مراجعة كتاب (الأوتار الفائقة): لكل شيءٍ نظريّة، فهَل من نظريّةٍ لكلّ شيء؟
كتاب >>>> الكتب العلمية
وفي هذا الكتابِ العلمي يستطلعُ البروفيسور(بول ديفيز) مديرُ مركزِ "BEYOND" للدراساتِ العلميةِ بالاشتراكِ مع زميلهِ الفيزيائي (جوليان براون)، آراءَ بعضِ العلماءِ القائلينَ بنظريّة الأوتارِ الفائقةِ وخُصومِهم الذين يرفضونها.
تكمنُ أهميّةُ الكتاب في شرحِ نظريّةٍ من أكثرِ الفروعِ حيويةٍ في بحوثِ الفيزياءِ النظريّة، وكما كان لها أنصارُها، فقد وجدَت معارضين لها، فشرعَ كل من (ديفيز وبراون) عام 1987 لاجراءِ مسحٍ يتعلّقُ بالجدلِ الدّائرِ حولَ نظريّة الأوتارِ الفائقة، لِـتُنـشَرَ نتائجهُ لاحقًا من خلالِ هذا الكتابِ بعد أن قُدِّمَت على شكلِ سلسلةِ حلقاتٍ إذاعيةٍ عبر الإذاعةِ البَريطانية.
يتألّفُ الكتابُ من قسمينِ، يقدّمُ الأولُ شروحاً مُبسّطةُ - قدرَ الإمكان- عن النظريّاتِ الفيزيائيّة التي أحدَثت ثورةً في عالمنا، وتسبّبت في توحيدِ أكثرِ من مجالٍ فيزيائي في نظريّةٍ واحدة. كما نتعرّفُ من خلاله على أساسِ نظريّة كلّ شيء، انطلاقًا من تبنّي علمائِها الفلسفةَ الاختزاليّة؛ والّتي ترى أنّه إذا عثرنا على نظريّةٍ مُتماسِكةٍ بخصوصِ المكوّناتِ الأساسيةِ للمادّةِ فإنها ستكوُن نظريّةً لكلّ شيء. ونظرًا لوجودِ تاريخٍ حافلٍ لمُتوالياتٍ وحّدت نظرياتٍ فيزيائية؛ فإن فكرةَ وجودِ نظريةٍ توحّدُ الفيزياءَ بأسرها تُعدُّ مُمكنةً.
يتدرّج الكتاب عبرَ سلسلةٍ من الأمثلةِ بشكلٍ بعيدٍ عن الطّرحِ الأكاديميّ البَحت، وهو ما يُلاحَظ في استعراضِ النّظريّةِ النسبيّة والنّظريّة الكُموميّةِ ومفهوم القوى الأربع إلى حدٍّ ما، إلّا أنّه - وبحكمِ صعوبةِ تحويلِ المعادلاتِ الرياضيّةِ إلى كلماتٍ جذّابة - قد يصبحُ الأسلوبُ أكثرُ تعقيدًا عند تناولِ خصائصِ (الجُسيماتِ دونَ الذريّة) والجسيمات حاملاتِ القوى.
وللوهلةِ الأولى قد يكونُ الجزءُ الأولُ من هذا الكتابِ، بمثابةِ رحلةٍ شاقّة في عالمِ الفيزياء، ولكنّه قُدّم حقيقةً بأفضلِ ما يُمكنُ في سبيلِ تحضيرِ القارئِ العاديّ وغيرِ المُختصّ لفهمِ مُنطلَقِ نظريّة الأوتارِ الفائقةِ.
يعرضُ لنا المؤلِّفانِ في القسم الثّاني من الكتاب مقابلاتٍ أُجريَت مع عددٍ من العلماءِ الذين يدافعونَ عن نظريّةِ الأوتارِ الفائقة، ونكتشفُ من خلالها دورَ كلِّ منهم في حلّ بعض المسائِل التي واجهَها الفيزيائيونَ خلالَ محاولاتِهم إثباتَ هذه النظرية. كما سنتعرّفُ على أسبابِ رفضِ من هم في الطّرفِ الآخرِ من النظريّة لها، ويبدو جليًا أن الخلافاتِ حولَ هذه النظريّة أخذَت حيّزًا كبيرًا لم يُعرف من قبل، فقد استنتجَ المؤلّفانِ بعد هذه المقابلات أنه: "لن تجَد في تاريخِ العلمِ مشروعًا علميًا بلغَ فيه الرّهانُ ما بلغَ على هذهِ النظريّة".
تعرّضت نظريةُ الأوتارِ الفائقةِ لأزماتٍ حقيقيةٍ خلالَ مراحلِ تطورّها، كما حدثَ عندما برزَت على السّطحِ خمسُ نظريّاتِ أوتارٍ مختلفةٍ، الأمرُ الذي شكّل إرباكًا لأصحابِ النّظريّةِ وشكّكَ بكونها نظريةً وحيدةً لكل شيء، وهو الأمرُ الذي تحدّث عنهُ بالتفصيل (ستيفن هوكنج)*، إلّا أنّ هذه النّظريّة لا تزال تحاولُ الإجابةَ عن أسئلةٍ تتعلقُ بماهيّة المكوّناتِ الأوّليّة وغيرِ القابلةِ للتّقسيم، والتي يتركبُ منها كل شيءٍ في الكون؛ في سبيلِ توحيدِ القوى الأربعِ الأساسيّةِ في الطّبيعةِ، وإيجادُ نظريّةٍ توحّدُ بين نظريّة الكمّ ونظريّةِ النسبيّة العامّة.
يقعُ كتابُ الأوتار الفائقة - نظريّة كل شيء، في 207 صفحات، ترجمة د.أدهم السمّان، وقد صدرَ عن دار طلاس للترجمة والنشر، دمشق- 1997
**راجع مجلةِ العلوم ( المجلد 27/ إصدار يناير- فبراير 2011، صفحة 36-39)