سيرين حمشو: زوجة وأم سورية ومخترعة عالمية
المكتب الإعلامي >>>> مقابلات
تعود أصول سيرين حمشو إلى مدينة حماة، فهي ابنة المخترع السوري عمر حمشو، وقد حصلت على شهادة هندسة الاتصالات الإلكترونية من جامعة القلمون، وتخرجت منها في أربع سنوات، مستفيدة من نظام الساعات المعتمدة ونظام الفصول الصيفية.
في مقابلة حصرية مع الفريق التابع لمبادرة الباحثون السوريون، كان لنا مع سيرين حمشو الحوار التالي:
بداية نود أن نشكرك على المقابلة هذه معنا، لنتحدث بداية عن شخصك الكريم وكيف بدأت مسيرتك المهنية والاحترافية بداية من سوريا، ما هو السبب الحقيقي خلف توجهك نحو المجال الهندسي وهل كانت الهندسة توجّه مهني والشريعة توجه شخصي؟
نعم كانت البداية من سوريا حيث درست هندسة الإتصالات والإلكترون في جامعة القلمون الخاصة ثم عملت بعدها لفترة في المجمّع العلمي الإلكتروني الذي أسّسه والدي ثم انتقلت للعيش في فرنسا، هناك تحوّلتُ لدراسة الطاقة المتجددة وحصلت على درجة الماجستير من جامعة فيرساي، كان أول مشروع عملت عليه هو مشروع دراسة استراتيجية لتحويل محطة قطارات فيرساي شانتيه الشهيرة لمحطة تعمل على الطاقة المستدامة بنسبة 100% بحلول عام 2025، المشروع كان بمشاركة عدة مهندسين مختصين وطلاب هندسة من كافة الإختصاصات تحت اشراف بلدية مدينة فيرساي، والتي وافقت على المشروع وبدأت بتنفيذه منذ ذلك الوقت، عملت بعدها في شركة جينيرال إليكتريك في مدينة بوك Buc الفرنسية كمديرة اقليمية لتدوير أجهزة الـx-ray الطبية في منطقة أوروبا والشرق الأوسط ثم انتقلت بعدها إلى الولايات الأمريكية لأعمل ضمن فريق هندسة الطاقة المتجددة في مجال طاقة الرياح.
كان هناك عدة عوامل وراء دخول مجال الهندسة يمكن أن تختصر بمعادلة "رفق" (الرغبة والفرصة والقدرة) بالإضافة إلى الشغف، إذ لا يستطيع أي شخص أن يبدع في أي مجال إذا ما غاب عنصر الشغف. وكوني نشأت في بيئة علمية ودينية كان لذلك أثر كبير في توجهي سواء بدراسة الهندسة أو الشريعة التي بدأت بدراستها في سن صغيرة جداً ثم توجّهت بعدها لدراسة الشريعة دراسة أكاديمية في جامعة دمشق أثناء دراستي للهندسة، وما ساعدني على الجمع بين الإثنين هو نظام الساعات المعتمدة في جامعة القلمون، حيث حاولت الاستفادة منها قدر الإمكان وأخذت أقصى عدد من المواد المتاحة ضمن الفصل الواحد، وبعد ذلك التفرغ بالصيف لدراسة مواد الشريعة وتقديم امتحاناتها التي كانت تأتي عادة بعد امتحانات الهندسة.
كان الأمر مرهقاً لكنه ممتع، ذلك أنني لم أدرس الشريعة بهدف الحصول على شهادة ، ولذلك لم يكن لدي أي مانع أن أقدم مادتين أو ثلاثة فقط بالدورة الواحدة لأدرسها بشكل مفصل، بدلاً من تقديم ست أو سبع مواد، بينما أتممت دراسة الهندسة في أربع سنوات.
ما التحدي الحقيقي الذي واجهك خلال مرحلة الدخول في غمار الحياة المهنية وخاصة الابتكار فيها؟
التحديات كثيرة ومختلفة باختلاف الأماكن التي عملت بها، سوريا وفرنسا وأمريكا، فكل دولة منها تختلف عن الأخرى بيئة وثقافة ومجتمع، في فرنسا مثلاً كان من الصعب جداً أن تقبل أي شركة فرنسية العمل معها كفتاة محجبة، فكما تعلمون، يمنع القانون الفرنسي إظهار أي رمز ديني ضمن أي مؤسسة أو شركة فرنسية سواء كانت حكومية أو خاصة وهو العائق الأول في فرنسا لأي فتاة محجبة إذ أن فرص العمل تكاد تكون معدومة في ظل هذا القانون، لازلت أذكر فرحتي حين تم قبول سيرتي الذاتية في احدى أكبر وأشهر الشركات الفرنسية العالمية هناك لتأتي بعدها الصدمة عند لقائي بمدير التوظيف حيث قام برفضي من غير حتى إجراء المقابلة معي، كان شعوراً مؤلماً جداً، أن يقيّم أحد أهليتّك للعمل بناء على شكلك الخارجي وليس على قدراتك ومهاراتك! مثل هذا الموقف تكرر معي عدة مرات قبل أن أستطيع دخول شركة "جنرال إليكتريك GE" كونها شركة أمريكية تقوم على مبدأ تعدد الثقافات ولا تخضع لقانون حظر الرموز الدينية كباقي الشركات الفرنسية.
