حقائق تاريخية عن الكساد العظيم
التاريخ وعلم الآثار >>>> حقائق تاريخية
بداية الكساد وانهيار سوق الأوراق المالية عام 1929م:
في صيف عام 1929م دخل الاقتصاد الأميركي حالة من الركود الطبيعي بسبب انخفاض الصرف على المنتجات الاستهلاكية مما أدى الى تراكمها وتخفيف الإنتاج ريثما تباع وفي الوقت نفسه بقيت أسعار الأسهم ترتفع حتى خريف العام نفسه إلى درجة غير مسوغة بالأرباح المتوقعة. وفي 24 من تشرين الأول انفجرت فقاعة السوق المالية إذ بدأ المستثمرون بالتخلي عن أسهمهم بالجملة وسمي ذلك اليوم بالخميس الأسود إذ جرى تداول حوالي 13 مليون سهم كرقم تاريخي. وبعد خمسة أيام حدث ما يسمى بالثلاثاء الأسود الذي جرى فيه تداول 16 مليون سهم بعد موجة جديدة من الذعر عمت حي وول ستريت الذي يعد المركز الاقتصادي للبلاد وأصبحت ملايين هذه الأسهم عديمة القيمة مما أدى إلى إفلاس المستثمرين الذين اشتروا هذه الأسهم بالاستدانة ومع تلاشي ثقة المستهلك بدأ التراجع في الصرف والاستثمار وبدأت المصانع وغيرها بتخفيف الإنتاج والبناء وصرف العمال، أما أولئك المحظوظون الذين احتفظوا بأعمالهم فقد انخفضت رواتبهم وقوتهم الشرائية، والذين كانوا يشترون بالتسليف أصبحوا مدينين، وارتفعت معدلات الاستحواذ على العقارات التي فشل مالكوها في دفع أقساطها. أما ارتباط الدولار بالذهب بوصفه عملة موحدة ثابتة بين دول العالم فقد ساهم في انتشار الكساد من الولايات المتحدة إلى أرجاء العالم وبخاصة أوروبا.
تعمق الكساد وإدارة هوفر:
على الرغم من تأكيدات الرئيس الأميركي هيربرت هوفر وإدارته أن الكساد سيكمل دورته وينتهي قريباً، إلّا أن الأمور بقيت تتراجع على مدى السنوات الثلاث التالية، ففي 1930 م كان عدد العاطلين عن العمل 4 مليون من العمال وارتفع الى 6 ملايين في العام التالي. وفي هذه الأثناء كان الإنتاج الصناعي قد هبط إلى النصف وأصبحت طوابير الخبز والحساء وأعداد المشردين المتزايدة أمراً اعتيادياً في المدن الأميركية.
أما المزارعون الذين عانوا طوال فترة العشرينيات بسبب الجفاف فقد تفاقمت معاناتهم نتيجة عجزهم عن جني محاصيلهم وأُجبروا على تركها تفسد في أراضيهم، في حين كان الناس يتضورون جوعاً. في خريف 1930 م بدأت أولى موجات الخوف الأربع تصيب البنوك مع فقدان ثقة المستثمرين في السيولة المالية للبنوك وطلبهم سحب الودائع نقدياً، مما أجبر المصارف على إسالة قروضها (بيع سندات القروض للمودعين أو بنوك أخرى) لدعم احتياطاتها النقدية، وتكرر هذا الأمر في ربيع وخريف 1931م ثم خريف 1932م، حتى أغلقت آلاف المصارف أبوابها مع بداية 1933م. على الجانب الآخر، حاولت إدارة هوفر إنعاش الاقتصاد بدعم البنوك الخاسرة وغيرها بقروض حكومية حتى تستطيع البنوك أن تقرض أصحاب الأعمال ليعيدوا موظفيهم إلى العمل. فرانكلين روزفلت والصفقة الجديدة.
