الروبوتاتُ تحتَ مجهرِ العلماءِ والخبراء
الهندسة والآليات >>>> الروبوتات
تطوّرت الروبوتاتُ خلالَ عشرين سنةً منصرمة، لتعملَ في مجال الصناعة والفضاء، ويُعتَبَر التطورُ الأكبرُ لها في جامعة كامبريدج كنتيجةً لجهود الفيزيائيين والرياضيين والمهندسين هناك.
سنسلط الضوءَ في مقال اليوم على آراء العلماء الذين سيقدمون إجابات من خبرتهم:
Lord Martin Rees: بروفيسور فخريّ في علم الكونيات والفيزياء الفلكيّة في جامعة كامبريدج، وحاصلٌ على وسامِ شرف من الجمعية الفلكيّة الملكيّة، وهو أحد مؤسسي مركزِ أبحاثِ المخاطر على الوجودية Existential Risk وهي مبادرةٌ تجمعُ بين علماء وفلاسفة ومبرمجين.
Kathleen Richardson: دكتورة في جامعة كامبريدج وعالمةٌ في مجالِ علمِ الإنسانِ ومختصةٌ بالروبوتات، تعمل حالياً على كتاب يبحثُ في النماذج التمثيليةِ المستخدمة من قبل العلماء، وكيف يؤثرون باستخدامها على آراءنا حول الروبوتات كأعداء أو أصدقاء لنا.
Daniel Wolpert: بروفيسورٌ في قسم الهندسةِ بمجمعِ الأبحاث الملكيّ ومتخصصٌ في مجالِ الهندسةِ الحيويّة والأنظمة التي تتحكم بالتفاعلات بين الدماغ والجسم، تركز مجموعته البحثيّة على فهم الحركة Movement والتي باعتقاده تُعتَبر مركزاً لكلّ أنشطة الإنسان.
السؤال الأول: ماذا تسطيع الروبوتات أن تقدم لنا؟
Martin Rees: هنالك دورين مختلفين للروبوتات، يعتمدُ الأولُ على العمل في بيئة لا يمكن للإنسان الوصولُ إليها مثل الأماكن التي تعرضت لكوارث كحفاراتِ النفط وحقولِ الألغام ومحطاتِ الطاقة النووية، أما الدور الثاني فهو مساعدةُ كبارِ السّن وذوي الاحتياجات الخاصة في حياتهم اليومية وإنجاز الأعمال الشخصية كربط الأحذية وتقليم الأظافر وما إلى ذلك.. والأكثر من هذا، يمكن للروبوتات أنّ تكونَ مصغرة، بحيث يمكنُ أنّ تُستخدم في داخل أجسامنا لمراقبة صحتنا أو لإجراء جراحةٍ ما.
Kathleen Richardson: نتوقعُ من الروبوتاتِ أن تقومَ ببعض المهام التي ليس بالإمكان أن نقوم بها كبشر. على سبيل المثال: اكتشافُ الفضاءِ الخارجيّ حيث إن الفضاءَ عبارةٌ عن حقل يمكن للروبوتات أن تكونَ مفيدة فيه، فيُمكن التحكمُ بالروبوتات عن بعد و أن تلعب دور عيون للإنسان تمكنه من النظر إلى التضاريس الوعرة عن كثب.
أدوارٌ أخرى نتوقع من الروبوتات أن تلعبها مثلَ مساعدةِ الكبار في السن والعجزة، لكن هذه الأدوار غير مناسبةٍ للآلات مقارنةً بممارستها من قبل البشر العاديين، فتطوّرُ الروبوتات في هذا المجال قد يكون محدوداً أو متأخراً؟
Daniel Wolpert: رغم أنّ الحواسيبَ الحاليّة تستطيعُ أن تهزم أبطالَ العالم في الشطرنج، إلا أنّه ليس هناك روبوت يضاهي براعة طفل ذو 5 سنوات.
يمكن القولُ بأنّ مجال الروبوتات ظلّ لفترةٍ طويلةٍ يكافئ حاسباً تمّ اختراعه عام 1960، فهي آلاتٌ باهظةُ الثمن تُستخدَم لأداء عملياتٍ صناعية بسيطة دوريّة أو عمل متكرر بنفس الطريقة والوتيرة. لكن الروبوتات التي نشهدُ تطورَها مؤخراً أصبحت موجودةً في كل مكان مثلها مثل الهواتف الذكية، فمن الروبوتات الميكروية حتى الروبوتات التي تضاهي حجم الإنسان وتساعده في أعماله اليومية وتتصرف كندّ له.