في أمريكا التحديات ليست أقل من أختها الفرنسية إلا أنها من نوع مختلف يضيق الوقت للحديث عنها لكن يمكن تخلصيها بأن صورة المرأة العربية والمسلمة (المحجبة تحديداً) صورة سيئة للغاية و تزداد سوءا عندما تكون سورية بسبب الصورة النمطية المسبقة عنها وهذا الأمر يؤثر كثيرا على أجواء العمل، وكوني أعمل مع فريق عالمي وفي مجال هندسي بارز يندر فيه النساء اجمالاً، فقد كان هذا كفيلاً أن يحدث صدمة عند أي أمريكي سواء بالعمل أو في الشارع عندما أخبره عن عملي.
لنتحدث قليلاً عن ابتكارك وكيف سيتمكن من تغيير التوجه الحالي في مجال طاقة الرياح؟ هل تعتبر طاقة الرياح أفضل من الطاقة الشمسية وما هي الصعوبات التي تواجه طاقة الرياح؟
اختراعي جاء ليحل مشكلة صناعية موجودة منذ سنوات في توربينات الهواء وهو عبارة عن نظام حماية للعناصر الكهربائية الموجودة في الأبراج والتي كانت تتعرض دائما للتلف المستمر نتيجة الحركة الدائمة في رأس التوربين، الآن تمت الموافقه عليه ويتم تطبيقه منذ فترة في توربينات 3.xMW في ألمانيا واليابان والآن ندرس إمكانية تعميمه في توربينات 2.xMW في أمريكا والبرازيل والصين، أتأمل أن يتم تركيبه في 15 ألف توربين هوائي حول العالم على الأقل.
بالنسبة للشق الثاني من السؤال، لا نستطيع أن نفاضل بين النوعين فالأمر نسبي جداً وتحديد أيهما أفضل يعتمد على عدة عوامل منها عامل المناخ، فالطاقة الشمسية منتشرة أكثر في البيئات الصحراوية كمنطقة الشرق الأوسط ومناطق أسيا الوسطى بينما طاقة الرياح تنتشر أكثر في المناطق الشمالية الباردة. بشكل عام الصعوبات ليست بالحصول على الطاقة، سواء عن طريق الرياح أو الشمس لكن الصعوبة هي بطريقة تخزين هذه الطاقة وهو ما نعمل عليه الآن، إذ يسهل الحصول على الطاقة، لكن حفظها لاستخدامها في وقت لاحق يحتاج إلى طرق مبتكرة كبطاريات نوعية خاصة وهو أمر ما يزال قيد الدراسة والتطوير.
كيف يمكنك كمهندسة وزوجة وأم أن توازني بين مسؤولياتك المهنية والعائلية والشخصية؟
تماما كما يمكن لأي مهندس وزوج وأب أن يوازن بين مسؤولياته المهنية والعائلية والشخصية، يبدو أن هذا الجواب غير مقنع للقارئ، حسناً، كل انسان لديه الكثير من الوقت الضائع الذي لو استمثره لفعل كل ما يريد تحقيقه، بكل صدق، الأمر فقط يحتاج إلى هدف واضح أمامه وخطة منظمة يسير عليها وترتيب دقيق للأولويات.
ما هي رسالتك للجيل الجديد من الشباب المتوجه نحو الحياة المهنية والاحترافية؟
الأحلام جميلة، لكن إن لم تمسك طرفها وتبدأ بالركض وراءها ستبقى أحلاماً معلّقة.
