هل هاتفك الذكي ذكيٌّ مع نطافك أيضًا؟
التوعية الجنسية >>>> الحياة والحقوق الجنسية والجندرية
قد يكون الجوابُ على مثل هذه الأسئلة بديهياً مع امتلاك ما يقارب الـ 6.9 مليارَ شخصٍ في أنحاء العالم العالم هاتفاً خلوياً في يومنا هذا؛ إذ حلَّ هذا الأخيرُ بديلاً عن الحواسيب في العديد من المجالات لسهولة استعماله من جهة، وصغر حجمه من جهة أخرى. في المقابل، ترافق هذا التقدمُ التقني الكبير مع زيادةِ التعرض للأمواج الكهرومغناطيسية المُنبعِثة من مثل هذه الأجهزة دون الاكتراث بتأثيراتها الضارة على الدماغ والجهاز القلبي الوعائي وحتى على الجهاز التناسلي الذكري.
الهواتفُ الذكية أجهزةٌ قادرةٌ على بثِّ أمواجٍ كهرومغناطيسية تُنقلُ من خلالها إشارات معينة إلى محطات الاستقبال والهوائيات. وعلى الرغم من أنَّ طاقةَ هذه الأمواج ضعيفةٌ (بين 800 إلى 2200 ميغا هرتز) إلى أن الخطر يبقى مُهدِّداً لصحة مستخدمِها نظراً لأن أجسامنا تعملُ كأجهزة هوائيَّة تمتصُ هذه الأمواج، فتؤثر بآليتين:
1. آلية حرارية:
ترتفع درجةُ حرارةِ الأنسجة نتيجةَ تعرضها للأمواج الكهرومغناطيسية ما قد يسبب ضرراً في وظيفة النسيج وتطوره، ويختلف هذا التأثير بين نسيج وآخر حسب درجة تحمله للحرارة؛ إذ تُعدُّ العينُ والخصيةُ من أضعفِ الأعضاء تحملاً للحرارة نظراً لقدرتها المحدودة على تبديدها، إضافة إلى حساسيتهما العالية لتغيرات درجات الحرارة . لكن وكما ذكرنا سابقاً فإنَّ طاقة هذه الأمواج أضعف من أن تسبب تغيرات كبيرة في درجة حرارة الأنسجة، ويقتصر تأثيرها على تغيرات طفيفة فيها.
2. آلية كهرومغناطيسية :
عن طريقِ توليد حقولٍ كهربائية إضافةً إلى حقول مغناطيسية "وهي الأخطر"، التي تنسلُّ إلى داخل الجسم البشري مُحرضةً فيه تكوين تيارات متناوبة تكمن وراء الغالبية العظمى من العواقب البيولوجية الناتجة عن استخدام الهواتف الذكية.
تُحرِّضُ الأمواج الكهرومغناطيسية تبدلات عديدة في الآليات تحت الخلوية والخلوية، ومنها إحداثُها لتغيُّر في كمون الغشاء الخلوي، وهروب الكالسيوم ونضوبه "انتهائه" من الخلايا. وتحرض الأمواجُ الكهرومغناطيسية على إنتاج أنواعِ الأكسجين التفاعلية "ROS" وهي مركبات تُعرَف بتأثيراتها المخرِّبة لبنية الخلية. تبطئ الـ ROS كلاً من بروتينات الصدمة الحرارية (التي تُنتَج أيضاً في هذا السياق) وتؤثر في استقلاب النطاف، وتضعف الحاجز الدموي الخصيوي، وتشارك سلباً في عملية التخلص من النطاف العاطلة والمشوهة.
