برج إيفل ... رمز المدينة الصامد
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
رَغم أنَّ النيةَ الأساسيةَ وراءَ بناءِ هذا البرج كانت تخدم هدفاً مؤقتاً، إلا أنّ برجَ إيفل كان قد نجحَ في أن يصبحَ أحدَ الرموزِ الراسخة لفرنسا والحِقْبة الصناعية. يتابع البرجُ تأديةَ دورِه الهامِ إلى يومنا هذا كمحطةٍ للبث التلفزيوني والإذاعي، إلى جانب جذبِه للسياح أكثرَ من أي موقعٍ مدفوع آخر وذلك لكونه أحد أبرز الأعاجيب المعمارية في العالم.
كان الهدفُ من بناء البرج هو إقامة نصب في ساحة (Cham-de-Mars) العامة في منتصف باريس، حيث كانت الساحةُ ستستخدم كمدخلٍ للمعرض الدولي الذي استضافته مدينة باريس في ذلك الوقت بمثابة إحياء للذكرى المئوية للثورة الفرنسية. قدّم أكثرُ من 100 فنانٍ خططاً تنافسيةً لبناء هذا النصب، إلا أن التفويضَ كان من نصيب شركةٍ مختصةٍ بالاستشارة والتشييد يملكها أليكساندرغوستاف إيفل؛ بنّاءُ الجسور وخبيرُ العمارة والمعادن.
رَغمَ كل الشهرة التي رافقت إيفل بعد تسمية البرج باسمه، إلا أن ما لا يعلمه الجميعُ هو أن موريس كوشلين -مهندس الإنشاءات والموظف في شركة إيفل- هو من ابتكرَ فكرةَ بناء البرج وعدّلها لتصبحَ دقيقةً بما يكفي للمباشرة بالبناء. كما يُقال بأن إيفل كان قد قام برفض خطة كوشلين الأصلية والإيعاز إليه بإضافة زخارفَ أكثرَ للزينة. والجدير بالذكر أن كوشلين و إيفل كانا قد تعاونا قبلها سويةً في بناء الهيكل المعدني لتمثال الحرية.
لقد تطلّب التصميم الأخير للبرج ما يتجاوز 18000 قطعة من الحديد المطاوع المستخدم في البناء و 2.5 مليونَ مسمار، كما قضى مئات العاملين عامين كاملين في تجميع إطار للشكل الشبكي للبرج. حين انتهاء العمل، تم تدشينه في آذارَ عام 1889 كأطولِ ما تم بناءه في العالم بارتفاع يبلغ 1000 قدم، و لسوء الحظ خسر هذه الميزة لصالح مبنى كرايسلر في نيويورك عام 1930. ولكنه عاد في عام 1957 ليصبحَ أطولَ من مبنى كرايسلر بعد أن أُضيف له هوائيٌ جعله أطولَ بـ 65 قدم. إلا أن ذلك قد أتى متأخراً بعد تشييد مبنى إيمباير ستايت الذي تفوّق على كليهما عام 1931. عند تدشين البرج، لم يكن يُسمح للزوار بالتواجد إلا ضمن منصة الطابق الثاني للبرج في بادىء الأمر، إلا أن هذا الوضع لم يستمر فقد تم فتحُ المستوياتِ الثلاثة جميعِها للعامة ـ متضمنة المطاعم- ليتمَ الوصولُ إليها إما بالسلالم أو بإحدى المصاعد الثمانية.
أبدى الملايينُ من زوار البرج إعجابَهم بهذه الإعجوبةِ المعماريةِ الحديثةِ البناء خلالَ المعرض وبعده.
لكن لم يبدِ سكان المدينة حماساً لتشييده، فقد خافَ العديد من الباريسيين أن يكون بناؤه هشاً، كما اعتبرَه البعضُ سيءَ المظهر. فعلى سبيل المثال، صرّحَ الروائي غاي دو موباسنت بأنه يكره البرجَ لدرجةٍ كبيرة تجعله يأكل غداءَه في غالب الأحيان في المطعم الموجود في قاعدته، فهذا هو المكان الوحيد الذي يمكنه فيه ألا يلمح حتى انعكاس ظل هذا البرج.
كان العالم على وشك خسارة برج أيفل عدة مرات. أولها في عام 1909 حين تقرّر إزالته لأنه قد بُني لهدف مؤقت في الأساس، إلا أن مسؤولي المدينة قاموا بإنقاذه بعد إدراكهم لقيمته كمحطة للبث الإذاعي. أما المرة الثانية فكانت خلال الحرب العالمية الأولى، وذلك لأهميته في تعقب الاتصالات الراديوية للعدو ونقل التحذيرات بما يخص مناطيد زبلين الألمانية، إضافة لإرسال التعزيزات الطارئة للقوات. أما المرة الثالثة فكانت بأمر من هتلر في الحرب العالمية الثانية، حيث أمر بهدم أكثر رموز المدينة قيمةً ولحسن الحظ لم يتم تنفيذ الأمر.
ويجدر بالذكر أنه خلال فترة الاحتلال الألماني لباريس، قام مقاتلو المقاومة الفرنسية بقطع أسلاك المصعد الخاص بالبرج كي يُضطر النازيون إلى تسلق السلالم في كل مرة يصعدون فيها لقمته.
يعتبر برج إيفل مركزاً لتجمع محبي المغامرات رفيعة المستوى ولمرتادي المراسم الاحتفالية وحتى لمؤدي التجارب العلمية، فقد قام الفيزيائي الألماني ثيودور وولف عام 1911 باستخدام الالكترومتر في تجربة بينت أن مستوى الإشعاع في قمة البرج يكون أعلى من قاعدته، كما قام بملاحظة تأثيرات ما نسميه اليوم بالأشعة الكونية. يعد برج إيفل أيضاً محطّ إلهامٍ لأكثرَ من 30 هيكل آخر مشابه أو مقلّد له في مدن عدة حول العالم.
لقد خضع أحدُ أكثر الأبنية شهرة على كوكبنا هذا إلى ما يشبه عملية "شد الوجه لإزالة التجاعيد"، حيث تمّ إعادةُ طلائِه للمرة الأولى في عام 1986، و يتم منذ ذلك الحين إعادة طلائه مرة كل 7 سنوات. يستقبل برج إيفل سنوياً ما يقدّر بـ 7 مليون زائر متفوقاً بذلك على كل معالم العالم المدفوعة الأخرى. كما يوجد 500 موظف مسؤول عن تشغيل عمليات البرج اليومية في المطاعم والمصاعد و ضمان أمن البرج وحمايته، إضافة إلى توجيه الحشود المتلهفة التي تجوب منصاته لتستمعَ برؤيةٍ بانورامية لمدينة الأضواء.
المصدر:
هنا