لماذا نمتلك خمسة أصابع في كل يد؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
يعود الأمر برُمَّته إلى التطور، فأطرافُ الحيوانات الفِقْرية من أيادٍ وأرجلٍ تطورت في الحقيقة عن الأشعة الزعنفية للأسماك نتيجةَ الانتقال من الماء إلى اليابسة -أي كان ذلك من مُتطلَّباتُ البيئة الجديدة- ولم يكن هذا الانتقالُ وليدَ اللحظة، بل حَدَثَ تدريجياً حسب ما أرساه تشالز داروين في نظريته عن "التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي" قبل قرنٍ ونصف القرن تقريباً.
في شهر آب 2016، قام باحثون من جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة وعلى رأسِهم عالمُ الأحياء التطوري والحفريات القديمة البروفسور نيل شوبين Neil Shubin بدراسة الصلة الجزيئية التي تربط الخلايا الزعنفية مع تلك التي في أطراف اللبائن (الثدييات)، وأوضحوا دورَ المورثتين (haxa13) و (hoxd13) في تكوين كلّ من الأشعة الزعنفية والأصابع على حدٍ سواء (لتفاصيلَ أكثر، طالع مقالنا السابق هنا).
وكما أوضحنا، لم تحدث عمليةُ الانتقال من الزعانف إلى الأطراف بين ليلة وضحاها، فالسجلات الأحفورية تُشيرُ إلى أنَّ أسلافَنا كانوا متعدّدي الأصابع (polydactyl) - أي لديهم أكثر من خمسة أصابع! (للمزيد حول هذه الظاهرة، طالع هنا)، وهنا يبرزُ التساؤل التالي: ما الآلية التي أدت إلى التفضيل التطوري للحالة خماسية الأصابع (pentadactyly) في الأنواع الحالية؟
إحدى الملاحظات التي لفتت انتباهَ الدكتورةMarie Kmita هي كون "المورثتان (hoxa11) و (hoxa13) لدى الإنسان والفئران تنشطان في نطاقين منفصلين من برعُم الطرف، بينما تنشطان لدى الأسماك في نطاقين متداخلين من الزعنفة النامية"، ولفهمِ هذا الاختلاف في آلية تنشيط المورثتين بين اللبائن والأسماك، أثبتَ المؤلف الرئيسي في هذه الدراسة Yacine Kherdjemil -وهو طالب دكتوراه في مختبر الدكتورة Marie Kmita- أنَّ إجراءَ تعديلاتٍ وراثية على المورثة (hoxa11) -التي تنظِّم عمليةَ إنتاج الزعانف لدى الأسماك- أدى إلى ظهور فئران بسبعة أصابع في كل كف، أي الرجوع إلى حالة الأسلاف (الصورة أدناه).
Image: Kherdjemil et al. (2016)
كما كشفَ الفريق البحثي أيضاً عن تسلسلات الـ DNA المسؤولة عن الانتقال من نمط تنظيم عملية نمو الزعانف في الأسماك إلى نمط تنظيم نمو الأطراف لدى الفئران بالنسبة للمورثة (hoxa11)، وتقول الدكتورة Marie Kmita في هذا الصدد: "يدُلُّ هذا على أنَّ تلك التغايرات الشكلية بين زعانف الأسماك وأطراف الفئران لا تحدث بسبب اكتساب مورثات جديدة، وإنما بإجراء تغييرات على ما هو موجود فعلياً من مورثات."
أما أهمية الدراسة من وجهة نظر طبية سريرية، فتكمنُ في تعزيز مفهوم أن سبب التشوهات التي تحدث أثناء النمو الجنيني ليس طفراتٍ في المورثات فحسب، بل طفراتٌ في تسلسلاتٍ معينةٍ من الـ DNA تُعرف بـ "التسلسلات التنظيمية Regulatory sequences". ويؤكد الباحثون على أنَّ القيودَ التِقْنية في الوقت الراهن لا تسمحُ بتشخيص تلك الطفرات في المرضى بشكلٍ مباشر، وهنا تبرز الحاجة الماسّة إلى إجراء المزيد من الأبحاث الأساسية في هذا الموضوع على الحيوانات المختبرية.
المصدر: هنا
الورقة البحثية: هنا