Image: Ebrahim Wakim
أجريت دراساتٌ عديدةٌ ومتنوعةٌ حول العالم للتحقق من هذه التأثيرات السلبية لأشعة الهواتف الذكية على معدل الخصوبة، ونشر المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة "NIH" إحداها في 17 نيسان عام 2014؛ إذ اختبر فيها 32 رجلاً سليماً (ذوي سائل منوي طبيعي) للدراسة، تتراوح أعمارهم بين (27.5 +/- 3.5 سنة). قبل جمع عينات السائل المنوي، طُلِب من المشاركين تجنبُ حملِ الهواتف الذكية في جيوب سراويلهم مدة شهرين وتجنب ممارسة الجنس مدة 3-4 أيام، قُسِّمت كل عينة منها إلى مجموعتين متساويتين A وB ووُضِعت المجموعة A في ناظم حرارة مدة 5 ساعات والمجموعة B في ناظم حرارة آخر للمدة نفسها مع وجود هاتف خلوي (بوضع الإيقاف المؤقت standby مع إجراء مكالمة صوتية كل 10 دقائق) على بعد 5 سم منه، تمت المحافظة على مجال الأشعة الصادرة منه بين (900 – 1800 ميغا هرتز) "التردد المعياري" .
أظهرت النتائج مايلي :
1- عند تعداد النطاف فلم يظهر فرقٌ إحصائيٌّ كبيرٌ بين المجموعتين A وB.
2- عدد النطاف الميتة فلم يُظهر فرقاً إحصائياً كبيراً أيضاً بينهما.
Image: ncbi.nlm.nih.gov
قسِّمت النطاف حسب فعاليتها إلى ثلاث مجموعات:
a) نطاف فعاَّلة حركياً (spermatozoa with progressive movement "PM")
b) نطاف غير فعالة حركياً (spermatozoa with non-progressive movement "IM")
c) نطاف عديمة الحركة (motionless sperm "NM").
وبناء عليه لوحظت النسب الموضحة في الجدول أدناه :
Image: ncbi.nlm.nih.gov
من هنا نجد انخفاضَ عدد النطافِ الفعالة حركياً وغير الفعالة حركياً في المجموعة B، مع عدم وجود اختلاف بين المجموعتين A وB في عدد النطاف عديمة الحركة.
أما عند حدوث تجزئة للـ DNA (DNA fragmentation) داخل النواة (والذي يؤثر سلباً في عمر النطفة وحيويتها) فأُخِذت عينة كل ساعة من كلِّ مجموعةٍ ابتداءً من لحظة بدء حضن العينات، ثم مقارنة النتائج فظهرت كما يأتي :
Image: ncbi.nlm.nih.gov
ومن هذا المخطط نجد كيف يزداد تواتر أذية الـ DNA مع زيادة التعرض، مع حدوث معظم الأذيات أول ساعتين من التعرض.
وفي دراسةٍ أخرى أُجريت على 304 رجالاً ممن خضعوا سابقاً لمعالجة العقم الزوجي، قُسِّموا إلى ثلاث مجموعات:
• مجموعة A: تضمنت 99 رجلاً لا يستخدمون الهواتف الخلوية.
• مجموعة B: تضمنت 157 رجلاً استخدموا أجهزة اتصال خلوية لمدة 1-2 سنة على نحو متقطع.
• مجموعة C: تضمنت 48 رجلاً استخدموا أجهزة الاتصال الخلوية مدة تزيد عن السنتين على نحو منتظم.
وبتحليل النتائج لوحظت زيادةُ نسبة النطاف المشوهة شكلياً مع زيادة مدة التعرض للأشعة المنبعثة من مثل هذه الأجهزة، أُكِّد على وجود ترابطٍ بين انخفاضِ نسبة الخلايا المنوية الحيويةِ الفعالة حركياً وبين زيادةِ تواترِ استخدام الأجهزة الخلوية.
هو جهازٌ يجعل العالمَ بأسره بين يديك من اتصالاتٍ ورسائلَ قصيرة وألعاب لا تحصى، هاتفٌ "ذكي"؟ بالطبع هو كذلك، ولكن ذلك لا يمنع وجود تأثيراتٍ سلبيةٍ يمكن أن يحملها إدمان استخدامه، ومنها تلك التي استعرضناها في هذا المقال.
ونصيحتنا لكم جميعاً في الختام؛ تمتع بالكثير من الحكمة والذكاء عند استخدام هاتفك الذكي!.
*بروتينات الصدمة الحرارية: بروتينات داخل خلوية تُنتج في حالات الشدة الفيزيولوجية كما في تبدلات درجة حرارة الجسم، تعمل على استتباب غيرها من البروتينات الخلوية مع تعديل الاستقلاب الخلوي للتكيف مع حالة الشدة التي يواجهها.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا