دورة الاستجابة الجنسية.. هل سمعت بها قبلاً؟
التوعية الجنسية >>>> الحياة والحقوق الجنسية والجندرية
تعدُّ الوظيفةُ الجنسيةُ من الوظائف الأساسية التي يمتلكها جنسُنا البشري، وتؤثر تلك الوظيفةُ بشكلٍ لا نظيرَ له في التركيب النفسي والاجتماعي والصحي للإنسان.
ولكن ما الذي يحدث في أجسامنا أثناء العملية الجنسية؟
بقيَ الجوابُ مجهولاً ومُبهَماً إلى حد كبير، إلى أن قامَ الفريقُ البحثيُّ الذي ترأسهُ ويليم هـ . ماسترز William H. Masters وفيرجينيا جونسون Virginia E. Johnson - واللذان تزوجا فيما بعد - بنشر ورقتين بحثيتين فتحتا الأبواب على مصراعَيها لاستكشافِ ذلك الجانبِ المُبهَم، وقد كان الفريق سباقاً إلى هذا المجال البحثي الذي قاد إلى ثورة كبيرة في مجال طبيعةِ الاستجابةِ الجنسية البشرية وتشخيص وعلاج الاضطرابات الجنسية.
وقد طرحَ الباحثان في كتابهما الشهير (Human Sexual Response الاستجابة الجنسية البشرية) لأول مرة فكرةَ دورةِ الاستجابةِ الجنسية (sexual response cycle)، ويُطلَق مصطلحُ دورة الاستجابةِ الجنسيةِ على تسلسلِ التغيراتِ الجسدية والعاطفية التي يمر الشخصُ بها عند تعرضه للإثارة الجنسية أو لدى ممارَسَتهِ للنشاطات المحفِّزة جنسياً، مثلُ الجماعِ أو الاستمناء Masturbation .
إن معرفةَ الطريقةِ التي تستجيب بها أجسادُنا في كلِّ طورٍ من أطوار الدورة هذه يمكن أن يحسنَ من طريقةِ فهمِنا للعلاقةِ الجنسيةِ ككل، ويساعدَ في تحديد أسباب الاضطراباتِ الجنسيةِ بدقة.
وقد قام ماسترز وجونسون في أبحاثِهِما التي امتدَّتْ من عام 1957 إلى عام 1965 بتسجيلِ أولِ بياناتٍ تم قياسُها مخبرياً في مجالِ تشريحِ وفيزيولوجيا الاستجابةِ الجنسيةِ البشريةِ بناءً على المراقبة المباشَرة في معاملِ الاختبارِ لـ 382 امرأةً و312 رجلاً فيما يقاربُ 10 آلافِ دورةٍ كاملةٍ للاستجابة الجنسية .
وقد ساهمت نتائجُ أبحاثهما بتفنيدِ الكثير من المفاهيم المغلوطة التي كانت شائعةً في ذلك العصر، مثلُ تفنيدِ ونفيِ فكرة نشوء السائل المزلق للمهبل من عنق الرحم، وإثباتِ تشابهِ الأساس الفيزيولوجي للاستجابة الجسدية أثناءَ الرعشة الجنسية سواءً كان التحفيزُ الجنسي ذو مصدرٍ مهبلي أو بظري، نافين بذلك النظريةَ الشهيرة للعالم فرويد Sigmund Freud .
وقد قام ماسترز وجونسون في عام 1966 بنشر كتابهما الفريد في ذلك المجال "الاستجابة الجنسية البشرية" حيث اقترحا فيه نموذجاً خطياً linear للاستجابة (أي أنه يسير من مرحلة إلى أخرى بالترتيب) لكلٍّ من الرجال والنساء، وهذا النموذجُ هو موضوعُ هذه المقالة.
وفقاً لهذا النموذجِ الخطي، تتألف دورةُ الاستجابة الجنسية من أربعِ مراحلَ : الاستثارة Excitement، الهضبةُ المرتفعة plateau، الرعشةُ الجنسية orgasm، الانقضاء resolution.
يمر كل الرجالِ والنساءِ بهذه الأطوار مع اختلاف التوقيت بينهما، فمثلاً قد يحدثُ تباينٌ في زمنِ الوصولِ للرعشة الجنسية بين الشريكين الجنسيين، وبالتالي من غيرِ المُرجَّح أن يصلا معاً إلى الرعشة الجنسية .
كما تختلفُ شدةُ الاستجابةِ والمدة الزمنية لكل طور من أطوار الدورة الجنسية بين شخصٍ وآخرَ، وبالتالي فإن إدراكَ هذه الفوارقِ يمكن أن يساعد الشريكَيْن في فهمِ وتحسين العلاقة فيما بينهما .
