العين (الجزء الثاني)
الطب >>>> كيف يعمل جسم الإنسان؟
المرضُ الذي سنتحدَّثُ عنه هو الزَرَق Glaucoma، وكي نفهمَ الآليةَ المرضيةَ هنا، يجبُ أنْ نفهمَ الحالةَ الطبيعية أوَّلاً:
يُفرِز نسيجٌ وعائي (والنسيجُ هو مجموعةٌ من الخلايا والموادِ بين الخلوية) الخَلْطَ المائيَّ الذي تعرَّفنا عليه في الجزءِ الأوّل من المقال، وفي المقابلِ يُصرَّف هذا السائلُ عن طريقِ مجموعةٍ من القنواتِ بين القزحية والقرنية تدعى شبكة التَرَابيق. وتحدُث المشكلةُ عندما يتجاوزُ الإفرازُ التصريفَ (أي عندما تتجاوزُ كميةُ الخَلْطِ المائي المفرز، الكميةَ المُصَرَّفةَ) ما يؤدي إلى ازديادِ الضَّغطِ داخلَ العين، وللأسفِ، فإنَّ هذه الحالةَ المرضيةَ هي من أهمِّ مُسبِّباتِ العمى.
والزَرَقُ، مرضٌ له أنواعٌ عديدة، لن نستطيعَ تغطيتها كلَّها في هذا المقام، ولذلك يُمكن الاستزادة من هذا المقال:
هنا
Image: https://pbs.twimg.com
الرؤيةُ بالنسبةِ لمريضٍ مُصابٍ بالّزرَق
ماذا يحدُثُ في الشبكية؟
نعودُ الآن إلى أصدقائِنا الفوتونات، الذين يُشكّلون صورةً للأجسام الموجودة حولنا والذين يسقطونَ على الشبكيةِ لتحوِّلَ بدورِها هذا التنبيهَ الضوئيَ إلى إشارةٍ يفهمُها الدّماغ. كيفَ يتحوَّلُ هذا التنبيهُ الضوئيُّ إلى إشارةٍ عصبيّة؟ لا بدَّ أنْ تكونَ عمليةً معقدةً إلى حدٍّ ما، ولا بدَّ أنَّ دراستَها مُشوقةٌ أيضاً، لنا أنْ نتخيلَ أنَّ العينَ قادرةٌ على التقاطِ الفوتوناتِ القادمةِ من لهبِ شمعةٍ على بعد 48 كيلومتراً في مكانٍ مظلمٍ تماماً؛ وستكون الآليةُ التي تسمحُ بهذا الأمر، هي ما سنناقُشه في هذا المقال.
تتألَّفُ الشبكيةُ بشكلٍ رئيس من ثلاثِ طبقاتٍ خَلَوية، هي طبقةُ العُصِيّ والمَخاريط، وهي الطبقةُ الحسَّاسةُ للضوء، وطبقةُ الخلايا العقديةِ التي تشكِّلُ محاويرُها*** أليافَ العصبِ البصري، وطبقةٌ متوسّطةٌ تصِلُ بين الطبقتين سابقتَي الذِكر وتُسمَّى طبقةَ الخلايا ثنائيةِ القطب.
قد يبدو للوهلةِ الأولى، أنَّ الفوتوناتِ ستسقُطُ على العُصي والمخاريط، التي ترسِلُ بدورها إشاراتٍ كيميائيةً إلى الطبقةِ ثنائيةِ القطبِ فطبقةِ الخلايا العُقَديةِ ومن ثمَّ الدّماغ. حسناً، ليس الأمرُ كذلك! فلننظرْ إلى الصورة التالية:
الطبقات النسيجية لشبكية العين، الضوء قادمٌ من اليمين، والطبقات من اليمين إلى اليسار هي: طبقة الخلايا العُقدية، طبقة الخلايا ثنائية القطب، وعلى اليسار طبقة الخلايا الحساسة للضوء المؤلفة من العصي (خلايا طويلة) والمخاريط (خلايا قصيرة)، وفي أقصى اليسار المشيمة choroid المسؤولة عن توفير التروية (التغذية) الدموية للشبكية (ولا علاقة لها طبعاً بالمشيمة التي يرتبط بها الجنين في رحم أمه).
