مراجعة رواية "الساعة الخامسة والعشرون"
كتاب >>>> روايات ومقالات
"إياهان موريتز" بطل "جيورجيو" في ملحمتِه الأدبيّة الكبيرة هذه، لم يكتفِ بأن وضع نفسَه كرمزٍ للعذاب في هذه الرّواية، بل تعدّى الأزمنة الإنسانيّة كلّها، ليضعَ نفسه ممثّلاً لكلّ مُعذَّب في واقعِ الحروب عبر التاريخ.
الإنسان الّذي لم تكن له لا ناقة ولا جمل في حروبِ الآخرين ومعاركهم، يجدُ نفسَه فجأة ضحيّة تاريخيّة محمّلة بالعذاب والكره والحقد والدّمار، الإنسان الذي لا ذنب له إلّا أنّه تزوّج الفتاَة التي يحبها، وبسبب الكيد والغيرة التي يكنّها له مدير مخفر قريته، وبسبب إخلاص زوجته له وقعت أوديسا القرن العشرين، عبر رحلةٍ استمرّت ثلاثة عشرة عامًا انتقل فيها "إياهان" إلى أكثر من مئةِ معتقل عسكريّ.
حيث استغلّ هذا الشّرطي سلطته والظّروف المتوتّرة في البلد وتضييق الخناق الحاصل على اليهود بتشجيع من النازيين كي يضع اسم "إياهان" كهيوديّ مشبوه به علماً أنه مسيحي، لينقل بعدها إلى معسكر أشغال شاقّة لليهود وتبدأَ رحلة التنقّل والتّرحال والانتماءات التي نُسبت له عن غير حقّ.
في هذه الرّواية الكلام هو كلام غير أدبيّ وغير تخيلي، بل غارق في الواقعيّة لدرجةٍ ستجعل القارئ يُسقط ما يقرأه على واقعه فيغوص بتفاصيلها إلى النخاع. سيتألمّ لألم "إياهان" وسيضحك لفرحه، وسيدخّن من لفافة تبغه، وسيبكي معه.
عند قراءة هذه الرّواية سندرك أنّ لعنة الحروب ومآسيها لا تقف عند أشخاصاً معينين ولا أحداثاً هي فقط لعنة تؤذي الجميع، تلك اللعنة التي تحطّ من قدر الإنسان وتنحدر به إلى ما دون الأفعال الحيوانيّة، لذلك نجد أنّ الفكرة الثّانية التي تلتفّ حولها الرواية -عدا عبثيّة الحرب- هي تحوّل الإنسان في المجتمعات الصناعيّة إلى آلةٍ منتجة فقط مجرّدة من المشاعر، تحوّله إلى (شيء) لا يتمتّع بخاصيّته المميزة وهي (الإنسانية).
فنجد "تريان" بطلنا الثاني يقول بهذا الصدد:
"لقد أشرفَ العالم على دخولِ ساعته الخامسة والعشرين، وهي التي لن تشرق الشّمس من بعدها على الحضارة البشريّة أبداً، والتي لن يحلّ بعدها يومٌ جديد، إنّها السّاعة التي سيتحوّل فيها البشر إلى أقليّة عديمة القدرة على التّفكير لا وظيفة لها غير إدارة جحافل الآلات وصيانتها وتنظيفها".
إذاً عند قراءتك لهذه الرواية ستلاحظ بأنّها لا تقلّ مستوى فكريّ عن رائعة أورويل "1984" ولا تقلّ مستوى أدبيّ عن روائع الأدب الروسي. فهنا ستقرأ عن تهشيم مجتمعات الحداثة، وستشهد تدميراً للمجتمعات الغربية، وتحطيم معاول الشّيوعية.
لتشعرَ وكأن "جيورجيو" كان ينظر نحو بدايات الألفية ويصف حال الإنسان الحداثي في روايةٍ طبعت سنة 1949 بعد نهاية حربين عالميتين وفي أثناء دخول الكرة الأرضية في أتون أعظم حرب باردة في تاريخ البشرية وأخطرها على الإطلاق.
معلومات الكتاب:
الاسم: الساعة الخامسة والعشرون.
الكاتب: كونستانتين جورجيو.
ترجمة: فائز كم نقش.
عدد الصفحات: ٥٢٠