هل اكتشفَ العُلماءُ القوّة الأساسيّة الخامِسة في الطّبيعة؟
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
رصدَت تجربةٌ أُجريت في مخبرٍ في هنغاريا شذوذاً في التّفكّك الإشعاعيّ قد يكون إن ثبتَ الاكتشاف دليلاً على وجودِ قوّةٍ أساسيّة خامسة. نُشرت نتائج هذه التّجربة عام 2015 وطرحت فكرةَ وجود بوزونٍ ضوئيٍّ خفيفٍ جديدٍ (أثقلَ من الإلكترونِ بأربعٍ وثلاثين مرّة فقط)، إلا أنّها لم تلق آذاناً صاغيةً حينها.
وفي الخامس والعشرين من نيسان من العامِ الحاليّ لفتت مجموعةٌ من علماءِ الفيزياءِ النّظريّةِ من الولايات المتّحدة الانتباه إلى نتائج التّجربة التي أُجريت آنذاك، وذلك بنشرِ تحليلٍ خاصٍّ بهم لبيانات التّجربة أظهرأنَّ البياناتِ لا تتعارضُ مع أيّةِ تجاربَ سابقةٍ، وخلص إلى أنّها قد تكون بالفعلِ دليلاً على وجود قوّةٍ خامسةٍ.
كان هدف الباحثين الهنغارييّن من التّجربة بدايةً البحثَ عن دليلٍ على وجودِ الفوتونات المظلمةِ ولكنّهم - وفقاً لفريق العلماء من الولايات المتحدة - وجدوا شيئاً آخر.
أُجريت التّجربة كالتّالي: أُطلِقت بروتوناتٌ نحو صفائحَ رقيقةٍ من الليثيوم-7، فنتجت نُوىً من عنصرِ البريليوم-8 غير المستقر، و من ثُمَ تفكّكت هذه النوى وأطلقت أزواجاً من الإلكتروناتِ والبوزيترونات. وفقاً للنّموذج المعياريّ، فإنَّ عددَ أزواجِ الإلكتروناتِ والبوزيتروناتِ المنطلقةِ يتناسبُ عكساً مع الزّاوية بين مسارِ البوزيترون ومسار الإلكترون، ولكن لاحظَ الباحثونَ عند الزّاوية 140o شذوذاً (نتوءاً) في الخطّ البيانيّ الممثّلِ لعددِ الأزواجِ الصّادرةِ بالنّسبة للزّاوية، ثمّ عادَ الخطّ لشكلهِ الطّبيعيّ بعدها. يُشكّلُ هذا النّتوءُ دليلاً قويّاً على أنّ جزءاً صغيراً من نوى البريليوم-8 غيرِ المستقرّةِ تخلّصت من طاقتها الزّائدة على شكلِ جسيمٍ جديدٍ، والّذي تفكّكَ بعدها إلى زوجٍ إلكترون- بوزيترون. قدّرَ الباحثون كتلةَ الجسيمِ بما يُقاربُ 17 ميغا إلكترون فولت ( الإلكترون فولت هي واحدة قياس الطّاقّة في الفيزياء النوّوية نظراً لضخامة واحدة الجول بالنّسبة للجسيمات النّوويّة، كما تُستخدم في لقياسِ كتلةِ الجسيمات في جملةِ واحداتٍ خاصّةٍ ).
يقول الفريقُ الهنغاريّ إنّهُ واثقٌ جدّاً من دقّة نتائج تجربته، إذ أنّه أعادَ الاختبارَ عدّة مرّاتٍ على مدى ثلاثةِ سنواتٍ مستبعداً أيّ مصدرٍ محتملٍ للأخطاءِ يمكن تخيّله، وبفرضِ أنّهم قاموا بهذا بشكلٍ صحيحٍ، فإنَّ احتمالَ أن يكونَ هذا النّتوءُ ناشئاً عن خطأٍ في التّجربةِ هو 1 في ال 200 مليار تقريباً.
وفقاً لفريق العلماءِ من الولاياتِ المتّحدةِ فإنّ هذا الجُسيمَ ذا الكتلةِ الّتي تُقدّرُ ب 17 ميغا إلكترون فولت ليس فوتوناً مُظلماً، فبعد تحليلِ هذا الشّذوذِ والبحثِ عن خصائصَ متوافقةٍ مع نتائجِ تجاربَ سابقةٍ استنتجوا أنَّ هذا الجسيمَ قد يكونُ بوزوناً غامضاً كارهاً للبروتونات يعملُ كحاملِ قوّةٍ قصيرِةِ المدى؛ لا يتعدى مدى تأثيرَها بضعةَ أضعافِ عرضِ نواةِ الذّرّة.
قد يعملُ الفوتونُ المظلمُ (كالفوتونِ التقليديّ) على ربط الإلكتروناتِ بالبروتونات، بينما يعملُ هذا البوزونُ الجديدُ على الرّبطِ بين الإلكتروناتِ والنيوترونات. لا يزالُ فريقُ العلماءِ يتحرّى أنواعاً أخرى من الجسيماتِ الّتي قد تفسّرُ هذا الشّذوذَ، إلّا أنّ البوزون الكارهَ للبروتونات هو الاحتمال الأوضح.
لكنّ عالمَ الفيزياءِ النّظريّة جيسي ثالر" Jesse Thaler" من معهدِ MIT يرى أنَّ هذا الاقتران غير التّقليديّ المُقترحِ من فريقِ العلماء من الولاياتِ المتّحدة يجعلُه مُشكّكاً في وجود هذا الجسيمِ الجديد. لن يُضطرّ الباحثونَ للانتظارِ طويلاً حتّى نتأكّد من وجودِ هذا الجسيمُ أو عدمه، فقد بدأت بالفعلِ عدّةُ تجاربَ للتّحقّقِ من صحّةِ نتائج التّجربة السّابقة، وفي غضون سنةٍ سنتحقّق من وجودِ الجسيم أو عدمه، أو سنضعُ حدوداً صارمةً حول ارتباطهِ بالمادّةِ العاديّة.
يعتقدُ الفيزيائيّ النّظريّ روفين آيزغ "Rouven Essig" من جامعة ستوني برو، نيوورك، أنَّ خصائصَ البوزونِ المفاجئةِ هذه تجعلُ وجودَ مثلَ هذا الجسيمِ أمراً غير متوقعٍ، ولكن سيكونُ من الجنونِ عدمُ إجراءِ التّجاربِ للتّأكّدِ من هذا، فلطالما أدهشتنا الطّبيعة.
المصدر: هنا