب المخبرية التي أجراها فيتيسوف وزملائُه وجدوا أنّه بعد 20 دقيقة من استهلاك المواد الغذائية تبدأ بكتريا الإشيريكية القولونية E-Coli بإنتاج بروتيناتٍ مختلفةٍ عن تلك التي أنتجتها قبل تناول المضيف للطعام. هل يبدو هذا الرقمُ مألوفاً بالنسبة لكم؟. نعم! إنّه الزمنُ ذاتُه الذي يحتاجه الإنسان ليشعرَ بالشبع بدءاً من لحظة تناوله للطعام، وليس مصادفةً أن يكونَ هذا الزمن أيضاً هو نفسهُ الذي تحتاجه الإشريكية القولونية للوصول إلى طور الثبات (مرحلة من دورة حياة البكتريا يتساوى فيها مُعدَّلا نمو و موت الخلايا) وعلى ضوء هذه النتائج، بدأ الباحثون بدراسة البروتينات البكتيرية المُنتَجة قبل وبعد تناول الطعام.
كيف؟ علمنا للتو أنّ هناك نوعان مختلفان من البروتينات البكتيرية؛ الأوّل يُنتَج قبل تناول الوجبة (في حالة الجوع) والثاني يُنتَج بعد تناول الوجبة (في حالة الشبع). والآن، حُقنت بروتينات من النوع الثاني في مجموعتين من الفئران تمّ تجويع إحداها في حين تُركَت الأولى تأكل بحريّة، والنتيجة هي انخفاض تناول كلا مجموعتي الفئران للغذاء.
ما الذي يحدث تماماً؟
لدى تحليل النتائج، وُجِد أنَّ النمط الثاني من البروتينات البكتيرية أي المُنتَج في حالة الشبع، يُحفِّز إطلاق الببتيد PYY (وهو هرمون مرتبط بالشعور بالتخمة)، في حين أنّ النمط الأول من البروتينات المُنتَج في حالة الجوع يُحفّز إطلاق الببتيد GLP-1 وهو هرمون يحفِّز إفراز الأنسولين، ومن المعروف أنّ ارتفاع مستوى الأنسولين يؤدي إلى الشعور بالجوع.
وفي فحص تمَّ تطويره لرصد أحد البروتينات البكتيرية المُنتج في حالة الشبع وهو ClpB في دم حيوانات التجربة، وُجِدَ أنّه وعلى الرغم من عدم اختلافِ مستوياتِ هذا البروتين في الدم بعد 20 دقيقة من تناول الوجبة، إلّا أنَّها ارتبطت بإنتاج ClpB DNA في القناة الهضمية، مما يشيرُ إلى ارتباطِ تركيبِ البكتيريا المَعَويّة بضبطِ شهيةِ المضيف. ووجد الباحثون أيضاً أنّ بروتين ClpB قد زاد من نشاط العصبونات التي تُخفِّض الشهية، في حيت ما تزال أدوار الأنواع الأخرى من بروتينات بكتريا E-Coli مجهولة، كما أنّه لم يُعرف حتى الآن ما إذا كانت بروتينات أنواع أخرى من البكتريا تُسهم في العملية.
والخلاصة ـ كما يوجزها فيتيسوف ـ هي الاعتقاد الذي توصل إليه فريق بحثه بأنّ البكتريا تشارك فيزيولوجياً في عملية تنظيم الشهية فور توفُّر المواد المغذية وذلك عن طريق تحفيز إطلاق هرمونات التخمة من القناة الهضمية، إضافةً إلى إنتاجها بروتيناتٍ يُمكن أن يؤدي التعرُّض المستمِّر لها إلى التأثيرليس فقط على نمط الغذاء كاملاً.
إن كنتَ من ذوي الشهية المفتوحة على الدوام وتخشى أن تخذلك "بكترياتك" في التحكم بنهمك المستمر ذاك، فإليك بعض النصائح لضبط الشهية وترويض الجوع في مقالنا السابق: هنا . أمّا الآن لم يبقَ إلّا أن نتمنى لك وجبهةً شهيةً بعد قراءة هذا المقال... ولا تنسَ أن تسألَ البكتريا في قناتك الهضمية عن وجبتها المفضلة!
المصادر:
هنا
البحث الأصلي: هنا