الدورة الطمثية ومشاكلها
التوعية الجنسية >>>> الحياة والحقوق الجنسية والجندرية
وهنا نتساءل: ما هي الآثارُ الفيزيولوجيةُ للدورةِ الطمثيّةِ على جسم الأنثى؟ وما علاقتها بتغيرات المزاجِ عند الفتيات وحالتهنّ النفسية وحتى العاطفية؟
الدورة الشهريّة من وجهة نظر فيزيولوجية:
تعلّمْنا في المدارس الإعداديةِ أنّ الطمثَ نزيفٌ دمويٌّ يحدث بشكل شهريّ نتيجةَ تمزقِ بطانة الرحم، وعلى الرّغم من كون حدوثه أمراً مُزعجاً في بعض الأحيان؛ إلا أننا لا نستطيعُ تجاهلَ كونه من المؤشِّرات الدالة على سلامة الجهاز التناسلي الأنثوي.
من البديهي والطبيعي أن يكون لكلّ امرأة طابعُها الخاصُّ والفريدُ من نوعهِ والذي يشمل أيضاً دورتها الطمثية؛ فبعض النساء تكون دورتهنّ الطمثية قصيرة، وقد تكون طويلةً لدى غيرهنّ، كما يمكن أنْ يكون الإدرار الدموي غزيراً أو خفيفاً حسب جسم الأنثى.
بعد عدّة سنواتٍ تبدأ معظم النساء بالاعتياد على تكرارها ومدّة حدوثها وغزارة إدرارها. ولكن عندما تحدث تغيّراتٌ غيرُ مألوفةٍ كأنْ يصبح التدفّق الدمويُّ غزيراً بشكلٍ مفاجئ، أو تتغيّر فترات حدوثه، فمن الطبيعي أنْ تسألي نفسكِ ما الذي يحدث لجسمكِ؟ وهل يمكن اعتبار ما يحدث طمثاً طبيعياً؟
يستمر الطمثُ أو الدورة الشهرية في العادة لمدةٍ تتراوحُ بين 3-5 أيام بتواترٍ زمني يتكرر كل 28 يوماً. إلا أنّ هذه ليست قاعدةً ثابتة، فالأمر يختلف بين امرأة وأخرى. وبذلك نرى أنّ ثلاثة أيام أمرٌ طبيعي لدى بعض النساء، وكذلك 7 أيام هي أمرٌ طبيعي للأخريات، وبالتالي يمكن أن يكون تدفق الطمثِ أكثرَ غزارةً لدى بعض النسوة من غيرهنّ.
إذاً بدلاً من القلق حول تأخر الطمث أو تغيّر مدته، يجب إعادة النظر فيما إذا كانت هنالك تغيراتٌ جديدة قد طرأت. ولا نتجاهل هنا أنه ينبغي على المرأة مراقبة دورتها الشهرية، لأنها قد تعطينا أدلةً عديدة على صحة جسمها عندما لا تكون بخير.
بعض التغيرات الشائعة حول الطمث ومدلولاتها:
أولاً: تأخر أو انقطاع دورتك الشهرية:
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كم كان عمركِ عندما انقطعت دورتك الشهرية؟ حيث أنّ انقطاع الطمث في سن الـ 25 على سبيل المثال هو أمرٌ أخطرُ بكثيرٍ من انقطاعه في سن الـ 50.
فالمرأة في سن الـ 20 أو 30 تكون نشيطة جنسيّاً وهناك احتمالٌ دائم لديها بمحاولة الحمل والإنجاب، وحتى لو كانت تعتقد أنها محميّةٌ من خطرِ انقطاع الطمث إلا أنها لا تملك ضمانةً مطلقة.
من ناحيةٍ أخرى، فإنّ المرأةَ في سن الـ 40 أو الـ 50 تكون قد اقتربت من سنّ الإياس وهو سنّ انقطاعِ الطمثِ الطبيعي؛ حيث يخفض المبيض من معدل إنتاج هرمون الإستروجين، وتقل فترات حدوث الطمثِ بشكلٍ تدريجي إلى أن ينقطع تماماً، ونستدل على انقطاعه التام في حال توقفه لمدة 12 شهراً متواصلاً. ويجب أن نعلم أنّ الطمث ينقطع بشكلٍ طبيعي عندما تبلغ المرأة سن الـ 51 وسطياً.
