نُشرت دراسةٌ جديدةٌ في المجلة الدولية لعلومِ الأوبئة في 26 أيار الماضي، تناولَ فيها باحثونَ إيطاليون تأثيراتِ العيش بالقرب من مكبّات النفايات على صحّة البشر، بما في ذلك التعرُّضُ للهواء الملوَّث المنبعِثِ من محطّات معالجةِ النفايات، إذْ يكونُ الهواءُ الذي يتنفّسُهُ القاطنون بالقرب من مكبّاتِ النفايات مُلوَّثاً بغازاتٍ مثلِ الميتان وثنائي أوكسيد الكربون وكبريت الهيدروجين، وغيرها من الملوِّثات التي تتضمّنُ المركباتِ العضويةَ المتطايرةَ والجسيماتِ الناعمة والإيروزولاتِ العضوية (الجسيمات المعلّقة في الهواء)، هذا ويعاني البشرُ أيضاً من تلوّث التربةِ والمياه في المنطقة القريبة من المكبّ. ركّزت الدراسةُ على 9 مطامرَ للنفاياتِ البلديّة في منطقة لاتسيو والمُقامَةِ فيها منذ عدّة عقود، وفي العقدَين الأخيرَين فقط؛ تمَّ بناءُ سقفٍ للمكبات وإضافةُ تجهيزاتٍ لجمع الرُّشَاحة ومعالجتِها، وتجهيزاتٍ أخرى لجمع غازِ الميتان ومعالجتِه. شَملتِ الدراسة مجموعةً يزيد عدد أشخاصها عن الـ 242 ألف شخص يعيشون على بُعدِ 5 كيلومترات من المطامر، وتتضمّنُ هذه المجموعةُ الأشخاصَ الذين كانوا مقيمينَ بالأصل في المنطقة منذ كانون الثاني لعام 1996، والأشخاصَ الذين انتقلوا لاحقاً إلى المنطقة حتى عام 2008. كما وتابعتِ الدراسة معدّل الوفيّات والحالات المَرَضيّةَ التي كانت تُعالَج في المشافي حتى عام 2012.
أظهرت نتائجُ الدراسةِ ارتباطاً وثيقاً بين التعرُّضِ لغاز كبريت الهيدروجين وحالاتِ الموت الناتجةِ عن سرطان الرئة بالإضافةِ إلى حالاتِ الوفاة الناتجةِ عن الأمراض التنفُّسيّة، وكان الأطفال حتى عمر 14 عاماً هم الأكثرَ تأثُّراً، إذ عانوا من التهاباتٍ حادّةٍ في الجهاز التنفُّسي. وقد اعتُمِدَ غازُ كبريت الهيدروجين كعنصرٍ كاشفٍ في الدراسة ونابَ عن كلّ الملوثات الثانويةِ التي تنبعثُ من مكبّات النفايات، وتمَّ التنبؤُ بتراكيزِ ملوثاتِ الهواء الناتجةِ عن المكبات باستخدام نموذج تشتُّت لاغرانج. وكانَ متوسّط مستويات التعرّض السنوية لغاز كبريت الهيدروجين6.3 نانوغرام/ م2، مقارنةً مع الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مكبّات النفايات الأكبر في روما حيث بلغ متوسّط مستويات تعرّضهم 45 نانوغرام/ م2، وفي نهاية فترة المتابعة بلغَ عدد حالات الوفاة 18609 حالة.

إنَّ الدلائلَ على المخاطر الصحيّة للعيشِ بالقربِ من مكبّات النفايات مازالتْ مثيرةً للجدل، حيث أنَّ معظمَ الدراسات المنشورةِ التي تناولت هذا الموضوعَ كانت قد ركّزت على البياناتِ الصحيّةِ الكليّةِ ولمْ تَأخذْ بالاعتبار الحالةَ الاقتصادية والاجتماعية للأفراد، أمّا هذه الدراسة فقد استَخدمت منهجيّةً متكامِلة تمثّلت بمعرفة مستوى التعرُّض لعوامل الخطر لعدّةِ مجموعاتٍ سكنيّةٍ محيطةٍ بمحطّات معالجة النفايات وبمواقع التخلّص منها إضافةً إلى مزيجٍ من المعلومات البيئيّة والصحيّة في محاولةٍ لتخطّي هذا العائق.
كانت الأعراضُ التنفسيّةُ التي تمَّ رصدُها بين الأشخاص المقيمينَ بالقرب من مواقعِ التخلُّص من النفايات؛ مرتبطةً باستنشاق السموم داخليّةِ المنشأ* والكائناتِ الحيّة الدقيقة والإيروزولاتِ الناتجةِ عن جمع النفايات وطمرها. هذه النتائجُ تتّفقُ مع نتائج دراساتٍ أخرى تطرّقت لهذا الموضوع، ولكنَّ الجديد هنا هو اكتشافُ الارتباطِ بين العيشِ بالقربِ من مكبّات النفايات وحالاتِ الإصابةِ بسرطان الرئة، هذا ويصرُّ الباحثونَ على الحاجة إلى إجراءِ المزيدِ من الدراسات لتأكيدِ هذه النتائج.

يرغب الجميع بالعيش في المدن حيث الجامعات ولمدارس ومقار العمل والتسوق وتشكل المدن ذاتها بؤرةً للتلوث بكافة أشكاله، الأمر الذي يترتب عليه اضطرار البعض للعيش قرب مكاب النفايات. ما الذي يمكن أن تقترحه للتخلص من هذه المشكلة بعد أن عرفت وبالها على صحة وحياة الأفراد؟

هامش المصطلحات:

(*)السموم داخلية المنشأ endotoxin: هي السموم التي تتشكلُ داخلَ الخلايا البكتيرية، وتتحررُ إلى الوسط المحيط عندما تموت تلك الخلايا وتتفكك. في بعض الأحيان؛ تكون هذه السموم مسؤولةً عن الأعراض المميزة للأمراض، كما في حالات التسمم الغذائي.

المصادر:

1- Francesca Mataloni1,*, Chiara Badaloni1, Martina Nicole Golini1, Andrea Bolignano2, Simone Bucci1, Roberto Sozzi2, Francesco Forastiere1, Marina Davoli1 and Carla Ancona1 Morbidity and mortality of people who live close to municipal waste landfills: a multisite cohort study; the International Journal of Epidemiology; First published online: May 24, 2016 هنا

2- Ancona C1, Mataloni F, Badaloni C, Bolignano A, Bucci S, Davoli M, Golini MN, Narduzzi S, Sozzi R, Forastiere F. [Residential cohort approach in industrial contaminated sites: the ERAS Lazio project]. 2014 Mar-Apr;38(2 Suppl 1):158-61. هنا

3- Oxford University Press. "Living near a landfill could damage your health." ScienceDaily. ScienceDaily, 24 May 2016. هنا