ترتيب الجامعات السورية عالمياً: وجهة نظر شبابية في بعض قضايا التعليم العالي والبحث العلمي
منوعات علمية >>>> منوعات
ترتيب الجامعات والدوريات (المجلات) الأكاديمية السورية:
بعيداً عن مؤشر Shanghai Ranking الذي يقوم وبشكل رئيس على تصنيف الجامعات الـ 500 الأفضل في العالم، والذي لم يحتوى منذ انطلاقه في عام 2003 على أية جامعة سورية، يخرج مقياس Top Universities لأفضل 100 جامعة عربية لعام 2015 من دون أن يحتوى على أية جامعة سورية، ولعل البعض يرى أن ما تشهدته سورية منذ عام 2011 يلعب دوراً هاماً في تحجيم إمكانيات التعليم العالي والبحث العلمي، وقد يكون هذا الأمر صحيح، إلا أن احتواء المؤشر الأخير على 10 جامعات عراقية ( أولها جامعة بغداد بالترتيب 18)، 3 جامعات فلسطينية، 2 جامعة من السوادن، جامعة يمنية يضعف أثر الفكرة السابقة، إذ تعاني هذه البلدان ما تعانيه من مشاكل متعددة. بشكل مماثل لم يحتوى تقرير نشرته Times Higher Education على أية جامعة سورية في لائحة أفضل 30 جامعة في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.
مؤشر SCImago Journal Rank المعروف بـ SJR والذي يقدم مؤشرات علمية تساعد على تقييم وتحليل المجالات العلمية للدوريات والبلدان، يصنف سورية بالترتيب 101 بعدد أبحاث قدره 5151 منشورة في الفترة بين (1964-2014) ، مع العلم أن السوادن في المرتبة 100، كوبا في المرتبة 60، بنغلادش في المرتبة 62، لبنان في المرتبة 68، أرمينا في المرتبة 77، أثيوبيا في المرتبة 78، تنزانيا في المرتبة 82، العراق في المرتبة 89، نيبال في المرتبة 92. ولا يخفى على أحد الظروف الصعبة التي مرت و/أو تمر بها هذه البلدان.
الصورة رقم (1) : جدول يظهر ترتيب الدول بين المرتبة 90 -111 وفق مؤشر SCImago
Image: http://www.scimagojr.com
يمكنك البحث بنفسك من خلال الرابط الآتي: هنا
أيضاً وبناء على ذات المؤشر يلاحظ عدم وجود أيه دورية سورية محكمة مدرجة في البيانات التي تشمل الفترة الزمنية (1999-2014) ما عدا وقائع مؤتمر " 2004 International Conference on Information and Communication Technologies: From Theory to Applications، ICTTA 2004"
الصورة (2) : عدم وجود أية دورية سورية محكمة لسنة 2014 في SCI Imago
Image: http://www.scimagojr.com
يمكنك البحث بنفسك من خلال الرابط الآتي : هنا
نتيجة اختفاء الجامعات السورية من المقاييس العالمية التي تعمل على تصنيف الجامعات، كان لابد من اعتماد مقاييس رديفة – إن صح التعبير – لأجل الوقوف على ترتيب الجامعات السورية. لذلك الأمر تم الإعتماد على مقياس webometrics الذي يعمل على ترتيب الجامعات بناء على مؤشرات تستخرج من مواقع الويب للجامعات بحيث يعتمد هذا المؤشر على جودة التدريس، نتائج البحوث، المكانة الدولية، مدى التواصل مع المجتمع بما في ذلك التواصل مع القطاعات الصناعية والاقتصادية.
