الاحتكاك السّكونيّ والاحتكاك الحركيّ
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
يمكن تفسيرُ كلّ ما سبق بتقديمِ مفهومٍ جديدٍ؛ ألا وهو الاحتكاك. فما هو الاحتكاك؟ ما أنواعُه؟ ما فوائدهُ وما أضراره؟ سنتعرّفُ على كلّ ذلكَ في مقالنا عن قوى الاحتكاكِ؛ إحدى القوى المدروسةِ بشكلٍ واسعٍ في الفيزياء.
يمكنُ تعريفُ قِوى الاحتكاكِ على أنّها القِوى الّتي تُقاومُ حركةَ جسمٍ ما نتيجةَ تلامسِ هذا الجسم مع جسمٍ آخر أو سطحٍ آخر.
تُقسمُ قوّةُ الاحتكاكِ إلى نوعين: احتكاكٌ حركيّ واحتكاكٌ سكونيّ.
الاحتكاكُ السّكونيّ:
ينشأ الاحتكاكُ السّكونيّ من ملامسةِ أو اتّصالِ جسمٍ ساكنٍ مّا بسطحٍ أو بجسمٍ آخر. لنعدْ إلى مِثالِ الصّندوق، أنتَ لم تستطِع تحريكَ الصّندوقِ لأنّه ثقيل. هذا خطأ، أنتَ لم تستطع تحريكَ الصّندوقِ لوجود قوّةِ احتكاكٍ سكونيٍّ أشدُّ من القوّةِ الّتي طبّقتها على الصّندوقِ في محاولتكَ لجرّ الصّندوقِ. تلك القوّةُ تعتمدُ على ثِقلِ الصّندوقِ، لكنّها لم تنشأ بسببِ ثقلِ الصّندوقِ وإنّما بسببِ التماسِّ بينَ سطحِ الصُّندوقِ وسطحٍ آخر. فإذا تخيلنا جسماً في الخلاءِ، فإنّ قوى الاحتكاكِ ليست موجودةٌ - معدومة - لأنّ الجسمَ لا يحتكُّ أصلاً مع أيِّ جسمٍ آخر.
الاحتكاكُ الحركيّ:
ينشأ الاحتكاكُ الحركيُّ من ملامسةِ أو اتّصالِ جسمٍ متحرّكٍ بسطحٍ أو بجسمٍ آخر. لنعدْ إلى مثالِ السّيّارة، تتحرّكُ سيارتُكُ وعجلاتُها الأربعُ ملامسةً لسطحِ الطّريق (وهو الإسفلت)، عندما قُمتَ برفعِ قدمكَ عن دوّاسةِ الوقودِ؛ أي توقّفتَ عن تزويدِ السّيّارةِ بالطّاقةِ لمُتابعةِ سيرها، قامت قوى الاحتكاكِ الحركيّ بمقاومةِ حركةِ سيّارتكَ، ومن ثمّ قامت بإبطائها رغم أنّك لم تدُسْ على دوّاسةِ المكابح، وإذا تابعَ هذا الاحتكاكُ عملهُ فإنّ سيارتكَ ستتوقّفُ أخيراً.
إنّ مفهوميّ الاحتكاكِ الحركيّ والسّكونيّ مختلفانِ عن بعضهما، ففي حالةٍ يكونُ الجسمُ متحرّكاً وفي الحالةِ الأخرى يكونُ الجسمُ ساكناً. علاوةً على ذلكَ، فإنّ الاحتكاكَ السّكونيّ أكبرُ قليلاً من الاحتكاكِ الحركيّ. لنعدْ إلى مثالِ الصّندوقِ مرّةً أخرى. في البدايةِ لم تستطعْ وحدكَ جرّ الصّندوقِ، لأنّه كما ذكرنا لم تستطعْ قِواكَ التّغلبَ على قوى الاحتكاكِ السّكونيّ بين الصّندوق والأرض. عندما تلقيتَ المُساعدة أصبحتِ القِوى المُطبّقة على الصّندوقِ أشدُّ من قوى الاحتكاكِ السّكونيّ فتحرّك الصّندوقُ، وهنا تحوّلت قوى الاحتكاكِ السّكونيّ إلى قوىً للاحتكاكِ الحركيّ، وبعد أن تحرّك الصّندوقُ وترككَ مُساعدُكَ وحدكَ استطعت إكمالَ المُهمّة.
يرتبطُ الاحتكاكُ السّكونيّ بمُعاملٍ يُدعى مُعاملَ الاحتكاكِ السّكونيّ، ويرتبطُ الاحتكاكُ الحركيّ بمُعاملِ الاحتكاك الحركيّ. يكونُ مُعاملُ الاحتكاكِ السّكونيّ أكبرَ قليلاً من مُعاملِ الاحتكاكِ الحركيّ. ويعتمدُ مُعاملُ الاحتكاكِ بشكلٍ رئيسيٍّ على نوع السّطوحِ المُتلامسةِ؛ أي على نوعِ المادّةِ المصنوعِ منها الجسمُ المُتحرّكُ، وعلى نوعِ المادّة المصنوعِ منها الجسمُ الثّابت. يمكنُ تسهيلُ الأمرِ كالتّالي، لاحظ أنّ قيادةَ الدّرّاجةِ الهوائيّةِ على الإسفلتِ أسهلُ بكثيرٍ من قيادتها على التّرابِ أو على الرّمل مثلاً! مثالٌ آخر، لاحظ أن جرّ صندوقٍ ما على سطحٍ مصنوعٍ من الخشبِ أسهلُ بكثيرٍ من جرّه على الإسفلت!