ومن أسباب تأخرِ الطمث ممارسةُ التمارين بإفراطٍ، حيث أنّ 5-25% من الفتيات اللواتي يمارسن التمارين الشاقّة يتوقف الطمث لديهنّ، ويُدعى ذلك بـ "احتباس الطمث الناجم عن التمارين"، وهذه الظاهرة شائعةٌ بين راقصات الباليه؛ حيث أنّ ممارسة التمارين الشاقة تؤثر على إنتاج وتنظيم الهرمونات الجنسية التي تتدخل في حدوث الطمث.
ولأسبابٍ مماثلة، نجد أنّ النساء اللواتي يعانين من اضطراباتٍ غذائيّةٍ كفقدان الشهية العصبي (Anorexia) يعانين من انقطاع الطمث، حيث أنّ كمية الحريرات التي يتناولنها تؤدي إلى منعِ إفراز الهرمونات التي تحتاجها أجسامهنّ للإباضة.
هنالك أسبابٌ أخرى تؤدّي لتأخّر الدورة الشهرية، نذكر منها:
• أمراض الغدة الدرقية والنخامية.
• اضطرابات الوطاء (وهي منطقة توجد تحت المهاد في الدماغ تساعد في تنظيم الهرمونات الإنجابية).
• الإرضاع.
• البدانة.
• وسائل منع الحمل الفموية (على الرغم من أنّ حبوب منع الحمل تجعل الطمث أخف أكثر من كونها تسبب انقطاعه التام).
• التوتر والإجهاد.
• متلازمة تكيّس المبيض والاختلالات الهرمونية الأخرى.
• الفشل المبيضي (أي توقف المبيض عن أداء وظيفته قبل سن ال 40).
ثانياً: غزارة النزيف الطمثي تجاوزت الحد الطبيعي:
معظم النساء ينزفن حوالي 35 مل من الدم (أي ما يعادل 2-3 ملاعق) شهرياً، أولئك اللواتي يعانين من دوراتٍ طمثية غزيرة قد يخسرن كميةً تزيد عن خمسِ ملاعقَ أو أكثرَ من الدم.
عندما تنزفين كميةً غزيرةً من الدم فإنّ جسمك يخسرُ كميةً هامة من الحديد الضروري لإنتاج الهيموغلوبين أو الخضاب الدموي (وهو المركب المسؤول عن نقل الأوكسجين في الدم). مما يؤدي لإصابتك بفقر الدم بعوز الحديد والذي يتميز بأعراضٍ مختلفة كالوهن والتعب وشحوب الجلد وضيق التنفس.
إذا كنت تعانين من نزفٍ غزيرٍ وبشكل مستمرّ راجعي طبيباً مختصاً لإجراء تحليل تعداد دمويّ (وهو تحليل يفحص عينتك الدموية لتحري نسبة الكريات الحمراء والبيضاء والصفيحات الدموية والخضاب وغيرها من المكونات في دمك)، ففي حال وجود نقص في الحديد يجب أن تبدئي بتناول الأدوية المتممة.
توجد عدة عواملَ قد تزيد من غزارة الطمث وتشمل:
- الأورام الليفية الرحمية أو البوليبات "السليلات" ( وهي تنشؤات تشبه الكيس أو نمو بارز غير سرطاني ضمن الرحم).
- الإسقاطات أو الحمل الهاجر (الحمل في مكان غير الرحم مثل البوقين أو المبيض أو غيره).
- استخدام أدوية معينة (على سبيل المثال مميّعات الدم أو الستيروئيدات).
- تغيير حبوب منع الحمل التي تستخدمينها في العادة.
- اضطرابات التخثر (أمراض دموية) مثل داء فون ويلبراند.
- سرطان الرحم.
يمكنكِ تقديرُ كمية النزفِ الغزير من خلال حسابِ عدد الفوط التي تستخدمينها. حيث أنّ استهلاك واحدة أو أكثرَ كلَّ ساعة على مدى عدة ساعات على التوالي يُعتبَر إشارةً إلى أنك تعانين من غزارةٍ غير طبيعية في الطمث.