ما هي رسالتك إلى الشركات التي تود احتضان الخبرات الشابة؟
استثمروا الشباب وادعموهم، ستحصدون منهم أكثر مما تتوقعون، في شركتنا نقوم كل فترة بدعوة شباب في مرحلة الدراسة الثانوية والجامعية لعمل جولة في الشركة وبعد أن نعطيهم المفاهيم الأساسية في الطاقة المستدامة نعرض عليهم بعض المشاكل التي تواجهنا (بدون أن نطلعهم على الحلول التي نتبعها) ثم نطلب منهم القيام بجلسات عصف ذهبي للخروج بحلول لها والحقيقة أن الحلول الإبداعية التي نحصل عليها لاتحصى، لذلك تقوم الشركات الكبرى عادة برعاية مشاريع التخرج لطلاب الهندسة في الأقسام التي تهتم بها لتتبنى المشاريع وأصحابها لاحقاً ، هي بالنهاية مصلحة مشتركة بين الطرفين، فالشباب يحصل على العمل الذي يريد والشركة تأتيها حلول من خارج الصندوق النمطي لتفكير المنظومة والتي دائما ماتكون عملية تبحث هي عنها.
في الفترة الأخيرة ظهر اهتمام كبير في حث الفتيات على دخول عالم الهندسة، ما هي نصيحتك لهن؟ لماذا برأيك تنئ الفتيات بأنفسهن عن المجال البحثي الهندسي؟ وما هو الدور الذي تلعبه البيئة المحيطة في ذلك؟ وما هي الحلول المتبعة والتغيرات الواجب القيام بها من قبل الجامعات والشركات التي يمكن لها أن تشجعهن وتمكنهن من ذلك؟
نعم يوجد اهتمام كبير في حث الفتيات لدخول غمار الهندسة وهو بالمناسبة اهتمام عالمي وليس فقط عربي، فمجال الهندسة عالمياً هو مجال يهيمن عليه الرجال. هنا مثلاً أنا المهندسة الوحيدة الموجودة ضمن الفريق الأمريكي، بينما فريقنا العالمي ( المتوزع في ألمانيا، اسبانيا، الهند، الصين و والبرازيل) يوجد مهندسة أخرى في الصين فقط، وبشكل عام فإن نسبة المهندسات في كل فرق الطاقات المتجددة حول العالم لا تتعدى العشرة بالمئة بأعلى تقدير. يعود ذلك لعدة أسباب أولها وأهمّها البيئة، فالأسس التي تربى عليها الفتيات عالمياً والمجتمع الذي يحيط بها هو الذي يؤثر في تكوين شخصيتها واهتماماتها بل حتى في صوراتها الذهنية عن نفسها وعن قدراتها، وبالتالي المجتمعات هي من تسيّرها وتحدد لها بالضبط من هي، وهو أمر خطير جداً للأسف لذلك يكثر الإهتمام اليوم بدفع الفتيات لدخول الهندسة أو على الأقل عدم وضع الحدود أمام الفتاة لتختار ما تريده هي وليس ما يريده لها المجتمع.
هناك تجارب كثيرة ودراسات كثيرة تؤكد على ذلك منها دراسة محلية شهدت عليها شخصياً مع ابنتي ليا (عمرها 4 سنوات الآن)، حيث أن مدرستها تقوم على نظام التعليم بطريقة ماريا مونتسوري وهو نظام التعليم الحر، حيث توضع عادة جميع الألعاب والأدوات التعليمية على الرفوف ويختار منها الطفل ما يرغب باللعب به بدون تدخّل من المشرفات، تكون عادة الألعاب متنوعة جدا ومختلفة جداً منها أدوات النجار والحداد والكهربائي ومنها أدوات التنظيف والطبخ والعناية بالرضيع (الدمية)، والملفت هنا هي دراسة قامت بها المدرسة على مدار عشرين سنة دراسية كاملة للأطفال من عمر 18 شهر إلى عمر 6 سنوات، تظهر نتائجها أن ميول الأطفال سواء الذكور أم الإناث لاختيار نوعية الألعاب كانت متساوية للجميع بدون تمييز ضمن هذا العمر، بعد ذلك ونتيجة دخول الطفل لنظام التعليم التقليدي وخروجه للمجتمع الأكبر يبدأ يظهر عنده الميل لإختيار الألعاب الجندرية وذلك أن المجتمع والمنزل وحتى برامج الأطفال تبدأ بغرس مفاهيم واهتمامات وهوايات معينة عند البنت والولد.
نصيحتي للفتاة هي أن تبحث عن نفسها في نفسها وليس في نظرة المجتمع لها، فلا تتأثر بالموجة التي تريد دفعها باتجاه معيّن أياً كان هذا الاتجاه، بل تركز على ماعندها هي من طاقات وإمكانيات لتصل للمكان الأنسب لها والذي من خلاله ستتميز فعلاً إذ أنها بالنهاية لن تبدع إلا بما تحبه هي، وليس ما يحبّه لها المجتمع.