هل سنتمكّن حقاً من رؤية التشابك الكمومي؟
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
"فوتونات الضوء!" قد تأتيك الإجابة من بعض الناس الذين لم يسمعوا من قبل عن ظاهرة "التشابك الكموميّ Quantum Entanglement" أو "التأثير الشبحي عن بعد "Spooky Action at a Distance كما اُطلق عليه من قِبل أينشتاين، أو سمعوا ولم يدركوا تماماً أنَّها رابطةٌ فريدةٌ من نوعها تنشأ بين جسيمين كموميين (فرميونين أو بوزونين) أو بين مجموعة من الأجسام الكمومية، تجعلهما مرتبطين بعمق مهما تباعدت المسافات بينهما.
إنَّ الزوج المتشابك يتواجد بإحدى الحالتين التاليتين:
1. حالةٌ غير محددة لا نعلم فيها اتجاه الدوران لكلا الجسيمين وذلك عندما لا نجري أي قياس على أحدهما.
2. حالةٌ نستطيع فيها التنبؤ باتجاه الدوران لأحدهما انطلاقاً من معرفتنا لاتجاه دوران الآخر نتيجةً للقياس الذي نجريه عليه.
حيّرت ظاهرة التشابك الفيزيائيين طيلة القرن الماضي وهي مستمرةٌ في ذلك إلى الآن، ولكنَّ التطوّرَ الهائل الذي أُحرِزَ في مجال البصريات الكموميّة Quantum Optics أتاحَ لهم فرصة القيام بتجاربٍ عديدة بهدف معرفة المزيد عن الخواص الكمومية للجسيمات المتشابكة ولتكوين صورة أكثر وضوحاً وعمقاً عن التشابك. فأولى الخطوات على الطريق الصحيح هي نجاحهم في إنتاج أزواج من الفوتونات المتشابكة (تمكّن العلماء في العام 2001 من انتاج تشابك كمومي لخاصية عزم المدار الزاوي لفوتونين معاً لأول مرة) وبعدها أصبحت الآمال معقودة حول إمكانية الحصول على إجابات قاطعة للأسئلة التالية: كيف سنتمكن من رؤية التشابك؟ وهل باستطاعتنا أن نراه؟
أيضاً، إن كانت فوتونات الضوء التي تجعلنا قادرين على الرؤية متشابكة، عندها كيف سيبدو العالم من حولنا؟!
قد يبدو ذلك صعبَ المنال حتى على المدى القريب، لكنَّ بصيصاً من الأمل ظهرَ بعد إعلان فريقٍ من الباحثين في أوروبا بقيادة فالنتينا كابرارا Valentina Caprara من جامعة جنيف بسويسراUniversity of Geneva وبافال سيكاتسكي Pavel Sekatski من جامعة إنسبروغ University of Innsbruck ونيكولاس سانغورد Nicolas Sangouard من جامعة بازل University of Baselعن ابتكارهم لتجربةٍ قد تمكّنُ عينَ الإنسان من كشف التشابك بشكلٍ مباشر بدلاً من استخدام الأجهزة الإلكترونية في تحقيق ذلك.
لنتمكن من الكشف عن التشابك الكمومي باستخدام الأجهزة الإلكترونية سنحتاج إلى مصدر ينتج أزواج من الفوتونات المتشابكة، حيث يتم إرسالُ كل زوجٍ منها إلى زوج من كواشف ضوئية مرتبة بطريقة معينة. فإن تتبعنا وصول الفوتونات إلى كلِ كاشف مع تكرار العملية عدَّة مرات سيصبحُ بمقدورنا معرفة ما إذا كان التشابكُ حدث أم لا (يحرض الفوتون الوارد إلى الكاشف الفوتوني الواحد تياراً انهيارياً Avalanche Current يتم تحويله بعد ذلك إلى إشارةٍ كهربائية تجري معالجتها ثم تخزينها في الحاسوب).
الآن، إن قمنا بنفس التجربة مع استبدال أحد الكواشف الضوئية بعين إنسان سنواجه الكثير من الصعوبات أولها أنَّ البشر لا يتمكنون من رؤية الفوتونات إلاّ عندما تردُ إلى العين بالمئات أو بالآلاف، أي أنَّ العين لا تستطيع أن تكشف فوتوناً واحداً. بمعنى آخر لا يمكننا أن نعدَّ العين من الكواشف الضوئية الجيدة الكفاءة لأنها تُصبح أقل فعالية عند شدّات الضوء المنخفضة (تصل كفاءتها إلى 8%) وتفقدُ الكثير من الفوتونات. وهنا تظهرُ الصعوبة والتي تتمثل في الحاجة إلى خلق مئات وربما آلاف الأزواج المتشابكة من الفوتونات وليس زوجين أو أربعة، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه بالتكنولوجيا الحالية.
