التّخاطر الكموميّ يدخل الواقع
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
فقد استطاعَ فريقان مُنفَصِلانِ مِن العُلماءِ في كلٍّ من كندا والصين، نقلَ معلوماتٍ كميّة عبرَ شبكةٍ من الأليافِ البصرية لبضعةِ كيلومترات، اعتمادًا على خاصيّةِ التّشابكِ الكموميِّ أو كما سمَاهُ آينشتاين " التأثير الشبحي عن بُعد". التخاطُر الكمّي Quantum teleportation هو ظاهرةٌ كمومية، يحدُثُ فيها أن تنتقل الحالةُ الكميّة لِجُسيمٍ ما إلى جُسيمٍ آخر بعيد من دونِ أي اتصالٍ فيزيائيٍّ بينهما. تعتَمِدُ هذه الظاهرة على خاصيّةٍ كميّة تُسمّى التَشابُك Quantum Entanglement، والّتي تجعَلُ قياسَ حالةِ جُسيمٍ ما يؤثِرُ مُباشرةً على حالة شريكهِ المتشابك معه، بِغضِ النَظر عَن المَسافَة بَينَهُما.
بدا ذلكَ سخيفاً بالنّسبةِ لأينشتاين لأنَّهُ يعني أنّ المعلوماتِ ستنتقلُ بسرعةٍ أكبرَ من سُرعةِ الضّوءِ، الأمرُ الّذي اعتبرهُ شيئاً مستحيلاً. ولكنَّ العديدَ من التّجاربِ أظهرت أنَّ التّشابكَ موجودٌ فعلاً، لكنّ التّحدّيَ يكمنُ في القدرةِ على الاستفادةِ منه.
من المخبر إلى أرض الواقع
نظريًا، هناك طريقةٌ واحِدة للقيامِ بالتخاطُر الكمّي تَتَضمَنُ ثلاثة أطراف، سنسميها مجازيًا، أليس، بوب وتشارلي. فمِن أجلِ أن تتمكّن أليس من تبادُلِ المعلومات مع بوب، يجبُ أن يُساعدهما تشارلي ليتمَكنا من التخاطُر.
بدايةً تُرسِلُ أليس الجُسيمات (A) لتشارلي. وفي نفس الوقت، يقومُ بوب بتشكيلِ زوجٍ مِنَ الجُسيماتِ المُتشابِكة (B & C)، يحتَفِظ بالجُسيم C ويُرسِلُ B لتشارلي. يتلقى تشارلي كُلً مِن A و B، ويقومُ بقياس الجُسيمات الّتي يَستَحيل مَعرِفَة أي منها أرسلتها أليس وأيّ منها أرسلها بوب. تؤدي هذه العَمليّة الّتي تُعرفُ باسم "قياس حالة بيل " Bell state measurement إلى نقل الحالة الكمومية للجسيم A الموجود مع تشارلي إلى الجُسيم C الموجود مع بوب.
قطع مسافات أبعد
استطاعَت بعضُ التّجاربِ المخبريّةِ السّابقةِ نقلَ المعلوماتِ عبر التّشابكِ الكموميِّ، وفي عام 1997 لم تتعدى المسافةُ المقطوعة بضعة عشرات السنتيمترات. فإذا حددنا مسافة التخاطُر على أنها المسافة بينَ تشارلي وبوب، فإنَ أطولَ مسافةٍ حتى وقتٍ قريب لم تتعدى 800 متر، لأن عمليّة قياس حالة بيل الكميّة، تُصبِحُ أصعَب كُلما سافرت الفوتونات مسافةً أكبر.
وفي عام 2012، حقَقَت مجموعةٌ مِن جامِعَة فيينا تخاطُرً كموميًا بين أليس وبوب، امتَدَ لمسافةِ نحو 143 كيلومترٍ من الأراضي الخالية بينَ اثنتينِ مِن جُزُرِ الكناري. لكن بالرغم من عظمةِ هذا الإنجاز فإن تطبيقه على أرضِ الوَاقِع داخِل المَدينة شكّلَ تحديًا كبيرًا. فالحُصولُ على مساحَةٍ حُرة من الأراضي هو أمرٌ صعب، ومن ناحيةٍ أُخرى فإنهُ بإمكانِ أيِّ عاملٍ خارجيّ أن يؤثّر على الحالات الكميّة الحساسة.