إنّ تناولَ مانعاتِ الحملِ الفموية قد يساعد على تنظيم الدورة الشهرية وتخفيف النزف. وإذا كنت تستخدمين اللولبَ لمنع الحمل فقد يستطيع الطبيب نصحك باستخدام نوعٍ معين من اللوالب الهرمونيّة يُدعى بـ Mirena للمساعدة على تقليل النزف.
إذا استمرّ النزف فقد يقترح طبيبك إجراء فحص إيكو أو غيره من الفحوصات لتحديد مصدر هذه المشكلة.
ثالثاً: تعانين من نزيفٍ غير طبيعي بين الدورات الطمثية، ولا يتعلق بالطمث:
هذه مشكلةٌ هامّة يجب عليك عدم تجاهلها، ومن المحتم زيارة الأطباءِ بشكلٍ عاجلٍ لتحري مصدرها.
هناك أسبابٌ عديدةٌ منها القرحة المخرِّشة في المنطقة المهبلية، ونسيانك لتناول حبوبِ منع الحملِ؛ وقد تحمل الأسباب في طياتِها خطورةً كبيرة مثل الحمل الهاجرِ أو السرطان. وهنا يجب عليك زيارة الطبيب من أجل الفحوصات فوراً.
رابعاً: أنت تعانين من ألمٍ شديد عند الدورة الشهرية:
عادةً لا تكونُ الدورةُ الطمثية فترةً مريحةً في الشهر؛ فمعظم النساءِ يعانين من تشنجاتٍ عضلية عندما يتقبّض الرحم ليقوم بإسقاطِ البطانةِ الرحميّة المتهتّكة، وعادةً ما يكونُ الألم متوسطَ الشدة ويتراجع خلال يوم أو يومين.
ولكن، وعند بعض النساء، فإنّ الألم يكون شديداً لدرجةٍ تمنعهن من النهوض من السرير، وهذه الدورات المؤلِمة تدعى بـ "عسر الطمث"، وقد تصاحبها أعراضٌ أخرى مثل الإسهال، الغثيان، الإقياء، الصداع وآلام في أسفل الظهر.
عادةً ما يكون الألم بسبب الدورة نفسها، ولكن قد يحدثُ بسبب حالاتٍ مرضية معينة مثل التهاب بطانة الرحم أو الأورام الليفية الرحمية، ولإيجاد سبب المشكلة قد يقوم طبيبك بإجراء فحصٍ لمنطقة الحوض أو لطاخة مهبلية، بالإضافة إلى فحوص أخرى كالإيكو وتنظير البطن.
مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية (NSAIDS) قد تساعد في تخفيف الألمِ من خلال إيقافِ صنع البروستاغلاندينات في الجسم (وهي مواد كيميائية تحرّض تقبّض الرحم أثناء الدورة)، قد يقترح طبيبك تناولَ مضادات الالتهاب أو حتى استخدام اللولبِ والذي قد يستطيع أن يخفف من آلام الدورة.
أما فيما يخص الأورام الليفية والتهاب بطانة الرحم فهي تعالج أحياناً بشكل جراحي.
متى تقومين بمراجعة الطبيب؟
• إذا أصبحت دورتك غيرَ منتظمةٍ بشكل مفاجئ.
• إذا كان الفاصل الزمني بين الدورات الشهرية يتجاوز ال35 يوماً (تباعد الدورات)، أو يقل عن 21 يوماً (تقارب الدورات).
• إذا استمر النزيف لأكثر من سبعة أيام متواصلة.
• في حال استهلاك أكثر من فوطةٍ خلال ساعة واحدة وعلى مدى عدة ساعات متتالية.
• في حال حدوث نزفٍ بين الدورات.
• في حال وجود آلامٍ شديدةٍ غير محتملة.
المشاكل النفسية المتعلقة بالدورة الشهرية: نذكر منها:
متلازمة ما قبل الطمث PMS:
متلازمة ما قبلَ الطمث هي مجموعةٌ من الأعراض المرتبطة بالدورة الطمثية، تحصل هذه الأعراض خلالَ الأسبوع أو الأسبوعين السابقين لبدء الدورة الشهرية، وغالباً ما تزول عند بداية النزف. قد تؤثر هذه المتلازمة على الدورة عند النساء بمختلَف الأعمار، ويختلف تأثيرها بين امرأةٍ وأخرى. فبالنسبة لبعض النساء هي مجرد إزعاجٍ شهري، أما بالنسبة لغيرهن فقد تكون شديدةً لدرجةٍ لا تسمح لهن بالقيام بأعمالهن اليومية. فما هي أسبابها؟
الأسباب ليست واضحةً بشكل تام، ولكن تتداخلُ فيها عدةُ عواملَ أهمها التغيراتُ الهرمونيةُ خلالَ الدورةِ الشهرية. أما بالنسبة للتوتر والمشاكل العاطفية كالاكتئاب فهي قد تزيد من شدةِ الأعراض لكنّها ليست من الأسباب الرئيسية كما يُشاع.