على الرّغم من أنّ الاحتكاكَ مدروسٌ بشكلٍ واسعٍ، إلّا أنّ هنالك العديدَ من المُعتقداتِ الخاطئةِ السّائدةِ بين النّاس، فكثيرٌ منّا يعتقدُ أنّ سحبَ جسمٍ ذو كتلةٍ ما وسطحِ احتكاكٍ صغيرٍ نسبيّاً أسهلُ من سحب جسمٍ له الكُتلةُ نفسها ولكن مع سطحِ احتكاكٍ كبيرٍ نسبيّاً، وهذا الأمرُ خاطئ، فقوى الاحتكاكِ لا تعتمدُ على مساحةِ سطحِ الاتّصالِ ولا تعتمدُ على شكله. والصورةُ التّالية توضّحُ ما نعنيه.
Image: Mohammad Al-Sabbagh
لاحظ أنّ الجسمينِ مصنوعان من المادّةِ نفسها، ولهما الكُتلةُ نفسُها، وموضوعانِ على سطحٍ واحدٍ، لكنّ لهما مساحةَ سطحٍ مختلفة، كِلَا الجِسمينِ يخضعانِ لقوى الاحتكاكِ نفسها (وهذا الأمر ينطبقُ على مجالٍ واسعٍ من الأجسام، إلّا أنّ هنالك استثناءات)
مفهومٌ آخرُ خاطئ، أنّنا نعتقدُ أنّ الأجسامَ الّتي تسيرُ بشكلٍ أسرعَ، تُعاني من قوّةِ احتكاكٍ أقلّ. وهذا الأمرُ خاطئ، فقوى الاحتكاكِ لا تعتمدُ على سرعةِ الجسمِ المتحرك. فالسّيّارةُ الّتي تسيرُ بسرعةِ 50 كم في السّاعةِ تُعاني من قوّةِ احتكاكٍ مماثلةٍ لسيّارةٍ تسيرُ بسرعةِ 100 كم في السّاعة، بافتراضِ أنّ لهما نوعَ الإطاراتِ ذاتِه، وتسيرانِ على الطّريق ذاته.
تُعتبرُ قوى الاحتكاكِ ذاتَ أهميةٍ كبيرةٍ في حياتنا العمليّة، فالاحتكاكُ موجودٌ تقريباً في كلِّ تطبيقٍ في حياتنا العمليّة، في القيادةِ والسّيرِ والدّفعِ والجرّ وأيضاً في التّسلّق! ففي التّسلقِ نعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على الاحتكاكِ السّكونيّ كي نبقى معلّقينَ بالحجرِ أو الصّخرةِ الّتي نتمسّكُ بها، فلو لم يكنِ الاحتكاكُ السّكونيّ موجوداً لما تمكّنّا من البقاءِ معلّقينَ ولما تمكّنّا من تسلّق قمّةِ إيفرست! تعتمدُ القيادةُ أيضاً بشكلٍ أساسيٍّ على الاحتكاكِ الحركيّ، فلولا قوى الاحتكاكِ لما استطاعتِ السّيارةُ أن تسيرَ على الطّريق، وهذا الأثرُ يمكنُ تلّمسُ آثارِه بمحاولةِ السّيطرةِ على سيارةٍ تتحرّكُ على الجليدِ، حيثُ قوى الاحتكاكِ صغيرةٌ جدّاً بين الجليدِ وإطاراتِ السّيارةِ، فلن تسيرَ بسهولةٍ، كما لن تستطيعَ التّوقّفَ بسهولةٍ.
على الرّغمِ من فوائدِ الاحتكاكِ الكبيرةِ في الحركةِ، إلّا أنّ الاحتكاكَ يقفُ عائقاً في كثيرٍ من المجالات، إذ أنّ الاحتكاكَ يُسبّبُ ارتفاعاً في درجةِ حرارة الموادّ، وكثيرٌ من الموادِّ تتلَفُ بارتفاعِ درجةِ الحرارة. تخيّل أنّكَ تقودُ سيارتكَ بسرعةٍ عاليةٍ، وفجأةً اضطررتَ للكبحِ بقوّةٍ كبيرة، تفقّد إطاراتِ سيّارتكَ بعد الفرملةِ وستلاحظُ أنّ الإطاراتِ ساخنةٌ جدّاً، والبعضُ يُجبَرُ على تبديلِ الإطاراتِ بسببِ فقدانِ الإطاراتِ لكمّيّةٍ كبيرةٍ من مادّتها أثناء عمليّة الفرملة. فهذا الاحتكاكُ الشّديدُ تسبّبَ بتلفِ الإطاراتِ. تُلزمُ شركاتُ الشّحن أيضاً بصُنعِ شاحناتٍ بمحرّكاتٍ جبّارةٍ لتكونَ قادرةً على جرّ كمٍّ كبيرٍ من الموادّ للتّغلّبِ على قوّةِ الاحتكاك. لا يسبّبُ الاحتكاكُ الصّغيرُ في الواقعِ ضرراً كبيراً يُمكنُ ملاحظتُه بالعينِ المجرّدة، ولكن إذا نظرنا إلى الأعماقِ، إلى المستوياتِ الأصغرِ، سنجدُ أنّ الاحتكاكَ يتسبّبُ بنتائجَ كارثيّةٍ، وسنجدُ أنّ قوانينَ الاحتكاكِ لا تصمدُ في تلكَ المستويات، ففي الصِّغرِ كلُّ شيءٍ يتغيّر، وهذا ما سنتعرّفُ عليه أكثرَ في مقالنا القادمِ بعنوان "الاحتكاكُ على المستوى النّانويّ".
يقولُ ولفغانغ باولي "Wolfgang Pauli" : "الإله خلقَ الأجسامَ، ولكنّ الأسطحَ من عملِ الشّيطان"
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا