قد يكون التطور ذكياً وليس أعمى!
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
يقوم المقال على توحيد نظرية التطور (التي تُظهر أنّ التنوّعَ والانتقاءَ العشوائيَّين كافيَين لتأمين تكيّفٍ تدريجي) مع نظريات التعلّم (التي تُظهر كيف بإمكانِ التكيّفِ التدريجيّ أنْ يكونَ كافياً لإظهارِ سلوكيّاتٍ ذكية)، إذ يُظهر البحث أنّ بإمكان التطوّر أنْ يُظهِر بعضاً من نفسِ السلوكيّاتِ الذكية التي تَنْتُجُ عن أنظمةِ التعلّم (بما فيها الشبكاتُ العصبية).
المقال الذي نُشر في المجلة العلمية (Trends in Ecology & Evolution) كان من قِبَلِ العالمَين؛ البروفيسور ريتشارد واتسون "Richard Watson" عالم البيولوجيا التطوّرية من جامعة ساوثهامبتون في المملكة العظمى، وزميله أورس ساثماري "Eörs Szathmáry" عالم البيولوجيا النظرية من مؤسسة Parmenides في ألمانيا، وقد بَيّنا فيه كيف أنّ لأساسيّاتٍ متماثلةٍ أنْ تُستخدم لنقلِ نتائجَ وتصاميمَ مُعيّنةً بينَ نظريّتينِ لحلِّ العديدِ من الألغازِ التطوريّة.
يقول واتسون: "تصفُ نظريةُ التطوّر التحركَ التطوري، ولكنّ نظريةَ التعلّمِ ليسَتْ مجرّدَ طريقةٍ أُخرى للوصف، بل إنها تُوسّع ما نظنُّهُ عن إمكانيات التطوّر. إنّها تُظهر أنّ الانتقاءَ الطبيعيَّ كافٍ لإنتاجِ صفاتٍ مذهلةٍ من الذكاءِ القادرِ على حلِّ المشكلات".
على سبيلِ المثال: إنَّ سمةً مهمةً للذكاء هي القدرة على توقعِّ سلوكيّاتٍ ستؤدي لمنافعَ مُستقبلية. اعتُبر التطور، بشكله التقليدي، أعمى أو على أقلِّ تقديرٍ "قصيرَ نظرٍ" وذلك لاعتماده على التنوّع العشوائي، لأنه بذلك ليس قادراً على إبداء هكذا توقعات، لكنّ إثباتَ أنّ أنظمة التطوّر قادرةٌ على التعلّم من الخبراتِ السابقة يعني أنّ لدى التطوّر الإمكانية على توقّع المطلوب للتكيف مع بيئةٍ مستقبلية، مثلما تَفعلُ أنظمةُ التعلّمِ.
ويقول واتسون: "عندما ننظر للتصاميم المذهلة والعبقرية وضوحاً التي أنتجها التطوّر، فإنّ هذا يتطلّب بعض الخيالِ لفهمِ كيفية إنتاجِ تنوعٍ وانتقاءٍ عشوائيينَ لهذه التصاميم. بالطبع، بوجود التنوع الملائم والانتقاء الملائم والتوريث الملائم هذا ممكن، ولكن هل بإمكان الانتقاء الطبيعي أن يُفسّر مُلائمةَ عملياته؟ فكرةُ التفسير الذاتيِّ هذه لا تتماشى مع نظرية التطور التقليدية، في حين تختفي هذه الصعوبات في نظرية التعلّم".
تصفُ نظريةُ التطورِ التقليدية كيفَ أنَّ التنوعَ والانتقاءَ العشوائيَّينِ كافِيَيْنِ لتأمينِ تكيّفٍ تدريجيٍّ للكائنات خلال تطورها عبر العصور، لكن وفقاً لواتسون وساثماري فإنّ هذا النظامَ لا يتعارض مع نظريات التعلّم التي تُبَرهِن كفايةَ التكيّفِ التدريجي لإنشاء نظامٍ يعرضُ لما نسميه بالسلوك الذكي (كما في الشبكاتِ العصبية).
يقول المؤلفان أنّ أنواعاً جديدةً من البحوثِ أوضَحتْ مُسبقاً هذا النوع من التطوّر القابل للتعلُّم، بما فيها الانتقاء في التجمعات اللاجنسية والجنسية وذلك عبر خوارزميات التعلم البايزي* Bayesian learning وتطوّر العلاقات البيئية بنماذج الذاكرة الموزّعة.
يقول واتسون: "تُمكننا نظرية التعلّم من صياغة كيفية تغيير التطوّر لعملياته خلال الزمن التطوري، فعلى سبيل المثال، من خلال تطوير منظومات التطور التي تتحكم بالتنوع، أو منظومة التفاعلات البيئية التي تتحكم بالانتقاء، أو بنية العلاقات التكاثرية التي تتحكم بالتوريث؛ من خلال كلّ ما سبق بإمكان الانتقاء الطبيعي أن يُغيّر إمكانيته التطورية"
يقول العالمان أنّ إنْ كان بإمكان العلماء إضافةُ هذا النوع من نظرية التعلّم إلى كيفية دراستهم للتطوّر فسيكون بإمكانهم حلُّ الألغاز التطوّرية بطرقٍ جديدة والتمتّع بنظرةٍ أعمق على كيفية إنتاج التطوّر لنتائجه المذهلة.
يقول واتسون: "إن كان بإمكان التطور أن يتعلم من الخبرات السابقة، وبناءً عليه أنْ يُطوّرَ قدرَتَهُ التطورية على مر الزمن، فإنّ هذا سيزيل الغموض عن روعة التصاميم التي ينتجها التطوّر. بإمكان الانتقاء الطبيعي أنْ يُكوِّم المعرفة التي تمكّنه ليتطور بشكلٍ أذكى، والمثير في هذا أنه يوضّح سبب ظهور التصاميم البيولوجية على أنها ذكيةٌ جداً".
*التعلم البايزي: إحدى خوارزميات التعلم تستخدم قاعدة بايز (نوع من الاستدلال الاحصائي) لدمج المعلومات الجديدة مع الخبرات السابقة. (المصدر: الورقة البحثية الأصلية).
المصادر:
هنا
هنا
البحث الأصلي: هنا