تتيح بيانات هذا المقياس التعرف على الترتيب الآتي لبعض الجامعات السورية
Image: Syrian Researchers
الصورة رقم (3) ترتيب الجامعات السورية كما يظهر في موقع هنا
Image: http://www.webometrics.info
الترفع في السلم الأكاديمي:
إن ضعف ترتيب الجامعات السورية كان نتيجة واقعية لعديد من الأسباب، أهمها ضعف الإدارة العامة في مجال التعليم العالي في سورية وعدم تعيين الأكفاء، إذ أسست الجامعات السورية لمعايير خاصة بها، لا ترتبط في كثير من الأحيان بالمعايير الدولية. على سبيل المثال، لأجل ترفع الأساتذة الجامعيين من مرتبة مدرس إلى أستاذ مساعد ومن مرتبة أستاذ مساعد إلى مرتبة أستاذ – مع العلم أنه وفي فترات سابقة كان الترقي في السلم الأكاديمي قائماً وبشكل رئيس على سنوات الخبرة بعيداً عن الإنجازات العلمية – فإن الأكاديمي السوري يحتاج إلى نشر أبحاث ومقالات محكمة شريطة أن تُنشر في دوريات مقبولة ومتعارف عليها ( يعتمد حالياً على مؤشر مكون من نقاط لأجل ترفع الأكاديمي في الجامعات السورية بحيث تلعب الأبحاث المنشورة والكتب المؤلفة والإشرافات على طلاب الماجستير والدكتوراه دوراً رئيساً في عملية الترفع) من وجهة نظر الجامعات السورية بغض النظر عن الترتيب الدولي لهذه الدوريات. لأغراض كثيرة فإن هذه القوائم لا تنحصر على الدوريات الدولية المدرجة في قواعد البحث العلمي كـ Web of Science و Scopus وإنما على دوريات أخرى تتنوع في مستواها بين ضعيف ومتوسط وجيد، وعليه فإن نظام التعليم العالي في سورية يحفز الأكاديمي السوري على نشر الأبحاث العلمية في دوريات مقبولة من وجهة نظر الجامعة التي يعمل بها، بغض النظر عن الترتيب الدولي لهذه الدوريات. تأسيساً عليه، نرى الكثير ممن يحملون رتبه "أستاذ" المقابلة لرتبة "بروفيسور" لا يمتلكون لأي بحث علمي منشور في دوريات دولية مدرجة ضمن قواعد البيانات العلمية المتعارف عليها أو دوريات ذات سمعة طيبة يعتد بها في المجالس العلمية، ويبقى إنتاج هؤلاء محصور في مقالات أكاديمية تنشر في دوريات تكون محل اعتراف الجامعات السورية، مما يؤدي بالضرورة إلى تواضع ترتيب الجامعات السورية، وضعف مساهمة الجامعات السورية في الجهد الإنساني الدولي لبناء العلم والمعرفة، وأيضاً ضعف الإنتاج العلمي الحديث الذي يعول عليه في تحسين واقع الحياة في سورية.
الكتاب الجامعي:
تعتمد الجامعات في سورية على سياسة الكتاب الجامعي التي تقوم على أن يؤلف مدرس المقرر -على الغالب (يشارك في كثير من الأحيان الأكاديمي الأعلى رتبة في القسم بتأليف المقرر أو ممن له خبرة في مجال الكتاب) - كتاباً جامعياً يعتمد لتدريس المادة المقررة، وعليه تعمل مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية على تأمين هذا الكتاب وبأسعار مقبولة. إن لهذه السياسة أثاراً جيدة، ولكن مع تسارع وتيرة الاكتشافات العلمية أصبحت هذه السياسة عائقاً لإطلاع الطلاب على الحديث في مجال التخصص.
أيضاً أدت هذه السياسة إلى تعميم الآراء الشخصية لمؤلف المادة، إذ يعتبر ميدان العلوم ميداناً واسعاً يضم في رحابه الكثير والكثير من الآراء المتنوعة، وعليه فإن الأستاذ الجامعي الذي لم يحصل على الفرصة الملائمة للاطلاع على الحديث من المعارف في ميدان عمله، يبقى مبتور الأطراف غير قادر على تضمن الآراء الحديثة في كتابه. في ذات الوقت، لا تتلاءم هذه السياسية مع الطرق الحديثة في التعليم التي تقوم على أن يختار الأستاذ الجامعي أكثر من كتاب للمقرر بالطريقة التي تساعد العلمية التدريسية على التخلص من آفة "الحفظ عن ظهر القلب"، وفي ذات الوقت يحصل الطالب على فرصة طيبة للإطلاع على عدد من المصادر من مدارس علمية متنوعة بما يؤدي بالضرورة إلى الارتقاء بمستوى المخرج الجامعي في سورية. يذكر أن الآلية الحالية تقوم على أن تُخصص لجنة علمية لتقويم كل كتاب جامعي – يستثنى من ذلك الأكاديمي برتبة أستاذ، مع العلم أن عدداً من الأكاديميين في الجامعات السورية - الذين تمت مقابلتهم - أبدوا تحفظاً على هذه السياسة.