ولكن قبل أن نفصل في أطوار الدورة الجنسية، ما هي الآلية الفيزيولوجية العصبية التي تتدخل في دورة الاستجابة الجنسية؟
تقع هذه الاستجابة تحت سيطرةِ عدةِ أنظمةٍ عصبيةٍ مركزية ومحيطية، مركزياً تتوضع هذه الأنظمة العصبيةُ في المناطقِ فوقَ الشوكية، وبشكلٍ أساسي في الجهاز الحوفي limbic system، والوطاء hypothalamus، والنوى التابعة له nuclei (النواةِ حول البطينية paraventricular، والنواةِ البطنية الأنسية Ventromedial).
وتمرُّ السيالةُ العصبية من المراكزِ السابقة عبر جذع الدماغ إلى البصلة السيسائية، ومنها إلى النخاعِ الشوكيِّ والجهاز العصبي الذاتي Autonomous nervous system إلى الجهاز التناسلي .
وتتدخلُ في تلك العمليةِ عدةُ نواقلَ وببتيداتٍ عصبيةٍ مثل الدوبامين Dopamine، حمض الغلوتاميك Glutamic acid، أكسيد النتريك Nitric oxide، الأوكسيتوسين oxytocin، وببتيدات ACTH-MSH التي تلعب دوراً منشطاً للوظيفة الجنسية.
بينما يكونُ لكلٍّ من السيروتونين serotonin، والجابا GABA، والببتيدات الأفيونية Opiod peptids دورٌ مثبطٌ للوظيفة الجنسية.
وقد تم التعرف على مجموعةٍ من العصبوناتِ تعتمدُ على الأوكسيتوسين oxytocinergic موجودةٍ في النواةِ جانبِ البطينية في الوطاء والتي تتصلُ مع مناطقَ خارجِ وطائيةٍ في الدماغ ومع النخاع الشوكي، وتقوم تلك العصبونات عند تفعيلها بتسهيل الوظيفة الانتصابية والوظيفة الجنسية ككل، بينما تخفض من كليهما عند تثبيطها .
والآن نعود لنتعرف أكثر على أطوار دورة الاستجابة الجنسية الخطية:
الطور الأول: الاستثارة:
يمكن أن يتراوحَ طولُ هذا الطورِ من عدة دقائقَ إلى عدةِ ساعاتٍ ويتصف بـ:
• ازديادِ التوتر العضلي
• تسارعِ ضربات القلب ومعدل التنفس
• توردِ الجلد (تبيغه) نتيجةً لازدياد الجريان الدموي الجلدي، مما يؤدي لظهورِ بقعٍ من الاحمرارِ على الظهر والصدر
• انتصابِ أو ازديادِ قساوة حلمتي الثدي
• ازديادِ الجريان الدموي للأعضاء التناسلية، مما يؤدي لتورم البظرِ والشفرِ الصغير عند المرأة وانتصاب القضيب عند الرجل
• بدءِ عملية التزليق المهبلي عند المرأة
• ازديادِ حجمِ الخصيتين، وانكماش كيس الصفن وبدء افراز السائل المزلق عند الرجل
الطور الثاني: الهضبة المرتفعة:
يمتد هذا الطور حتى الرعشةِ الجنسيةِ تماماً ويتصف هذا الطور بما يلي:
• تستمرُ تغيراتُ الطور السابق وتزداد شدتها
• يزدادُ المهبل تورماً وحجماً نتيجةً لازدياد الجريان الدموي، فتتحول جدران المهبل للون الأرجواني الداكن.
• يصبح البظر حساساً جداً للمس (ويمكن أن يصبحَ التحفيزُ اللمسيُّ في هذا الطورِ مؤلِماً) وينسحبُ ليختبئَ تحت القلنسوة البظرية ليتجنب التحفيز اللمسي المباشر من قبل القضيب.
• ترتفع الخصيتان، فتقتربان أكثرَ من الجسم مع ازديادِ انكماشِ كيس الصفن.
• يستمر ارتفاعُ معدلات التنفس، وسرعة ضربات القلب، والضغط الدموي .
• قد تبدأ التشنجاتُ العضليةُ في القدمين والوجه واليدين.
• يزداد التوتر العضلي.
