مراجعة رواية (طوارق): غزالٌ صيّاح، آخر الطوارق الأصيلين
كتاب >>>> روايات ومقالات
ففي روايته الطوارق، يقدم لنا فيكيروا عالماً لا متناهي من حبات الرمل الزجاجية ممزوجة بدرجة حرارة لا يستشعرها القارئ في أي مكان آخر بالعالم ولا يقرأها في أي رواية أخرى، فهناك في الصحراء الجزائرية الممتدة على مساحة تقارب مساحة دولٍ أوروبية، يبزغ نجم الطارقي الأشهر "غزال صياح" الإسم الذي سيحفظه جيداً كل من سيمر على روايات ألبرتو فيكيروا، سيحفر في ذهن القارئ مكاناً له يضاهي أمكنة أبطال آخرين في الذاكرة كجان فالجان وبيير بيزوخوف، فهذا الطارقي ابن الصحراء المفعم بالصرامة والقوة والحرية والتقديس لتقاليده وعاداته، سيعيد رسم أخلاقيات الصحراء بأسلوب ساحر يجعل القارئ يتعاطف معه ويشد من أزره ويفرح لفرحه ويغضب لغضبه، بالإضافة إلى لمسة فيكيروا المتميزة من حيث التعابير والوصف فقد جعل من الواقعية الشديدة عنواناً لهذه الرواية، وخاصة في أسلوب تعامل البطل غزال صياح مع شخصيات الرواية الأخرى.
تدور أحداث الرواية حول غزال صياح الذي يعيش في عرينه الخاص وسط الصحراء حيث يستقبل في أحد الأيام رجلين قادمين من موت الصحراء، لينقذهما ويستضيفهما في مضربه الخاص، ولا ننسى أن للطوارق تقاليد مقدسة تخصّ الاستضافة، تأتي بعد ذلك سيارة محملة بالجنود، يقتلون الضيف الشاب ويأخذون الرجل الطاعن في السن، وهنا تبدأ رحلة الرواية عبر تهديد غزال صياح بأنه سينتقم من أولئك الذين انتهكوا حرمة الصحراء وحرمة تقاليد الطوارق، سيثأر منهم.
بعد هذه الحادثة المحورية تدور أحداث الرواية بتسارع شديد عبر 300 صفحة لا يستطيع القارئ أن يتركها، متابعاً بشغف محاولة غزال في الثأر، ومترقّباً إلى أين ستنتهي، مع محاولات مستمرة من الكاتب لقلب توقعات القارئ دائماً ولا سيما في نهايتها.
ما هو معنى الثأر ضد الجنود الذين من المفترض أنهم يحمون البلد وأهل البلد؟ أين سينتهي غزال صياح مع ثأره؟ ومن هذه الشخصية التي تم اختطافها من مضرب غزال، ولماذا تم قتل الشاب وأسر الرجل الطاعن في السن بدلاً من قتله أيضاً؟ كل هذه الأسئلة والكثير غيرها، ستدور في ذهن غزال وفي ذهن القارئ على حد سواء، فأسلوب فيكيروا المميز جعل من بطل روايته وكأنه واحداً من القراء الذين يتابعون بحماس هذه الرواية.
من المحاور المهمة في أفكار هذه الرواية هي عرض لأوضاع البلاد العربية السياسية عامة بعد الاستقلال من الفرنسيين، والجزائر بشكل خاص، فنرى تصارع القوى السياسية بشتى تياراتها في سبيل الوصول إلى السلطة، ونرى نقاشات حول معنى الديكتاتورية وحوارات حول الإشتراكية و الشيوعية وغيرها من التيارات الأخرى، وفي خضم كل هذا الصراع، تبرز مسألة جوهرية تم طرحها في الرواية وهي الإهمال الكامل لشعب الصحراء الطارقي وللصحراء، فبمساحة تتجاوز مساحة فرنسا لا يوجد من يهتم بأولئك الناس ولا من يهتم بتلك الأرض فهي مهمشة ومتروكة لحياتها ولأسلوبها ولتقاليدها، وعندما تبدأ تلك المنطقة في إزعاجهم بسبب تدخلهم الجائر في قوانينها، يتذكرون فجأة بانها يجب أن تكون تحت سيطرة الدولة والقانون، ولكن هذا لا ينطبق على الطارقي الأصيل غزال صياح، فهو خارج كل هذه القوانين ما لم يتم احترام تقاليد الطوارق وقوانينهم الخاصة.
تعد هذه الرواية من أول أعمال فيكيروا، ولكنها تنضح بقدرة لغوية فائقة الجمال وتعابير ساحرة في وصف ذلك الإمتداد اللامتناهي من الصحراء وأسراها، ومن الجدير بالذكر أن الترجمة العربية لهذه الرواية كانت جيدة جداً من دار ورد للنشر.
إنها رواية تستحق القراءة بحق.
معلومات الرواية:
العنوان: الطوارق
المؤلف: ألبرتو باثكث فيكيروا
المترجم: عبدو زغبور
طباعة: دار ورد
عدد الصفحات: 304