الوقايةُ من تسوّس الأسنان بأسلحةٍ بكتيرية
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
ما الحلُ إذاً؟ حربٌ بالوكالة! يبدو الأمر مثيراً! لمَ لا نجعلُ البكتريا تحاربُ بعضَها البعض؟ قبل أن نخوضَ في تفاصيل هذه الحربِ المُفتعلة، دعونا أولاً نتعرفُ إلى سبب تسوّس الأسنان!
السببُ باختصار هو الطعام والبكتريا في الفم، إذ تتغذى البكتريا على بقايا الطعام في الفم منتجةً أحماضاً. تهاجمُ هذه الأحماضُ الأسنانَ مُتلِفَةً مع الوقت ميناءَ الأسنان ومسبِبَةً النُّخورَ (التسوّس)
فما السبيلُ إلى الوقايةِ من النُّخور والإبقاءِ على أسنانِك بصحةٍ جيدة؟
يكمنُ الحلُّ في الحفاظِ على وسط ٍمعتدلِ الحموضةِ داخلَ الفمِ بمعنىً آخر؛ الحفاظُ على قيمة الـ pH ضمن الحدود المعتدلة (يوضح الشكل أسفل الفقرة تدرج الحموضة). لماذا؟ لأنَّه إذا أصبح الوسطُ داخلَ الفمِ شديدَ الحموضة، فإنَّ البكتريا الضارةَ التي تعيشُ فيه ستؤذي لآلئكَ ناصعةَ البياض! ولمنعها من تحقيق مُرادِها علينا أن نخفضّ الحموضة (أي أن نزيد من قيمة الـ pH).
Image: Public domain
والآن كيف يُمكن تعديلُ درجةِ حموضةِ الفم؟
هناك مكونان رئيسيان يساعدان في تعديل درجةِ الحموضةِ الفموية، لأنَّهما يُعطيان بتحلّلِهما الأمونيا التي تساهم في زيادة قيمة الـ pH ، وهذان المكونان هما:
• اليوريا urea وهي من مكوِّنات اللعاب التي تحلّلُها البكتريا الفموية مُنتِجَةً الأمونيا.
• الأرجينين وهو حمضٌ أمينيٌّ تبيّن في بحثٍ سابقٍ أنَّه أكثرُ قابليةً للتحلُّل في أفواه الأشخاص الذين لا يعانون من نخور أو يعانون من القليل منها فقط، ما يشيرُ إلى أنَّ البكتريا الفموية لديهم كانت تساعد على إبقاء حموضة الفم معتدلة كيميائياً. لكن ما هذه البكتريا؟
تمكَّن علماءٌ في الولايات المتحدة الأمريكية من تحديد سلالةٍ جديدةٍ من البكتريا الفموية قد تكون قادرةً على إبقاء الأنواع البكتيرية الضّارة تحت السيطرة. وبالتالي يُمكن لهذه السلالةِ من البكتريا العقدية التي كانت مجهولةَ الهوية سابقاً والمُسمَّاةِ A12 أن تصبحَ في المستقبل متوفرةً كمستحضراتٍ فموية تجعلُ الوقايةَ من النُّخور أمراً بسيطاً بساطةَ ابتلاع حبّةِ دواء!
لا تستغربوا الأمر كثيراً! فلطالما سمعنا بالبروبيوتيك probiotic وهي سلالات بكتيريةُ وخمائرُ ذاتُ فوائدَ صحيةٍ علاجيةٍ ووقائيةٍ (لمعرفة المزيد عنها، يمكنكم الاطلاع على مقالنا السابق هنا) فما المانعُ من تطوير بروبيوتيك قوامها بكتريا مفيدة تعيش بشكلٍ طبيعي في الفم، وتتمتع بقدرة عالية على تحليل الأرجينين. وبالتالي سيصبح من السَّهل نقلُها إلى طفلٍ أو بالغٍ مُعرَّضَين للإصابة بالنُّخور. وسواءٌ استُخدمت مرةً واحدةً في الحياة أو مرة كلَّ أسبوع، فإنَّها ستقي من تراجع صحة الإنسانِ الفموية.
ما الطاقةُ السِّحريةُ التي تتمتَّع بها سلالةُ A12 لتفعل ذلك؟
إنّ مصدرَ قدرة A12 على حماية أسناننا يكمن في أمرين اثنين:
• أولُهما تعديل حموضة الفم من خلال تحليل الأرجينين (علمنا فيما سبق أنّه ينتج عن تحلله الأمونيا التي ترفع قيمة الـ pH)
• أمّا ثانيهُما فهو مهاجمتُها للعُقَديَّات الطَّافرة Streptococcus mutans (وهي سلالةٌ جرثوميةٌ ضارةٌ تحلِّلُ السُّكر إلى حمض اللبن lactic acid الذي يساهم في تشكيل النُّخور، إضافةً إلى أنَّها تُشكِّل اللويحةَ السِّنيةَ البكتيرية التي تُعرَف بطبقة البلاك plaque أو الجير)، أما كيف ستهاجمها فذلك شأن آخر! خنقاً أم حرقاً؟ بسيف أم ببندقية؟ حسنٌ، لهذه البكتريا سلاحٌ خاصٌّ، إذ يُمكن لسلالة A12 أن تُنتِجَ كميةً وفيرة من الماء الأوكسجيني H2O2 ، وتعدُّ هذه الكميةُ كافيةً لإيقاف نموّ العقديات الطافرة.
وبأسوأ الاحتمالات؛ إنْ لم تستطع السلالةُ البكتيرية A12 القضاءَ على العقديات الطَّافرة، فإنّها على الأقل ستتداخل مع قدرتها على أداء عملياتِها الاعتيادية التي تحتاجها لتسبِّبَ المرض وبالتالي لن تنموَ العقديات جيداً أو تُشكّل لويحةً سنيةً.
إذا ثَبَتَ فعلاً أنَّ الأشخاصَ الذين يملكون أعداداً أكبرَ من هذا النوع من البكتريا النافعة في أفواههم هم أقلُّ عرضةً للإصابةِ بالنُّخور، سيكون ذلك بمثابة أداةٍ لتقييم خطر الإصابة بالنُّخور عند الناس في المستقبل القريب، أمّا الهدف الأبعد من ذلك فيتمثَّل بالوصول إلى مستحضر دوائي فموي من سلالة A12 يقي من الإصابة بالنخور السنية.
إذا حدث أن رأى التطبيق العملي لهذه الدراسة النورَ في المستقبل، فهل أنتَ مُستعدٌّ لتناول الأقراص الدوائية المانعة للتسوّس؟ أم أنّكَ ستتجنّبُها كي لا تحرِمَ نفسّك زيارتك المّتكرِّرة لطبيب أسنانكَ؟!
المصادر:
هنا
هنا
البحث الأصلي: هنا