إذن، ما الحل؟!
نحن بحاجةٍ لطريقة نتمكن بها من:
1. تضخيم تأثير فوتون واحد مُتشابك بحيث تتمكن العين من رؤية تأثيره.
2. أن تحافظَ في الوقت نفسه على حالة التشابك الكمومي للحزمة الناتجة.
3. أن تتوفر التقنيات اللازمة لإتمامها.
الحيلة التي قام بها فريق فيفولي تعتمد على تداخل جسيمين كموميين بحيث يغير أحدهما طور الجسيم الآخر، وتُدعى هذه التقنية "عملية الازاحة Displacement Operation". تتطلب فكرة الثلاثي "المبتكرة" من الناحية النظرية استخدام فوتون مُتشابك واحد ليتحكم في عبور حزمة شديدة الكثافة من الفوتونات المترابطة من خلال مجزئ للحزمة Beam Splitter بعد تداخله معها. وستحتاج مثل هذه التجربة إلى مجزئ للحزمة وحزمتين من الفوتونات المترابطة إحداهما أساسية وأشدُّ كثافة من الحزمة الثانية الثانوية التي تضم الفوتونات المتشابكة.
Image: http://cdn.phys.org/
عندما نوجِّه الحزمة الأولى إلى المُجزئ فإنها ستنفذ عبره، لكننا قد نتمكن من جعلها تنعكس من خلال تغير طور الحزمة. وهنا تأتي أهمية الحزمة الثانية لكونها قادرة على تغيير طور الحزمة الأولى عندما تتداخل معها فتنعكس دون أن تنفذ ونطلق عليها اسم "الحزمة المبدِّلة"، وهي قادرة على أن تفي بالغرض حتى لو كانت مؤلفة من فوتون مُتشابك واحد.
يتوقع فريق فيفولي أن تواجهم بعض الصعوبات، منها ما يتعلق بكفاءة الكواشف وجودة المضخمات الضوئية أضف إليها الحاجة إلى متطوعٍ في هذه التجربة الذي يجب أن يكون صبوراً. إذ ينبغي على المتطوع أن يتحقق من حصول التشابك وذلك بمشاهدة ما إذا كانت الحزمة ستنفذ وتصل إلى عينه أم لا لكل أزواج الفوتونات المتشابكة ليس لمرة واحدة إنما للآلاف أو عشرات الآلاف من المرات، وذلك لأن التحقق من حدوث التشابك يعتبر أمر إحصائي يتطلب تكرار التجربة عدة مرات. وحتى بدافع الحماس والشغف سيكون من الصعبِ أن نجدَ متطوعين لا يمانعون أن يتشابكوا مع كاشف ضوئي ويريدون فعلاً القيام بالتجربة. فهل سنتمكن على المدى القريب من معرفة هوية أول شخص سيرى التشابك؟
قد يخطرُ ببال بعض الأشخاص الخياليين أن يعدّلوا التجربة في محاولةٍ لشبك شخصين معاً، أي سيحلُّ مكانَ الكاشفين شخصانِ تلعبُ عيني كلٍ منهما دور الكاشف للفوتونات المتشابكة) يُقصد بتشابك كاشفين أنَّه عندما يُسجّل الكاشف الضوئي الأول حالة D(α) للفوتون الأول من الزوج المتشابك سيُسجل حتماً الكاشف الآخر الحالة المعاكسة D(β) للفوتون الآخر والعكس صحيح وهذا ما سيختبره المتطوع بعينه). ونتوقع أن يصبح لدى المتطوعين إجابة قاطعة عن السؤال الذي يُحيِّر الفيزيائيين: "كيف سيبدو الوضع إن تشابكت مع شخصٍ أخر؟"
بالنظر إلى طبيعة التجربة التكرارية التي تتطلّب تكرار العملية آلاف المرات فإن الإجابة هي أن الوضع سيكون ملل لا يطاق. ولكن وفقاً لفيفولي وزملائها فإنَّ تحليل ومعالجة رؤية الإنسان عن طريق الضوء الكمومي أمرٌ غيرُ مألوفٍ على الإطلاق ويشكِّل تحدياً مُلفتاً للنظر.
الآن بعد معرفتكم بوجود تجربة كهذه تنتظر متطوعين ليحسموا النتيجة، فهل أنتم متحمسين لتكونوا أول شخص قد يرى التشابك؟!
المصادر:
هنا
هنا
هنا
من مقالاتنا المرتبطة:
هنا
هنا