Image: Vander’s Human Physiology
كما هو واضحٌ من الرسم السَّابقِ، فإنَّ بنيةَ الشبكيةِ معكوسةٌ، إذ يمرُّ الضوءُ أولاً عبرَ الخلايا العُقديةِ وأخيراً على الخلايا الحسَّاسةِ للضوء، ونلاحظُ أيضاً أنَّ محاويرَ الخلايا العقديةِ يَجبُ أن تتجهَ من اليمينِ إلى اليسار كي تذهبَ إلى الدماغِ وهذا يفرِض وجودَ منطقةٍ لا توجدُ فيها خلايا أخرى نُسميها "النقطة العمياء" blind spot وسُميت بذلك لأنَّ الضوءَ الذي يسقطُ عليها لن يجدَ خلايا حساسةً للضوءِ كي يُنبِّهَها، لكن في المقابل، هناك الـ "اللُّطخة الصَّفراء" macula lutea التي تحوي كميةً كبيرةً من الخلايا الحساسةِ للضوءِ ولا تحوي تقريباً أوعيةً دمويةً وفي هذه اللطخةِ تكونُ حدةُ البصرِ أعظمية.
تتألَّفُ الطبقةُ الحساسةُ للضوءِ كما قلنا من نوعين من الخلايا هما: العُصي، وهي خلايا حساسةٌ جداً للضوء، أي أنَّ الضوءَ الضعيفَ قادرٌ على تنبيهِها، وبعبارةٍ أخرى، يُمكنُها العملُ في الظلام؛ وتملِكُ هذه الخلايا صباغاً اسمُه الرودوبسين Rhodopsin. وفي المقابلِ، تملكُ المخاريطُ أصبغةً تُسمَّى color pigments وهي ذاتُ بنيةٍ مشابهةٍ للرودوبسين إلى حدٍّ كبيرٍ، ولها ثلاثةُ أنواعٍ، كلُّ نوعٍ حسَّاسٌ لمجالٍ معيَّنٍ من الطيفِ المَرئي، وهي أصبغةٌ للأخضرِ والأحمرِ والأزرق؛ لكنَّ المخاريطَ غيرُ حساسةٍ للضوءِ بشدةٍ كالعصي، أي أنَّها لا تعملُ جيداً إلَّا في النهارِ، لكنَّ ما يجعلُها مفيدةً لنا هي أنَّها قادرةٌ على تمييزِ الألوان، فرَغمَ كفاءةِ عملِ العُصي في الضَّوءِ الضَّعيفِ فإنَّها لا تستطيعُ تمييزَ الأطوالِ الموجيةِ المُختلفةِ على نحوٍ جيد.
تتألَّفُ الأصبغةُ الحساسةُ للضوءِ سواءٌ في العصي أم المخاريط من جزأين أساسيين، هما الأوبسين opsin والـ chromophore وهذا الأخيرُ مشتقٌ من فيتامين A (وأشيعُ الأغذيةِ التي تحتويه هي الجزر)، وهذا ما يُفسِّرُ أهميةَ هذا الفيتامين في الرؤيةِ ويُفسِّر في الوقتِ نفسِه اضطراباتِ الرؤيةِ المُترافقةِ مع نَقصِه التي تُعرفُ بالعَشى الليلي Night Blindness وله اسمٌ آخرُ طبيٌّ هو nyctalopia.
وقد تحدَّثنا عن نقصِ فيتامين A بإسهابٍ في مقالٍ منفصلٍ، لمن أحبَّ أنْ يستزيد:
هنا
لكنْ إذا كان هناك ثلاثُ أصبغةٍ بثلاثةِ ألوان (الصباغُ الأحمرُ للونِ الأحمرِ وهكذا) فكيفَ ندرِك هذا الطيفَ الواسعَ من الألوانِ حولنا؟ هذا ما سنتحدَّثُ عنه في الجزءِ الأخيرِ من مقالِنا بالإضافةِ للشرحِ المُسهِب لكيفيةِ عملِ الخلايا الحسَّاسة للضوء.
المصادر:
Vander’s Human Physiology، The Mechanism of Body Function، 13th edition، Eric P. Widmaier and others، P207-217
Guyton and Hall Textbook of Medical Physiology، 12th edition، P597-632
Langman’s Medical Embryology، 12th، T.W. Sadler، P329
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا