زراعة بدائية لمواجهة التغيّر المناخي!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> زراعة
ولعلّ الطريقة الغرب افريقية التي تبلغ سنوات عمرها 700 سنة من أهمّ تلك الطرق التقليدية، فلقد حولت الأراضي الاستوائيّة الفقيرة بالمغذيات إلى أراضٍ زراعيّةٍ دائمةِ الخصوبة غنيَّة بالكربون دون الاعتماد على أي نوع من المبيدات والأسمدة الكيماوية، فما هو سر هذه الطريقة؟
في دراسة دولية تابعة لجامعة ساسكس تضم مجموعة من الأنثروبولوجين (علماء الإنسانيات) وعلماء التربة من جامعات أكرا وكورنل وأراهوس ومعهد دراسات التنمية تم تحليل الأتربة الخصبة الغنية بالمغذيات الموجودة في ليبيريا وغانا وذلك لمحاولة دراسة آلية الزراعة البدائية المطبقة في غرب افريقيا.
وقد اكتشف هؤلاء العلماء أن الطريقة الغرب افريقية القائمة على إضافة الفحم ومخلفات الطعام العضوية إلى التربة الإستوائية عالية التجوية وفقيرة المغذيات، قادرة على تحويل الأرض إلى أتربة سوداء دائمة الخصوبة غنية بالكربون مما دعا العلماء لتسميتها "الأراضي السوداء الافريقية".
________
آلية الدراسة
قام العلماء بتحليل 150 موقعاً منتشراً في شمال غرب ليبيريا، و27 موقعاً في غانا ليجدوا أن هذه الأتربة الغنية والخصبة تحتوي على كربونٍ عضويّ بنسبةٍ تزيد عن أيّة تربةٍ أخرى بحوالي 200-300 في المئة، وتحتوي على ما نسبته 2-26 ضعفاً من الكربون البيروجيني* "pyrogenic carbon (PyC)" الذي يتجذر في التربة لوقت أطول مما يزيد خصوبتها على المدى الطويل، كما تتميز هذه التربة الغنية بالمغذيات بدرجة حموضة قليلة فدرجة الأس الهيدروجيني pH لها بين 5.6 و6.4 وهذا ما يوفر فرص أقوى لنمو النبات.
وتحتوي هذه التربة على 5-270 ضعفاً من النتروجين والفوسفور، مما يجعلها قادرة على التكيف مع الزراعة المكثفة، وهو ما يبشّر بفرصة محاكاتها في مناطق أخرى كسمادٍ طبيعيٍّ لسدِّ العجز الغذائيِّ في الدول الافريقية وبالتالي مواجهة التغير المناخي.
ورغم حاجتها للكثير من العمل إلا أنها تُعدّ طريقة بسيطة، فهي مستخدمة منذ آلاف السنين حيث اكتشف العلماء وجودَ أتربة متشابهة أنتجها الأمازونيون في العصور ما قبل الكولومبيّة لكن بتقنيات ما زالت غير معروفة حتى الآن، إضافةً إلى أن هذه الأنشطة التي تقود إلى إنتاج تربة أنثروبولوجية (بشرية المنشأ) قد تعطلت بعد الغزو الأوروبيّ لحوض الأمازون، وهو ما أدى إلى اختفائها.
المشجِّعُ في هذه الدراسة أن الباحثين في غرب افريقيا راقبوا التربة الخصبة أثناء وبعد إنتاجها، مما مكّنهم من تعلم التقنيات التي استخدمتها نساءُ المجتمعات الأصلية، واللواتي تخلّصن من الرّماد والعظام والنفايات العضوية لإنتاج الأراضي السّوداء الافريقية. ويعقب الدكتور دويت سولمون، المؤلّفُ الرئيسُ للدراسة من جامعة كورنل أنه من المدهش رؤية المجتمعات الأصلية التي تعيش في الأمازون وافريقيا رغم بعدها في الزمان والمكان قادرة على تحقيق شيء لم تستطع تحقيقه الإدارة الزراعية العالمية حتى الآن.
ويأمل الباحثون اعتمادَ هذه الاستراتيجية المناسبة على المستوى العالمي لتحسين خصوبة التربة وجعلها مكوناً رئيسياً في تحقيق الأمن الغذائي افريقيّاً ومواجهة التغير المناخي عالمياً.
لو كنت صاحب قرار فهل ستشجع تطبيق طريقة أجدادنا على مستوى أعم ليشمل زراعات البلد الذي تعيش فيه أم ستفضل اتباع الطرق الحديثة التي تتمحور حول إضافة الكيماويات دون هوادة لإنتاج يسدّ حاجة المجتمع؟!
الهوامش:
(*) الكربون البيروجيني pyrogenic carbon (PyC): وهو عبارة عن مواد كهباب الفحم والفحم والكربون الأسود والفحم الحيوي، وينتج عن الاحتراق غير الكامل للكتلة الحيوية المتبقية من المواد العضوية واستهلاك الوقود الأحفوري. مزيد من المعلومات مشروحةٌ هنا
المصادر:
University of Sussex.2016. 700-year-old West African soil technique could help mitigate climate change.16 June. Science daily {accessed 17 June 2016} هنا
Solomon, Dawit. Lehmann, Johannes. A Fraser, James. Leach, Melissa. Amanor, Kojo. Frausin, Victoria. M Kristiansen, S?ren. Millimouno, Dominique. Fairhead, James. Indigenous African soil enrichment as a climate-smart sustainable agriculture alternative. Frontiers in Ecology and the Environment, 2016; 14 (2): 71 هنا