اللغة السنسكريتية..هل فعلا موجودة؟
الفنون البصرية >>>> فن وتراث
يعود أصل السّنسكريتيّة إلى المنطقة الشّماليّة الغربيّة من شبه القارّة الهنديّة ثمّ انتشرت جنوباً وشرقاً، ووصلت إلى ذروتها في الألف الأولى بعد الميلاد، إذ صارت لغة الثّقافة والشّعائر الدّينيّة في معظم جنوبيّ وجنوب شرقيّ القارّة الآسيويّة، كونها لغة الدّيانة الهندوسيّة والبوذيّة والجانيّة. فمكانتها في الهند وجنوب شرق آسيا مشابهةٌ لمكانة اللّغة اللّاتينيّة واليونانيّة في أوروبا في القرون الوسطى. فضلاً عن أنّها تُدرَّس في الهند كلغةٍ ثانيةٍ. كما أنّ بعض البراهمنيّين -وهم الوعّاظ من الطّبقة العليا- يعتبرونها لغتهم الأم.
في القرن #16 قبل الميلاد قام الآريّون -وهم شعبٌ يتحدّث لغةً هندوأوروبيّةً قديمةً- بغزو الهند من الجانب الشّماليّ الغربيّ وتطوّرت لغتهم إلى السّنسكريتيّة الفيديّة التي صارت لغة الطّبقات العليا في الهند. وفي القرن #6 قبل الميلاد تدهورت السّنسكريتيّة الفيديّة بوصفها لغة تخاطبٍ وحلّت محلّها تدريجيّاً اللّهجات المحلّيّة.
وبعد هذا التّدهور ظهر العلّامة اللّغويّ الهنديّ بانيني Panini الذي قام بإنشاء شكلٍ فصيحٍ لهذه اللّغة، فأصبحت تُعرَف بالسّنسكريتيّة الكلاسيكيّة. حيث وضع قواعدها في مؤلّفه الشّهير «ثمانية كتبٍ في قواعد اللّغة» Ashtadhyayi الّذي تناول فيه اللّغة من جميع جوانبها، لفظاً وكتابةّ ونحواً وصرفاً وإعراباً للمفردات والجمل، وكذلك في تصنيفه جذور الأفعال والأسماء واستخلاص قواعد اشتقاقها، كما ميّز جغرافياً الصّيغ اللّغويّة الشّماليّة من الصّيغ الشّرقيّة. وقد صاغ بانيني قواعده في لغةٍ يسهل حفظُها عن ظهر قلبٍ، ممّا ساعد على صون قوام اللّغة من اللّحن والخطأ عبر القرون، فصار كتابه مقياساً لصحّة السّنسكريتيّة، ولا سيّما مع ظهور فروقٍ واضحةٍ بين السّنسكريتيّة واللّغة العامّيّة المنطوقة المتداولة في عصره. وبمرور الزّمن عاشت السّنسكريتيّة مصير اللّاتينيّة في القرون الوسطى في أوروبا، حيث بقيت لغة الثّقافة والقداسات الدّينيّة، أمّا فيما عدا ذلك فقد حلّ محلّها كثيرٌ من اللّغات واللّهجات. وقد أحصت الحكومة الهنديّة في القرن #20 نحو 180 لغةً و540 عامّيّةً تسود شبه القارّة الهنديّة.
تمتلك اللّغة السّنسكريتيّة، كسائر اللّغات الهنديّة الأوروبيّة القديمة، صيغة المُثنّى إلى جانب المفرد والجمع، وكذلك صيغة المُحايد إلى جانب المذكّر والمؤنّث. كما تمتلك ثماني حالاتٍ إعرابيّةً هي: الرّفع والنّصب والمفعول به الثاني والمفعول فيه والمضاف إليه والظّرفيّة والمُنادى والأدوات المساعدة. أمّا حروف الكتابة فيفوق عددها المئة، وهي بالغة التّعقيد بحيث تصعب ترجمتها نُطقاً بحروف لغاتٍ أخرى لتعدُّد أشكال لفظ الصّوامت والصّوائت والإدغام بين قصيرٍ ومتوسّطٍ وطويلٍ. وتُسمَّى هذه الأبجديّة «ديفاناغاري» Devanagari، أي أبجديّة مدينة الآلهة.
جديرٌ بالذّكر أنّ السّنسكريتيّة قد أنتجت كمّاً هائلاً من الآداب وفنونها، وهذا ما سنتناوله في الجزء الثّاني من مقال اللّغة السّنسكريتيّة. فابقوا معنا مع مزيدٍ من المصادر..
المصدر: هنا
مصدر الصورة: هنا