الطور الثالث: الرعشة الجنسية:
يعد هذا الطورُ ذروةَ دورةِ الاستجابة الجنسية وأقصرَ أطوارِها، ويدوم عادةً لثوانٍ معدودة، ومن الصفات العامة التي يتصف بها هذا الطور:
• تبدأ التقلصاتُ اللاإراديةُ في العضلات
• تبلغ معدلات التنفس وسرعةُ ضرباتِ القلب والضغطُ الدمويُّ ذروتَها، ويترافقُ ذلكَ مع ازديادِ استهلاكِ الأكسجين
• تحدث التشنجات العضلية في القدمين
• يحدث زوالٌ مفاجِئ وعنيفٌ للتوترِ الجنسي
• تحدث تقلصاتٌ عضلية في المهبل، كما يتقلصُ الرحمُ بتقلصاتٍ عضليةٍ مُتناغِمة عند المرأة
• تحدث تقلصاتٌ في العضلاتِ الموجودةِ في قاعدة القضيب، مما يؤدي لقذف السائل المنوي عند الرجال
• قد يظهر طفَحٌ أو تبيغ (احمرار) في كافة أنحاء الجسم
الطور الرابع: الانقضاء:
يعودُ الجسمُ خلالَ هذا الطورِ ببطءٍ لمستواهِ الوظيفيِّ الطبيعيِّ، وتعودُ أعضاءُ الجسمُ المنتفِخة والمُنتصِبة إلى لونها وحجمها الطبيعيين، وتتميز هذه المرحلةُ بإحساسٍ عامٍ بالراحةِ والحميمية المتزايدة، كما تتميز بالإحساس بالتعب غالباً.
ويمكن لبعض النساءِ العودةُ بشكلٍ سريعٍ لطورِ الرعشة الجنسيةِ باستمرارِ التحفيز الجنسي وحدوث ما يدعى بالرعشة الجنسية المتعددة Multiple orgasms، بينما يحتاجُ الرجالُ لفترةِ راحةٍ بعد الرعشة الجنسية، ويُطلَق على هذه الفترة اسمَ فترةِ العصيانِ "refractory period" حيثُ لا يمكن للرجال الوصولُ للرعشةِ الجنسيةِ مجدداً خلال هذه الفترة، ويختلف طول هذه الفترةِ بين الرجالِ، ويتغيرُ بتغيرِ العمرِ فيميل لأن يصبح أطول مع التقدم بالعمر .
ولتوضيح الفكرة أكثر لننظر إلى الصور التالية :
Image: arhp.org
تُظهِر الصورة رقم (1) ثلاثةَ نماذجَ مختلفةً لدورةِ الاستجابة الجنسية عند ثلاثِ نساء مختلفاتٍ، كما يمكنُ لهذه النماذج الثلاثِ أن تكونَ لذاتِ الأنثى في حالاتٍ مختلفة، حيث تختلفُ وتتباين دورةُ الاستجابةِ الجنسيةِ عند نفسِ الشخصِ من وقتٍ لآخرَ، ويعودُ ذلك لعدةِ عواملَ نفسيةٍ وجسديةٍ.
ويَظهَر في المثال A انتقالُ المرأةِ من مرحلةٍ إلى أخرى من مراحلِ الدورةِ بشكل سلسٍ، كما يظهر حدوثُ الرعشةِ الجنسيةِ المتعددة.
أما المثالُ B فيُظهِرُ انتقالَ المرأةِ بشكلٍ سلس حتى مرحلةِ الهضبةِ المرتفعة وحدوث الانقضاء دونَ حدوثِ الرعشة الجنسيةِ، وقد لا تشكل هذه الحادثة أية مشكلةٍ عندما تكون واقعةً عابرة، لكن قد تشيرُ إلى اضطرابٍ جنسيٍّ عند غياب الرعشة في كل تجربة جنسية .
وأخيراً يُظهر المثالُ نمطاً آخرَ أقلَّ سلاسةٍ من الانتقالِ عبرَ مراحلِ الدورة الجنسية.
Image: soc.ucsb.edu
أما الصورة (2) فتوضحُ فترةَ العصيانِ Refractory Period التي يمر بها الرجلُ بعدَ الرعشة الجنسية، وهي الفترة التي يستحيلُ فيها حدوثُ رعشةٍ أخرى، ونلاحظُ أمكانيةَ حدوثِ رعشةٍ جنسيةٍ أخرى فقط بعد مضي فترة العصيان .
- ولكن :
هل يعدُّ هذا النموذجُ الخطي صحيحاً تماماً للرجال والنساء بالرغم من الاختلافات بين الجنسين؟
وهل تمر كلُّ النساءِ بهذا النموذجِ بشكلٍ متتابعٍ ومتتالٍ حقاً كما افترضَ ماسترز وجونسون؟
سنبحثُ في كل هذه الأسئلة وأكثر، وسنستعرضُ نماذجَ دورةِ الاستجابةِ الجنسية الأخرى المُقترَحةِ في المقال القادم من السلسلة .. فانتظرونا.
المصادر:
هنا
هنا
هنا