قامَ الفريقُ الكنديّ التابع لجامعة Calgary في كندا بإطالة المسافة بين شارلي وبوب لِتبلُغَ نَحوَ 6 كيلومترات، وقاموا بنقل الحالات الكمومية عبر شبكةٍ من الألياف البصرية التابعة للجامعة، لكنها لا تُستخدم للاتصالات العادية. في حين قام الفريق الصينيّ التابع لجامعة العلوم والتكنولوجيا بإطالةِ المسافة أيضًا بين بوب وشارلي لكن مع اختلافٍ بسيط هو أن شارلي المُفترض أن يكون في المُنتصف هو الّذي يُشكّل زوجًا من الفوتونات المُتشابكة، ثُمَ يُرسلُ واحدًا منها إلى بوب.
لم يكن باستطاعةِ التّجربتين نقلَ كميّةِ معلوماتٍ كبيرة. كانتِ التّجربةُ الّتي تجري في كندا هي الأسرعَ، وقد استطاعت توظيفَ 17 فوتون في الدّقيقةِ فقط، بينما استطاعتِ التّجربةُ في الصّين أن تحدّدَ حالةَ الفوتونات بدقّةٍ أكبرَ، وقد نجحت تجربة كندا لمدّةِ 25% من الوقتِ في حين نجحتِ التّجربةُ في الصين لمدةِ 50% من الوقتِ؛ وذلك لاحتوائِها خُطواتٍ إضافيَّةً على الرغمِ من أنَّها تستغرقُ وقتاً أطولَ. نظراً لامتلاكِ التّجربتينِ لنقاطِ قوّةٍ ملموسةٍ فسيشكّلانِ أساساً لأبحاثٍ قادمة.
وعلى الرُّغم من قدرةِ الفريقينِ على استخدامِ البنيةِ التّحتيَّةِ للاتّصالاتِ الموجودةِ أصلاً لإنجازِ عملٍ أُنجِزَ سابقاً في المختبرِ فقط، إلا أنّها خُطوةٌ كبيرةٌ إلى الأمام، فقد أرسلَ الفريقُ في كندا الفوتونَ على مسافةِ أربعةِ أميالٍ في حين امتدّتِ المسافةُ لدى الفريقِ في الصينِ إلى تسعةِ أميال.
شكلّت قابليةُ الأليافِ الضّوئيّةِ للتمدّدِ والانثناءِ نتيجةَ تغيّرِ الحرارةِ واحدةً من أكبرِ العقباتِ التي وجبَ على الفريقين تجاوزها، ففي حينِ أنَّ ذلكَ لا يؤثّرُ على الاتّصالاتِ العاديَّةِ، فإنّه يؤثّر على الاتّصالاتِ الكموميةِ. إذ يَجِبُ على الفوتونِ المُرسَلِ أن يصلَ في الوقتِ نفسِهِ. استخدمَ كلا الفريقينِ بياناتٍ مدخلةٍ معقّدةً إضافيّةً لتأكيدِ وصولِ الفوتونات في نفسِ الوقتِ الذي أُرسلَت فيهِ.
قد تُمكننا إعداداتُ شبكة الفريق الصينيّ من تأسيس شبكة نوعيَة داخِل المدينة، تتألف من مجموعاتٍ عديدة من (أليس، شارلي، و بوب) الّتي يَربطها جميعًا جِهازُ حاسبٍ كمّي مركزي. في حين يُجادلُ الفريق الكندي بأن نُسختهُ من التجربة ستُمكِنُنا من إنشاء شبكات اتصالات كموميّة تمتَدُ بينَ المُدن.
ذلك لأنَ إعدادات شبكةِ الفريق الكنديّ تسمحُ بإنشاءِ مُكرراتٍ، تنقُلُ الإشارة الكمومية لمسافاتٍ أبعد. لنفترض أن المسافةَ بينَ أليس وبوب هي 100 كيلو متر، وكان بوب على يمين أليس. فإذا قام كل منهما بإنشاء زوجٍ مِنَ الجُسيماتِ المُتشابكة، ومن ثمَ قام كل منهما بالحِفاظِ على إحدى الجُسيمات وإرسال الأخرى إلى تشارلي، الذي هو في منتصف الطريق بينهما. فإنَ تشارلي سيقومُ بِقياس بيل لحالة الجُسيمين، ومن ثم مُشابكة الجُسيمات الّتي لا تزال مع أليس وبوب.
الآن دعنا نفترض أن بوب كرّرَ هذهِ العَمليّة مع ديزي، الّتي تَبعُد 100 كيلومترا (مع وجود تشارلي آخر بينهما). في هذه المرحلة،يمتلكُ بوب جُسيمين ، أحدهما متشابك مَع أليس والآخر مع ديزي. فإذا قام بوب الآن بقياس حالةِ بيل لهذين الجُسيمين، فإنهُ سيتمكنُ من مُشابكةِ أليس مع ديزي ليَمتَدَ التخاطُر الكمّي مسافة 200 كيلومتر جديدة.
المصدر: هنا
للمزيد حول التشابك الكميّ هنا