كان الرئيس الجمهوري هوفر الذي سبق أن تولى منصب وزير التجارة يؤمن أنه لا يجب على الحكومة التدخل تدخلاً مباشراً في الاقتصاد، ولا تحمل مسؤولية تأمين فرص عمل أو مساعدة المواطنين اقتصادياً. لكن في 1932م وفي ذروة الكساد وتفشي البطالة (أكثر من 20% من السكان كانوا عاطلين عن العمل)، نجح الديمقراطي فرانكلين روزفلت في الانتخابات الرئاسية نجاحاً ساحقاً وفي يوم التنصيب في آذار 1933م كانت كل الولايات الأميركية قد أغلقت جميع المصارف المتبقية بعد الموجة الرابعة من الهلع، ولم تملك الخزينة الأميركية ما يكفي من النقد لسداد رواتب موظفيها، حينها ظهر روزفلت بموقف المتفائل الهادئ وأعلن: "أنه لا يجب الخوف إلّا من الخوف نفسه”. بدأ روزفلت العمل بسرعة لمعالجة المشاكل الاقتصادية، إذ أعلن بدايةً أربعة أيام عطلة خاصة أغلقت البنوك فيها ريثما يشرّع الكونغرس قوانين إصلاحية لإعادة افتتاحها على خلفية ثابتة، ثم قام بمخاطبة الجماهير عن طريق سلسلة من المحادثات عبر الراديو لعبت دوراً مهماً في إعادة ثقة العامة. في خلال المئة يوم الأولى لروزفلت على سُدة الرئاسة قامت إدارته بتمرير كثير من القوانين بهدف استقرار الإنتاج الصناعي والزراعي وخلق فرص العمل وتنشيط التعافي الاقتصادي ثم بدأ بإصلاح النظام المالي من خلال إنشاء المؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع لحماية حسابات المودعين، وأنشأ لجنة الأوراق المالية والبورصات لتنظيم سوق الأوراق المالية ومنع التلاعب الذي أدى الى الانهيار في 1929م. طريق التعافي الصعب. كانت سلطة وادي تينيسي من ضمن المؤسسات والبرامج التي ساعدت في تجاوز الكساد ببناء السدود والمشاريع الكهرومائية للتحكم بالفيضانات وتأمين الكهرباء لسكان وادي تينيسي. أيضاً ساعدت إدارة تطوير الأعمال في توظيف أكثر من 8.5 مليون أميركي بين 1935م و 1943م، بعد ظهور علامات تحسن مبكرة في ربيع عام 1933م استمر الاقتصاد بالتعافي خلال السنين الثلاث التالية، إذ ازداد الناتج المحلي الصافي الحقيقي بمعدل 9% سنوياً. ولكن ركوداً حادّاً أصاب البلاد في 1937م بسبب رفع الاحتياطي الفدرالي سقف متطلباته من أجل الاحتياطي النقدي، وعلى الرغم من عودة التحسن عام 1938م إلّا أن انكماشاً آخر كهذا أبطل كثيراً من المكاسب في الإنتاج والتوظيف حتى نهاية العقد.
سبّب الكساد كثيراً من الصعوبات التي أدت الى ظهور حركات متطرفة سياسياً في الدول الأوروبية أبرزها الحزب النازي في ألمانيا الذي دفع بسياساته العدائية إلى بداية الحرب العالمية الثانية في 1939م، الأمر الذي وجه أنظار إدارة تطوير العمل الي دعم البنية التحتية العسكرية على الرغم من حياد الولايات المتحدة وعندما قرر روزفلت دعم بريطانيا وفرنسا ضد دول المحور زاد الإنتاج الحربي ووظائف القطاع الخاص حتى عام 1941م، حين هاجم اليابانيون بيرل هاربور فأعلنت الولايات المتحدة الحرب وارتفعت وتيرة الإنتاج في جميع المصانع مما ساعد _إضافةً إلى التجنيد_ في انخفاض معدلات البطالة إلى مستويات أدنى مما كانت عليه قبل الكساد. عند بدء الكساد الكبير، كانت الولايات المتحدة الدولة الصناعية الوحيدة من دون أي شكل من أشكال تأمين البطالة أو الضمان الاجتماعي إلا أنه في عام 1935م مرر الكونغرس قانون الضمان الاجتماعي الذي قدم مساعدة للأميركيين العاطلين عن العمل أو ذوي الإعاقة أو المتقاعدين.
المصدر:
هنا