في يوم المسرح العالمي .. كيف نشأ المسرح العربي؟
الفنون البصرية >>>> فن المسرح
متى كانت آخر مرةٍ حجزتَ تذكرتَك لحضور مسرحيةٍ ما؟ وماذا كان موضوعُها؟
هل تساءلتَ من أوصل المسرحَ العربي إلى هيئته الحالية؟ وهل سمعتَ بأسماءٍ تزيّن المسارح ولم تعرف بالضبط ماذا قدمت هذه الأسماء للمسرح عمومًا؟
كلنا يعلم أنَّ المسرحَ أبو الفنون وأعرقها على الإطلاق، وقد ارتبط منذ بداياتِه الأولى في العصور القديمة بالنفس البشرية ودواخلها، واخترنا في يوم المسرح العالمي 27 مارس (آذار) أن نعرض لقرّائنا الأعزاء بدايات هذا الفن الأصيل ومسيرة تطوره في الأدب العربي، فتابعونا في مقالنا الآتي:
يُمكنُ إرجاعُ بدايات المسرح العربي المعاصر إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما تُرجِمت عدة أعمالٍ مسرحيةٍ للكاتب الفرنسي موليير إلى اللغة العربية من قِبل كُتّابٍ لبنانين على وجه الخصوص وفي مقدمتهم مارون النقَّاش، وعُرِضت هذه الأعمال المترجمة بالأسلوب التقليدي الذي طورته شركات الممثلين الجوالين؛ الأسلوب الذي قد تمتدُّ جذوره في التاريخ المصري القديم، وحتى ذلك الحين لم تكن هذه الشركات قد اعتمدت على النصوص المكتوبة في عروضِها بل اعتمدت على الارتجال والكثير من التفاعل مع الجمهور.
ومن الروَّاد المسرحيين العرب: أبو خليل القباني الذي بدأ بعرض أعمالٍ صغيرةٍ في بيت العائلة فلاقت الإعجاب، ونصحه الوالي العثماني صبحي باشا بتأسيس فرقةٍ مسرحية، فأسس القباني عام 1879 فرقتَه الأولى التي قدمت أكثر من 40 عملًا مسرحيًّا وغنائيًّا، ولكنه لاقى الكثير من الاعتراضات والاحتجاجات وهوجمَ مسرحُه في دمشق فانتقل بفنِّه ومسرحه إلى مصر وبدأ هناك من جديد.
استُخدم المسرح آنذاك وسيلةً جماهيريةً لتمرير الرسائل القومية وخاصة من قِبل الشاعر عبد الله النديم في فترة الحراك التي سبقت ثورة عُرابي عام 1881 واستمرت بعدها، ومع بسط بريطانيا نفوذَها الكامل على مصر وبدء الحرب العالمية الأولى، ظهر ميلٌ واضحٌ إلى الهروب من الواقع السائد ممثَّلًا بالمسرحيات التاريخية التي تحكي قصص الماضي المجيد كمسرحيتي صلاح الدين ومملكة القدس لفرج أنطون وكذلك عدة أعمال لإبراهيم رمزي.
ومنذ سنوات الحرب حتى منتصف الخمسينيات؛ لم يكن غير الميلودراما -القصص العاطفية والمأساوية- من أشكالِ المسرح والمسرحيات الهزلية أيضًا، وكانت الأسماء الثلاثة البارزة هي: علي الكسّار؛ الذي كتب أعمالًا فكاهيةً هزلية، ونجيب الريحاني؛ الذي كتب مسرحياتٍ هزليةً ساخرةً تنتقد الفساد الاجتماعي في عصره، ويوسف وهبة؛ الذي تشيد أعماله بفضائل الأرستقراطية التركية وتسخر من بساطة عامَّة الناس. وسيطرت هذه الأسماء الثلاثة على المسرح المصري والعربي، وتنقَّلت فرقتا الريحاني ووهبة المسرحيتان في عددٍ من الدول العربية، وتركتا أثرهما أينما حلتا حتى وإن لم يكن هذا الأثر جيدًا في كل مرة.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي بدأ تياران جديدان ينموان في المسرح العربي، أولُهما المسرح الشعريُّ الذي أفرزته الحركة الرومانتيكية، وأبرز من يمثل هذا التيار المسرحي الجديد أحمد شوقي، و عزيز أباظة بدرجةٍ أقلّ، فكانت مسرحيات شوقي الشعرية مثل مصرع كليوباترا، وعلي بك الكبير تعالجُ فترات الانكسار في التاريخ المصري فيختارُ فيها الأبطال الخارقون عادةً الموت بشرف.
والتيار الثاني والأكثر ثباتًا يمثله توفيق الحكيم؛ الذي تُعدُّ أعماله نقلةً نوعيةً في المسرح العربي، إذ تتناول أفكارًا جادةً وملحةً بعض الأحيان في قالبٍ مسرحي سهل، واستقى الحكيم موضوعاتِه من مصادر متنوعةٍ كالميثيولوجيا اليونانية والآيات القرآنية وتاريخ الشرق الأوسط والحكايات الشعبية البسيطة وتقارير الصحف، مثل جورج برناردشو الذي يُقارن به في بعض الأحيان، فقد كتب توفيق الحكيم أعمالَه للنشر وليس للتمثيل. وعلى الرغم من بعض المآخذ التي أُخذت عليه يبقى توفيق الحكيم الكاتب الأكثر تأثيرًا في المسرح العربي.
وفي فترة الركود الاقتصادي في ثلاثينيات القرن المنصرم وجدَ كثيرٌ من الممثلين أنَّهم عاطلون عن العمل، وللتخفيف من معاناتهم؛ قدَّمت الحكومة أول مرة عام 1935 الدعم اللازم لإنشاء مسرحٍ قوميٍّ تكونُ رسالته "تقديم الأعمال الكلاسيكية العالمية في ترجماتٍ لأرباب القلم المعروفين"، وهؤلاء الكُتَّاب الذين عُرضت أعمالُهم جنبًا إلى جنب مع أعمال شكسبير وراسين هم؛ أحمد شوقي وتوفيق الحكيم إضافةً إلى عزيز أباظة ومحمود تيمور؛ الذي استندت أعمالُه على أفكارِ التحليلِ النفسي المألوفة حينها، ودفعت نجاحات وإخفاقات هذه الفرقة المسرحية على امتداد عقدين من الزمن الفرقَ المنافسةَ لتأسيس نفسها، ومهدت الطريق للثورة المسرحية في الخمسينيات وبدايات الستينيات أيضًا.
وفي عام 1952 وضع الانقلاب العسكري مجموعةً من الضباط القوميين الشباب على رأس السلطة في مصر، وأدى الصراع بينهم وبين الحكومة البريطانية إلى نشوء أزمة قناة السويس، وكان أحمد حمروش الضابط اليساريُّ الشاب قد عُيّن مديرًا جديدًا للمسرح القومي عام 1955، وفي حين كانت البلاد على حافة الحرب قرر حمروش المخاطرة، فألغى جدول العروض في ذلك الموسم وفرض ثلاثة أعمالٍ مناهضةٍ للاستعمار لثلاثة كُتَّابٍ مغمورين فعليًّا، وكانت الأعمال تُعرض في فترة الظهيرة تجنبًا لمشكلات حظر التجوُّل وانقطاع الكهرباء، وفي غضون أيامٍ كان المسرح يغصُّ بالمتفرجين في حضورٍ غير مسبوقٍ من قبل، فكان الشباب من الطبقة العاملة يُشكلون طوابيرَ تعرقلُ السير في طرق القاهرة.
وعندما أصبحَ المسرح بحاجة كُتّابٍ موهوبين جدد، اختيرت أعمال نعمان عاشور وألفريد فرج ويوسف إدريس وغيرهم للعرض في المواسم التالية. وشهدت السنواتُ الأولى لحكم عبد الناصر محاولاتٍ لترسيخ ثقافةٍ قوميةٍ بعيدًا عن المصالح الأوربِّية كان من نتائجِها تخفيف وطأة الرقابة وتزايد الدعم الحكومي للأعمال الفنية، وعزَّز هذا من ارتياد الجماهير للمسرح، وحقق المسرح القومي مواسم غير مسبوقةٍ من المبيعات.
أما في حقبة الستينيات والسبعينيات برز اتجاهٌ جديدٌ في المسرح العربي يعتمدُ شعر التفعيلة في التأليف المسرحي، وأبرز من يمثل هذا الاتجاه: عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور؛ الذي تُعدُّ مسرحياته مرحلةً جديدة في الكتابة المسرحية، إذ يزاوج في نصوصه بين النثر والشعر.
وخارج مصر؛ كانت الأسماء الأبرز هي المغربي طيِّب صدِّيق واللبنانيين نضال الأشقر وروجيه عساف، وفي سورية؛ مسرح محمد الماغوط ودريد لحام، ثم جاء سعد الله ونوس الذي بدا مسرحه خطوةً نحو الأمام؛ فتناولَ الأوضاع السياسية بالنقد ولاسيما هزيمة حزيران في مسرحياتٍ عدة مثل ليلة سمر من أجل 5 حزيران، والفيل يا ملك الزمان وغيرها، وفي مثل هذا اليوم من عام 1996 كتب سعد الله ونوس الرسالة الرسمية ليوم المسرح العالمي بتكليفٍ من اليونيسكو لتُذاع في أنحاء العالم بمناسبة احتفالية يوم المسرح.
واليوم، وعلى الرغم من العزوف الجماهيري لا تزال مسيرة المسرح العربي مستمرةً على امتداد الجغرافية العربية، ترفدها أسماءٌ جديدةٌ في التأليف والإخراج والتمثيل، وتنتشر المسارح ودور العرض ومعاهد إعداد الكوادر المسرحية، ما يسمح ببقاء هذا الفن العظيم ماثلًا في ساحة الأدب والثقافة العربية.
المصادر:
1. هنا...
2. هنا
3. هنا...