لماذا تنام؟ ماذا إن لم تنم؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
يقضي الإنسان ثُلثَ عمرهِ وسطياً نائماً، ويختلفُ هذا الرقم عند الحيواناتِ الأخرى، فالكوالا مثلاً يقضي قرابة اثنتين وعشرين ساعةً نائماً، بينما تكتفي الزرافةُ بأقلّ من ساعتين يومياً! ولكن هل النوم هامّ إلى درجةِ أنْ نقضي ثلثَ عمرنا نياماً؟
تُقارن أهمّية النوم عادةً بأهميةِ الطعام، وإنْ حُرم الإنسان من النوم يموت وسطياً أبكر ممّا لو حرم من الطعام. لنتحدث بالأرقام للتوضيح: يمكن أن يعيش الإنسان دون طعام (إذا زُوّدَ بالماء) مدّة أسبوعين وسطياً، لكنّه لن يعيشَ أكثر من عشرة أيام إنْ حُرم من النوم! (مصدر1)
لكن ما هو النوم؟
لظاهرة النوم أربع سمات: وضعية جسم محدّدة، وتغيّرات في المخطّط الكهربائي للدماغ، وزيادة عتبة الاستجابة للمؤثّرات البيئية، وسرعة الانعكاسية (استيقاظ النائم بشكل طبيعي أو استجابة لمؤثّر ما مع زوال آثار التعب والنعس بعد الاستيقاظ). واعتماداً على هذه السمات، يُمكن تقسيم النوم إلى مرحلتين رئيستين: نوم الموجات البطيئة (اللاريمي NREM)، ونوم الموجات السريعة أو نوم حركات العين السريعة (نوم الريم REM). (مصدر2). للمزيد عن نوم حركات العين السريعة: هنا
لماذا ننام؟
رغم مضيّ عقود من البحوث المتعلّقة بالنوم، تلك التي أجريت على الحيوانات والإنسان بهدف معرفة تبعات حرمانهم من النوم، وتلك التي قارنت أنماط النوم بين الحيوانات المختلفة بهدف التوصّل إلى معرفة وظيفة النوم، بقي سؤال "لماذا ننام؟" عصياً على الإجابة، لكنَّ العلماءَ قد خلصوا إلى مجموعة من النظريات التي سنضعها بين أيديكم آملين أنْ نصبح أكثر تقديراً لقيمة النوم، وأكثر تنعّماً بالفوائد التي يعود بها علينا...
1. نظرية الخمول:
إحدى أقدم النظريات، وتسمّى أيضاً النظرية التكيّفية أو النظرية التطوّرية، وتقول هذه النظرية إنّ الحيوانات تكيّفت للخمول في الليل -مثل البشر- أو النهار-كالخفّاش-، في الوقت الذي تكون فيه بخطر أكبر للحوادث أو الوقوع ضحية المفترسات، وبفضل الانتخاب الطبيعي فإنَّ هذه الاستراتيجيةَ السلوكية قد تطوّرت لتصبح ما نعرفه اليوم بالنوم. إلّا أنّه يُحتجّ على هذه النظرية بأنّه من الآمن للحيوان أن يبقى خاملاً لكن متيقّظاً، لا أنْ يكون خاملاً وغيرَ واعٍ!
2. نظرية حفظ الطاقة:
قد لا يكون لهذه النظرية أهمّية في المجتمعات التي تكون فيها مصادر الغذاء وفيرة، لكنَّ التنافس على مصادر الطاقة والاستخدام الفعّال لها هو أحد أشدّ العوامل تأثيراً في الانتخاب الطبيعي، ولذلك تقترح نظرية حفظ الطاقة أنّ الوظيفةَ الرئيسةَ للنوم هي الحدّ من طلب الفرد للطاقة، والحدّ من استهلاكها خلال جزء من النهار، أو خلال الليل، خاصّةً في الأوقات التي تقلّ فيها القدرة على البحث عن الغذاء. ودعم هذه النظرية بحث يُظهر أنَّ معدّلَ الاستقلاب ينخفض بمقدار 10% أثناء النوم.
3. النظرية التجديدية:
يعطي النوم الجسمَ فرصةً لتعويض ما خسره في ساعات اليقظة، وقد أيّد هذه الفكرة أدلّة تجريبية على الإنسان والحيوان، فقد تبيّن أنَّ الحيواناتِ التي تُحرم من النوم كلياً تفقد وظيفتها المناعية تماماً وتموت في غضون أسابيع. إذْ إنَّ الكثيرَ من الوظائف الترميمية في الجسم كنموّ العضلات، واصطناع البروتينات، وإفراز هرمون النموّ تحدث معظم الأحيان أثناء النوم. وفي بعض الحالات لا تحدث إلّا أثناء النوم. حتّى إنَّ خلايا الدماغ تنتج بعد عملها الأدينوزين الذي يتراكم في الدماغ ليُسهمَ في إحساسنا بالتعب. لكنَّ النومَ يعطي الجسمَ فرصة تنظيف الدماغ من الأدينوزين ونصبح بذلك أكثر يقظة ونشاطاً، ومن الجدير بالذكر أنَّ الكافيين يُعاكس تأثير الأدينوزين ويُبقينا يقظين.