السؤال الثاني: ما مدى قرب ذكاءِ الآلات من مضاهاة الذكاء البشريّ؟
Martin Rees: تطوّرُ الروبوتاتِ غير مستقر حتى الآن، ففي الوقت الذي يمكننا أن نشتريَ خلالَ الثلاثين سنةً الماضية آلةً تقوم بالعملياتِ الرياضيّةِ بسرعةٍ أكبر من أدمغتنا وبثمنٍ بخس، تبدو الروبوتات ذات قدرةٍ محدودةٍ على تحسسِ البيئةِ المحيطة، حيث إنّها على سبيل المثال لا زالت غير قادرةٍ على تمييزِ قطعةِ شطرنج وتحريكها على رقعةِ الشطرنجِ بنفسِ الذكاءِ الذي يُظهِرُه طفلٌ صغيرٌ على الرغم من تطوّر البرامج الخاصة بلعبة البشر وهزيمتها لأبطال العالم منذ زمن طويل.
سوفَ تكونُ النماذجُ الأكثر تطوراً من الروبوتات في وقت لاحق من هذا القرن مرتبطةً بالمحيط والبشر أكثر، وبمهارة قد تضاهي مهارتنا، وعندها ستكون الإجابة عن الأسئلة الأخلاقية مثل: نحن نقبل بأن يمتلكَ البشرُ وبعضُ المخلوقات الحيّة إمكاناتٍ (قدرات) طبيعيةً يتم احترامها، إذا ما هو الالتزامُ الواجبُ تجاه الروبوتات المعقدة؟ وهل علينا أن نشعرَ بالذنبِ حين نقومُ باستغلالها؟ وهل نقلق إذا شعرنا بالإحباط أو الملل أو الظلم؟
Kathleen Richardson: تُشكّك كعالمة في علمِ الإنسان بفكرةِ موضوعيةِ الذكاءِ البشريّ، فليس هنالك إلا قياسات حضارية عن ماهية الذكاء ولذلك يمكن للآلات أن تتجاوزَ ذكاءَ الإنسان، والوقت الذي سيحدثُ فيه هذا يعتمدُ على ما سنقرره بشأن قياس الذكاء.
يقومُ كلُّ جيلٍ بوضعِ تعريف لما يعنى أن تكون إنساناً وما تتفرد نوعية الإنسان به، و بعدها تأتي الآلات وتحقق هذا التعريف مما يُولد خوفاً لدى بعض الناس من هذه الآلات التي يرونها باتت خطراً عليهم، إن هذا الخوف من الآلات ليس شيئاً فطرياً وإنما نتيجةً لطرق المحاكاة (النسخ والتمثيل) المستخدمة في صناعة الروبوتات، وهذا يمكن أن يُفسَّر كشكل حديث من الروحانية فالبشر يحاولون منح صفات إنسانية لكلّ الأشياء تقريباً.
يتمّ تناولُ موضوع خوفِ الإنسان من الآلات والروبوتات أكثر بكثير من خوفِ الإنسان من نظيره الإنسان. وتكمن المشكلة في التفكير في الآلات هو أنّنا كحضارةٍ نميلُ إلى تخيّلها على أنّها أعظم وأقوى مما هي عليه مما يجعلها تحقق في النهاية هذه العظمة والقوة.
Daniel Wolpert: وصلت الآلات -إلى حدّ ما- إلى مضاهاةِ الذكاءِ البشريّ، فهي تقومُ بالتجول وعمليات التذكّر والبحث بقدرةٍ تَفوقُ قدرةَ البشر، ومع ذلك ليس هناك وجودٌ لآلاتٍ يمكنها تمييز الأشياء بصرياً أو يمكنها التحدث بنفس موثوقية ومرونة البشر. يُعتبر تحقيق هذه الإمكانيات المُبشر لأيّ ذكاءٍ حقيقي مثل القدرة على التفكير بإبداعِ واختراعِ مسائلَ جديدة. إنّ توقّع اقتراب آلة من الذكاء البشري خلال الخمسين سنة القادمة سيكون طموحاً زائداً.
السؤال الثالث: هل علينا أن نخافَ من التّطورِ في الذكاء الصنعيّ؟
Martin Rees: من عليهم القلق بهذا الشأن هم علماءُ المستقبلِ Futurologists الذين يُؤمنون بما يسمى “التفرد singularity" أي عندما تتولى الروبوتاتُ الأمورَ وتقوم بخلقِ ذريةٍ أكثر تطوراً.
شيء آخر يستدعي القلقَ وهو اعتمادُنا المتزايد على الشبكات الحاسوبية، التي يمكن بحدّ ذاتِها أن تتصرفَ كدماغٍ له تفكيرُه الخاص -مُدركاً لذاتِه- وأهدافه التي قد تكونُ معاكسةً لمصالح الإنسان . أعتقد بأنّ علينا أن نضمنَ بقاءَ الروبوتات "علماء اختصاصيون حمقى idiot savants" بدون أي قدرةٍ على التفوقِ على الإنسان مع أنها قد تفوق بشكل كبير عليه بما يتعلق بالحساب ومعالجة المعلومات.
Kathleen Richardson: علينا أن نتسائلَ لماذا تستمر المخاوفُ من الروبوتات والذكاء الصنعيّ ؟ حيث إنّه في الواقع لم تقمْ أيّ محاولة تحدٍ لسيادة الإنسان.
لفهم ما الذي يجعلُنا نركزُ على هذا الخوف، علينا أن نفهمَ العلمَ والتكنولوجيا كونها ذات قدرةٍ محددةٍ على المحاكاة. فالمحاكاةُ هي الطريقةُ التي ننسخ ونقلد بها، حيث أننا نقلد الإنسان عند صنعنا للروبوتات والآلات الذكية، ويرتبطُ جزءٌ مما نحاولُ تقليدَه بالعالم الفيزيائي للمقلَّد، وهنا يقومُ المسؤولُ عن عمليةِ التقليدِ بنقلِ أفكارٍ وتقنياتٍ وممارساتٍ إلى الآلة التي تمّ صنعها من ثقافةِ الواقع (علم وتقنية وحياة) مع دمج كل هذه العواملِ معاً في صنعِ الذكاءِ الصنعيّ والروبوتات، لذلك علينا أن نتساءلَ لماذا نتخوفُ من صنع هذه النسخ؟ ليس الكل خائفون من تطوّر الروبوتات! الكثير من الناس يرحبون بالذكاء الصنعيّ ويرونه فرصةً ممتازةً لصنعِ حياةٍ جديدة .
Daniel Wolpert: لقد رأينا الآثارَ المضرّة لأبسطِ أشكالِ الذكاءِ الصنعيّ والمتمثلِ بشكلِ فيروسات، لكن في هذه الحالة الذكاء يكمنُ في المصمم الخبيث لهذه الفيروسات. لكن فوائد الحاسب ترجحُ بشكلٍ كبيرٍ إلى الضرر التي تسببه الفيروسات. وبشكلٍ مشابه، قد يكون هناك ضرر لسوءِ استعمالِ الروبوتات في المستقبل، لكن الفوائد التي تقدمها أكثر بكثير من مظاهرها السلبية.
من الحكمةِ أن نضعَ في عينِ الاعتبارِ أنّنا قد نصلُ لمرحلةٍ يتفوقُ فيها ذكاءُ الروبوتات على الذكاء البشريّ لتصبحَ قادرة على تصميم وإنتاج روبوتات أخرى أكثر تطوراً منها.
السؤال الرابع: هل ينبغي استخدامُ الروبوتات لاستعمار كواكبٍ أخرى؟
Martin Rees: سيتمّ استكشافُ النظامِ الشمسي بأكمله مع نهاية هذا القرن بما فيه من كواكب وأقمار وكويكبات، وذلك بواسطة روبوتات صغيرة، وستكونُ الخطوةُ التالية التنقيب في الكويكبات عن الموادّ الأولية التي ستسمحُ بصنع هياكلَ كبيرةٍ في الفضاء بدون الحاجة إلى إحضار مستلزماتها من الأرض، وسيكون من الممكنِ تطويرُ صروحٍ عملاقةٍ مثل تيليسكوبات كبيرة بمرايا صغيرة مركبة في حالة انعدامِ الجاذبيةِ ومجمعاتِ الطاقة الشمسية وما إلى ذلك.
قد يكون المصطلحُ الأكثر واقعيةً هو استصلاح الكواكب terraforming وليس استعمارها.
Kathleen Richardson: لستُ سعيدةً بكلمة "غزو" سواءً من قبل إنسان أو روبوت، قام الأوروبيون بغزو أراضي الشعوب الأخرى، وخلفوا بذلك إرثاً طويلاً من الاستعباد والمشاكل والأوبئة والمعاناة. برأيي إن أردنا فعلَ شيء سواءً على الأرض أو على المريخ فيجب أن يكون في سبيل الاهتمام والفضول وليس من أجل فرض نموذج ما.
يُمكن للروبوتات أن تساعدنا في الوصول إلى أماكن لا تسمح لنا حالتنا الفيزياء بالذهاب إليها، لكن هذه الروبوتات لا تستطيع أن تفسر ما تراه لنا.
Daniel Wolpert: لا أرى حاجةً ملحةً لغزو كواكب أخرى إلا إذا استطعنا جلب موارد منها إلى الأرض، فمعظم الأماكن على الأرض لا يمكننا الوصول إليها، واستعمال الروبوتات في إحضار الموارد منها سيكون فكرةً أفضل لتوظيف الروبوت فيها.
المصدر:
هنا