قيلولة الطيور في السماء
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
كما أن هناك اعتقاد شائع بقدرة الطيور على النوم أثناء تحليقها في السماء، وبأن الطيور التي تطير مسافات طويلة يمكنها الإبقاء على وعيها البيئي، وتحكمها بديناميكية الهواء حولها من خلال النوم مع إغلاق عين واحدة وإراحة أحد نصفي الكرة المخية لمدة معينة، وقد أُثبتت صحة هذا الاعتقاد في دراسة جديدة حملت مفاجآت تعالوا نكتشفها معاً.
طوّر فريق من الباحثين من معهد ماكس بلانك لعلم الطيور في ألمانيا جهازاً صغيراً يقيس ويسجّل تغيّرات التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG) (1) في أدمغة الطيور، وبإمكان هذا الجهاز الذي سمي بمسجل بيانات الطيران تحديد كلٍّ من حالتي النوم بطيء الموجة (2)، ونوم حركة العين السريعة (REM) (3).
ثم وصل الباحثون الجهاز بأدمغة خمس عشرة أنثى بالغةٍ من طيور الفرقاطة الكبيرة (4)، وسُجّل نشاط أدمغتها على مدى عشرة أيام من الطيران المتواصل لمسافة أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، ومع وجود جهاز GPS لتعقب حركة الطيور من حيث الموقع والارتفاع.
وبعد أن حطت الطيور على الأرض، تم جمع البيانات من أجهزة التسجيل، وتبين من خلال تحليل هذه البيانات بأن الطيور بقيت يقظةً أثناء النهار نشيطةً تبحث عن الأسماك، وانتقلت مع غروب الشمس إلى وضعية النوم بطيء الموجة لعدة دقائق متواصلة، مستمرةً بالتحليق ضمن تيارات الهواء المتصاعد، مع إبقاء نصف الدماغ اليقظ متصلاً بالعين المفتوحة، والتي مهمتها تحديد الاتجاه، وتجنب الاصطدام مع الطيور الأخرى، مما يؤكد أن هذه الطيور كانت تدرك طريقها حتى أثناء القيلولة.
وأظهرت البيانات نتيجة مفاجئة ومدهشة، وهي إراحة الطيور لنصفي الدماغ معاً، مما يعني انتقال النصفين إلى وضعية النوم بطيء الموجة في نفس الوقت، مما أكد قدرة الطيور على التّحكّم بديناميكية الهواء حتى عندما كانت أدمغتها بالكامل نائمة.
انتقلت الطيور إلى وضعية نوم حركة العين السريعة في حالات نادرة وقليلة، ولفترات وجيزة، مع بقائها محمولة في الهواء وهو شيءٌ غريبٌ جداً، لكون معظم الثدييات تستخدم هذه الوضعية مع ارخاء كل عضلات جسمها، بينما لم يلاحظ سوى ارتخاء عضلي وحيد لدى الطيور، وهو تدلٍّ طفيفٌ في الرأس، وخلال هذه الحالة التي استمرت ثوانٍ معدودة أثناء الطيران، كانت الطيور قادرة على الوقوف على قدم واحدة.
من النتائج المفاجئة التي حصل عليها الباحثون، أن الطيور قضت في النوم وقتاً لم يتجاوز الساعة يومياً، وبدقة أكثر 42 دقيقة، وهو أقل من 10% من الوقت الذي يقضونه في النوم على الأرض (يعادل نسبة 7.4% فقط).
تقترح هذه الدراسة أيضاً وجود خطٍّ تطوريٍّ بالتنازل عن ميزة من أجل الحصول على أخرى، فتزيد الطيور من احتمالات تصادمها مع طيور أخرى، أو تفويت فرصة الحصول على الطعام لكي تستطيع الحصول على هذه القيلولة.
رغم ذلك، يؤكد الباحثون الحاجة لإجراء المزيد من الدراسات، فكما أجابت هذه الدراسة عن أسئلة كثيرة، وضعتنا أمام المزيد من الأسئلة المحيرة والتي لا تزال دون إجابات، فكيف تؤدي الطيور وظائفها الفيزيولوجية أثناء القيلولة وبمعدل نوم قليل كهذا، وهو أمرٌ كارثيٌّ بالنسبة للبشر، إنه شيءٌ رائع حيال العلم فعملنا لا ينتهي أبداً.