4. نظرية لدونة الدماغ:
تعتمد إحدى أكثر التفسيرات المقنعة لسبب النوم على دراساتٍ تظهر أنَّ النومَ مرتبطٌ بتغيّرات في بنية الدماغ وتنظيمه، فالأطفال الرضّع ينامون حوالي 13 إلى 14 ساعةً يومياً، ويقضون قرابة نصف هذه المدّة في نوم حركات العين السريعة (REM sleep) الذي تحدث فيه معظم الأحلام، كما اتّضح أنَّ لدونةَ الدماغ -ويقصد بها قدرة الدماغ على التغيّر والتكيّف استجابةً للتغيّرات في الوسط المحيط أو اكتساب خبرة جديدة- ترتبط بالنوم عند البالغين؛ إذْ وُجد أنَّ للنوم والحرمان منه تأثيراً في القدرة على التعلّم وإنجاز المهام المتنوّعة.
نذكر أنَّ هذه النظرياتِ لا تعطي جواباً مباشراً عن السؤال المطروح: "لماذا ننام" إلا أنَّها تمهّد الطريقَ لإيجاد جوابٍ شافٍ يوماً ما. (مصدر3)
ماذا يمكن أن يحدث إنْ أدمَن الإنسان السهر؟
على المستوى الصحي، وجد الباحثون أنَّ الأشخاصَ ذوي النشاط الليلي أكثرُ عرضةً للإصابة بالداء السكّري، وارتفاع نسب الدهون والشحوم الثلاثية، كما يصبحون أكثر عرضةً للإصابة بالمتلازمة الاستقلابية والسمنة، وغير ذلك من المتغيّرات المسيئة للصحّة.
لمعرفة المزيد عن تأثير السهر على الجسم، يمكنكم قراءة: هنا
أمّا بالنسبة لتأثير الحرمان من النوم على القدرات المعرفية، فقد تبيّن في دراسة أُجريت عام 2016 أنَّ الأشخاصَ ذوي النشاط الليلي يكونون أبطأ في إنجاز المهام الذهنية من الأشخاص ذوي النشاط الصباحي، لكنّهم يكونون أكفأ، أي إنهم يضحّون بالسرعة لصالح الدقة. (مصدر4)
وقد استنتج الباحثون في دراسة أخرى وجودَ ارتباطٍ وثيق بين النوم والتعلّم والذاكرة؛ إذْ اكتشفوا إفرازَ الدماغ موادّ كيميائيةً محدّدة أثناء النوم تسمّى 4EBP2، وهي ضرورية لا لتشكيل الذكريات فحسب، بل لاستعادة أحداث ماضية أيضاً. للمزيد: هنا
وفيما يتعلّق بالمظهر، لا شكّ أنَّ الحرمانَ من النوم يؤثّر على شكل الشخص، فتبدو العينان محمرّتَين، وتصبح الهالات تحت العين أغمقَ وأكثرَ انتفاخاً، ويرتبط الحرمان من النوم أيضاً بشحوب البشرة وتدلّي زوايا الفم، والمظهر الحزين الذي يرتبط بالإرهاق، ولا يخفى على أحد أهمّية مظهر الوجه في الحكم على الآخرين، سواء في الحياة الاجتماعية الخاصّة أم الرسمية كحال العاملين في الرعاية الصحية والسلامة العامة. (مصدر5)
أياً كان السبب الذي ننام لأجله، فإنّنا في النهاية بحاجة ماسّة إلى نوم مريح، يفضّل بعضنا أنْ يكون نهارياً، بينما يفضّل بعضنا الآخر أن يكونَ ليلياً، فلماذا يا ترى؟ لمَ يكون بعضنا كالقُبَّرة (سلوك النشاط الصباحي والنوم المبكّر) وبعضنا كالبوم (سلوك النشاط الليلي والنوم المتأخّر). الجواب باختصار يكمن في تأثير مورّثاتنا علينا وبصورة أدقّ تأثيرها على ساعتنا البيولوجية. للمزيد: هنا
وختاماً، نترككم مع هذه المعلومة اللطيفة عن المنبّهات الذكية التي تحاول التقاط حركات النائم لمعرفة حالة النوم التي يمرّ بها (النوم الهادئ أو النشط)، وتحديد الوقت الأنسب لإيقاظ المستخدم عنده! للمزيد:
هنا
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا