ما هو العلم الزائف؟ PseudoScience
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
خبراء الأبراج والتنجيم، مختصو الطب البديل، علماء ما وراء الطبيعة Metaphysics وما وراء علم النفس Parapsychology، دارسو الأطباق الطائرة، والطاقة البشريّة والشاكرات، كثيراً ما نسمع أنّ كلّ من سبق ذكرهم متّهمون بممارسة (العلم الزائف) PseudoScience. ولكن، ما هو العلم الزائف؟ هل هو أحد أنواع العلم؟ هل هو مصدرٌ للثقة؟ أم أنه ليس علماً على الإطلاق؟ ما هو الفرق أساساً بينهما، وكيف نميّز العلم الحقيقي؟
يعرّف العلم الزائف على أنه مجموعةٌ من الأفكار والممارسات التي تدّعي أنها علميّة في حين أنها لم تُبنَ وفق منهجيّة علمية حقيقية.
كما يعرّف على أنه ادّعاء أو معتقد أو ممارسة مضلّلة تمّ تقديمها على أنّها علميّة، غير أنها تفتقر للأدلّة المؤيّدة، لا يمكن اختبارها بشكلٍ موثوق، وتفتقر للاعتراف والمكانة العلميّة، كما تتميّز العلوم الزائفة بأنّها غالباً ما تدّعي ادعاءاتٍ غامضة ومبالغاً بها، وغير قابلةٍ للإثبات، وتعتمد على محاولات الإقناع بدل أن تعتمد على النقد الصّارم والتفنيد، كما أنها لا تنفتح على النقد من قبل الخبراء، إضافةً إلى انعدام العمليّات المنهجيّة اللازمة لتطوير نظريّات عقلانية.
في الواقع، تكمن مشكلة توضيح الحدود الفاصلة بين العلم الزائف والعلم الحقيقيّ في صعوبة وضع تعريف شاملٍ مميزٍ لكلّ منهما، بسبب اتساع مجالاتهما وغموض الفوارق بينها. ولا يمكننا إنكار أنّ مصطلح "العلم الزائف" حجّة قد يستخدمها الكثيرون لوصف ما لا يعجبهم.
كان "كارل بوبر" Karl Popper هو أول من عرّف ما سمّاه "مشكلة تعيين الحدود الفاصلة"، وذلك في سبيل إيجاد المعايير اللازمة للتمييز بين العلوم التجريبية (كالاختبار الناجح لنظرية النسبيّة العامّة لأينشتاين عام 1919) وبين العلم الزائف (كنظريات فرويد، والذي قام أتباعه بالبحث عن أدلّةٍ تؤكّد نظرياته فيما تجاهلوا إيجاد ما ينفيها). كان يمكن أن يتمّ دحض نظرية أينشتاين بفشل تنبؤ واحدٍ من تنبؤاتها، على سبيل المثال لو أنّ كسوف الشمس عام 1919 لم يظهر انحناء ضوء النجوم بنتيجة حقل الجاذبية الشمسي (كما توقعته النظريّة) لاعتبرها العلماء نظريّة خاطئة، أمّا نظريّة فرويد فمن المستحيل دحضها أو نفيها لأنها -ببساطة- غير قابلة أصلا للدحض، وبالتالي؛ وضع بوبر "إمكانية الدحض/ النفي" كمعيارٍ فاصل.
تكمن المشكلة في أن الكثير من العلوم الأخرى غير قابلٍ للدحض، من أمثلتها نظرية الوعي المحيطي في علم الأعصاب، نماذج الاقتصاد الضّخم، نظرية الأوتار الكونية (برأي البعض)، والفرضيّات حول ما يحدث خارج كوكب الأرض، وفي هذا الشأن على سبيل المثال؛ فإننا نفتقر إلى القدرة على البحث عن كلّ كوكبٍ حول كلّ نجمةٍ في كلّ مجرةٍ في هذا الكون! إذن، هل بإمكاننا القول أن لا حياة على أي كوكب سوى الأرض ؟! (أي دحض النظريّة التي تقول باحتمال وجود حياة خارج الأرض).
يقول "مايكل.د.غوردن" Michael D. Gordin من جامعة برنستون في كتابه "حروب العلم الزائف": لم يعرّف أحدٌ عن نفسه في تاريخ هذا العالم بأنه (عالمٌ مزيف)، لا يوجد من يستيقظ صباحاً ليفكر في نفسه: سأتّجه الآن إلى "مخبري المزيف" لأعمل على بعض "التجارب الزائفة" في محاولة لتأكيد "نظريتي الزائفة"..!
في الواقع، بالإمكان وضع معيارٍ عمليّ لحلّ مشكلة الحدود الفاصلة، ألا وهو انعكاس الفائدة الواقعية للفكرة على العلماء: هل تثير هذه الفكرة الجديدة أيّ اهتمامات يمكن للعلماء تبنّيها في مجال عملهم؟ هل تقود لبدء أبحاثٍ جديدة؟ أو اكتشافاتٍ جديدة؟ هل تؤثر على فرضياتٍ أو نماذج أو آراء موجودة؟ إذا كانت الإجابة بـ"لا"، فالاحتمال الأقوى هو أنها مجرّد علمٍ زائف.
كما بالإمكان فصل العلم الحقيقيّ عن العلم الزائف عبر تعريف العلم الحقيقي، وبشكل أفضل عبر تعريف ما يفعله العلماء:
العلم حقيقةً هو مجموعةٌ من الأساليب والطّرق الهادفة لاختبار الفرضيّات وبناء النظريات. فإذا تبنّى المجتمع العلميّ فكرةً جديدةً ولاقت هذه الفكرة انتشاراً (أي تمّ قبولها من المختصّين وفشلت كلّ المحاولات العلميّة لنقدها ودحضها)، وتم استخدامها في بحوثٍ ذات نتاجٍ مفيد، وأدّت إلى بدء بحوثٍ وتحقيقات جديدة؛ فالاحتمال الأقوى هو أنها علمٌ حقيقي.
في الحلقة الثانية من السلسلة، سوف نجيب معاً على التساؤل التالي الذي لا بدّ أنه خطر في أذهانكم: لماذا من المهمّ جداً أن نفصل بين العلم والعلم الزائف؟ ما هي أضرار انتشار العلم الزائف ولماذا لا نترك أولئك المدّعين يتسلّون بتقديم أفكارهم إلى من تعجبه تلك الأفكار؟
المصادر: هنا
هنا
هنا