ومن الأسباب المحتملة نذكر:
- نقص مستويات الفيتامينات والمعادن في الجسم.
- تناول الملح بكثرة مما قد يؤدي لاحتباس السوائل في الجسم.
ماهي أعراض متلازمة ما قبل الطمث ؟
غالباً ما تشملُ أعراضاً جسديّة ونفسيّة مثل :
• حب الشباب.
• تورّم أو تقلّص الثديين.
• مشاكل في النوم.
• الشعور بالّتعب.
• اضطرابات معويّة، شعور بالنفخة، إسهال أو إمساك.
• ألم في الظهر أو الرأس.
• نقص أو زيادة في الشهية.
• آلام في المفاصل أو العضلات.
• مشاكل في التركيز أو الذاكرة.
الأعراض النفسية:
توتّر، هيجان، تقلّب المزاج، نوبات من البكاء، قلق واكتئاب.
ما هو مدى انتشار متلازمة ما قبل الطمث؟
تقدر الجمعية الأمريكية لأمراض النساء أنّ 85% من النساء في سن الحيض قد عانين من أعراض متلازمة ما قبل الطمث لمرةٍ واحدة على الأقل أثناء دورتهن الشهرية، وغالبية هؤلاء النسوة لم يحتجن إلى علاج، أما الأخريات (حوالي 3-8%) فقد حدثت لديهن أعراض شديدة (تدعى بمتلازمة الاكتئاب ما قبل الطمث).
تحدث متلازمة ما قبل الطمث بشكل أشيع عند النساء اللواتي: تتراوح أعمارهنّ بين العشرين وبدايات الأربعين، ولديهن على الأقل طفل واحد، مع وجودِ قصةٍ عائليةٍ للاكتئاب وقصة سابقة عن اكتئاب ما بعد الولادة أو اضطرابات المزاج.
تغييرات نمط الحياة:
إذا كانت أعراضُ متلازمةِ ما قبل الطمث غيرَ شديدة، ولا تتطلبُ منك الذهابَ إلى الطبيب، فإنّ تغييرَ بعضِ الأشياء في نمطِ حياتكِ سيساعدكِ ويعطيكِ إحساساً أفضل. وإليك بعض الخطوات:
• مارسي التمارين بشكل منتظم كل أسبوع.
• تناولي أطعمةً صحيةً مثل الفواكه والخضار والحبوب الكاملة.
• تجنبي الملح والأطعمة السكرية، الكافيين، الكحول وخاصة عندما تبدأ أعراض المتلازمة.
• احرصي على الحصول على قسط وافر من النوم (حوالي 8 ساعات).
• جدي طريقة صحية للتعامل مع التوتر مثل (التحدث مع الأصدقاء، ممارسة التمارين، كتابة مقال، بعض النساء يجدن اليوغا أو المسّاج أو العلاج الاسترخائي طرقاً فعالة).
• ابتعدي عن التدخين.
العلاج الدوائي:
قد تساعد مسكِّنات الألم مثل الإيبوبروفين، الكيتوبروفين، النابروكسين والأسبيرين في تخفيف الأعراضِ الجسديّة مثلَ آلامِ الرأس أو الظهر، التشنّج وآلام الثدي. كما وُجِدَ أنّ النساء اللواتي يستخدمن الحبوب المانعة للحمل كانت الأعراض لديهنّ أقل، إضافةً إلى أنّ دورتهن الشهريّة كانت أخفّ.
علاجات بديلة:
يوجد بعض الفيتامينات والمعادن التي تخفف بعضاً من أعراض المتلازمة وتشمل:
حمض الفوليك،الكالسيوم مع فيتامين د، المغنزيوم، فيتامين ب6 وفيتامين E.
المصادر:
هنا