استطلاع آراء الطلاب:
إحدى المداخل المتبعة في تقييم جودة الخدمة هي الاعتماد على وجهة نظر العملاء حول الخدمة المدركة من قبلهم والمقيمة وفق عوامل ذاتية خاصة بالعملاء (Urban 2009) وعليه فإن الاستناد إلى آراء العملاء (مستهلكي الخدمة) يزود المهتمين بالمعرفة اللازمة لأجل تقييم الواقع الراهن.
في استطلاع لآراء الطلاب الذين يدرسون (أو درسوا في السابق) في الجامعات السورية، حول بعض النقاط التي تتعلق بمدى نجاعة الجامعات السورية في تأهيل هؤلاء الطلاب وتمكينهم من دخول سوق العمل بطريقة تنافسية – لا سيما لدى المقارنة مع الجامعات الإقليمية العربية والشرق أوسيطة – تم الحصول على الإجابات الآتية، حيث شمل الاستبيان الإلكتروني 6295 فرداً منهم 6220 ممن يدرس أو درس فعلاً في الجامعات السورية وبالتالي فإن حجم العينة المدروسة هو 6220 بنسبة 98.8% ممن قام بالإجابة على الاستبيان.
يُنظر إلى الآراء التي تم الحصول عليها من خلال الاستبيان بعين من الرضا، على اعتبار أن الاستبيان قد تم نشره على صفحة تواصل اجتماعي تعود لمبادرة تهتم بالشؤون العلمية - الباحثون السوريون - وعليه فيُتوقع أن الطلاب الذين أجابوا على الاستبيان هم من الطلاب المهتمين بمتابعة المستجدات العلمية وتطوير معارفهم. وقد تبين أن ما نسبته 89.9% قد درس في جامعات حكومية في حين أن 10.1% درس في جامعة خاصة، مما يفيد بأن التعليم الحكومي في سورية هو المزود الرئيس لخدمات التعليم العالي في السوق السورية، وعليه فمن الهام الاهتمام بالاستثمار في قطاع التعليم العالي الحكومي وفتح آفاق و فرص أكثر للتعليم الخاص.
• يبين الشكل (1) أن نسبة مرتفعة – حوالي الثلث - من الطلاب تعتقد أن الدراسة في الجامعات السورية ذات فائدة متواضعة 30.7% و 10.1 % تعتقد أن الدراسة سئية بالمقارنة مع جامعات اقليمة اخرى. في حين أن 15.6% يعتقد أن الدراسة في الجامعات السورية مفيدة جداً. تأسيساً عليه يجب إعادة النظر في "خدمة التعليم العالي" من الناحيتين الوظيفية (كيف يحصل الطالب على خدمة التعلم العالي) والفنية (ماذا يحصل الطالب نتيجة تفاعله مع الجامعة).
الشكل (1)
Image: Syrian Researchers
• يبين الشكل (2) أن نصف عدد الطلاب المستجوبين يعتقدون أن الجامعات السورية لا تزودهم بأفضل العلوم وأحدثها، ولا تساعدهم على الاطلاع على الحديث في مجال التخصص، مقابل نسبة تقل عن 25% والتي ترى عكس ذلك. تأسيساً عليه، إنه من الهام العمل على إعادة النظر في المناهج التعليمية في الجامعات السورية، وبالأخص السلسلة (القناة) التي تعمل على نقل المعارف والعلوم من "مراكز الأبحاث الدولية" إلى "المحاضرة الجامعية" التي تقدم المعلومات الأكاديمية للطلاب في الجامعات في سورية. وهل يا ترى هناك قنوات أكاديمية تساعد الطلاب في الجامعات السورية على الحصول على الحديث في مجال التخصص ؟
الشكل (2)
Image: Syrian Researchers
• يشير الشكل (3) إلى أن ثلث الطلاب في الجامعات السورية لا يمتلكون فكرة إن كان أساتذتهم يقومون بأبحاث تنشر في دوريات أكاديمية دولية أم لا. إن لهذه النقطة العديد من الآثار السلبية فهي تؤدي إلى ضعف ثقة الطالب بالجامعة التي يدرس بها، كما لا تعمل على تحفيز الطالب على تقديم الأفضل لديه، على الأخص عندما يعلم أن أساتذته لا يشاركون في الجهد الإنساني الدولي في بناء المعرفة العالمية. في حين دلت تجارب بعض البلدان في قطاع التعليم العالي – دول جنوب شرق آسيا – على أن الطلاب قدموا أداءً أفضل نتيجة لتأثرهم (أو لمشاركتهم) بأنشطة أكاديمية دولية أعدت من قبل أساتذتهم.
الشكل (3)
Image: Syrian Researchers
• لا يعتقد 55.9% من العينة المستهدفة بقدرة الجامعات السورية على تأهيل الطلاب تأهيلاً ملائماً يفيد في دخولهم سوق العمل والمنافسة على الوظاف، يدلل ذلك على بعض المشاكل التي قد يعاني منها الطالب من حيث ثقته بقدراته ومهاراته التي يعول عليها في الحصول على فرصة العمل التي يرغب بها. قد يكون من الهام تطبيق مبدأ "إعادة هندسة العمليات" أو ما يعرف بالهندرة على الآلية التي تنفذ بها الجامعات السورية مهمامها، إن استقراء بعض تجارب البلدان في قطاع التعليم العالي تفيد سورية في الارتقاء بمستوى المخرج الجامعي الذي يعول عليه الكثير في المرحلة القادمة.
الشكل (4)
Image: Syrian Researchers
• إن ثلثي العينة المستهدفة والتي ضمت أكثر من 6000 طالب تشير إلى أن الطلاب لا يستفيدون من خدمات المكتبة. هذا الأمر هو مؤشر خطير على ضعف جودة العملية التدريسية، وفي ذات الوقت مؤشر على تواضع مستوى الخدمات والتسهيلات المقدمة من قبل المكتبات. إن اعتماد الطالب الجامعي - الذي يشكل الركيزة الأساسية لقوة العمل المؤهلة ذات المهارة والتي يعول عليها في بناء المجتمع في سورية- على مصادر محددة وغير متنوعة يؤثر بطبيعة الحال على الحالة الاجتماعية والاقتصادية في سورية. بناءً عليه، من الهام جداً إعادة النظر بدور المكتبات في العملية التدريسية في قطاع التعليم العالي في سورية.
الشكل (5)
Image: Syrian Researchers
خلاصة :
إن تواضع مستوى التعليم العالي في سورية من شأنه أن يعمل على إضعاف مشاركة الأجيال القادمة في بناء المجتمع السوري ومن شأنه أيضاً أن يعمل على تواضع مساهمة الأجيال السورية في الحضارة العالمية بالطريقة التي تنعكس سلباً على سمعة المورد البشري السوري، كما سيؤدي بالضرورة إلى حاجة سورية إلى توظيف خبراء أجانب بشكل أكبر في المستقبل بالطريقة التي تنعكس سلباً على كثير من القضايا. وإن النتيجة المؤسفة لتراجع ترتيب الجامعات السورية وتواضع مستوى المخرج الجامعي السوري لم تكن نتيجة لسياسة مرحلية وإنما كان نتيجة لسياسات متقادمة لا زالت مستمرة حتى اليوم. فقد انكفأت الجامعات والمراكز البحثية عن معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والإنسانية وعليه فإن تطور الجامعات السورية والارتقاء بالبحث العلمي بحاجة إلى جهد جاد وحقيقي وواقعي، يعكس رغبة حقيقة في تطوير هذا القطاع. وقد يكون من المفيد الاعتماد على تجارب دولية أسست لدعم البلاد بجامعات متميزة ارتقت للمستوى العالمي، وقد يكون في بعض النماذج – ماليزيا – فؤائد كبير لقطاع التعليم العالي في سورية.
ختام القول، يعتقد كاتب المقال أن ما تمر به سورية ليس إلا نتيجة منطقية لتواضع مستوى التعليم العالي والبحث العلمي في سورية.
المراجع
1. هنا
2. هنا
3. هنا
4. Urban Wieslaw، (2009) ، Service Quality Evaluation Methods - State and Outlook، First International Symposium on Services Science ، Berlin، Germany.
ملاحظة
يشكر مؤلف المقال مُراجِعين أكاديميين قاما بإبداء الرأي في هذه المقالة.