أجاثا كريستي في الشرق الأوسط: 1- ممّ استلهمت أجاثا كريستي أعظم رواياتها؟
التاريخ وعلم الآثار >>>> تحقيقات ووقائع تاريخية
ولكن هل علمت عزيزي القارئ أن أجاثا كريستي قد قضت فترة كبيرة جداً من حياتها وهي تنقب على الآثار في سوريا والعراق وتمارس الكتابة بنفس الوقت؟؟
لنتعرف في المقال التالي على السنوات التي قضتها أجاثا كريستي في سوريا والعراق وشغفها بعلم الآثار.....
عندما كتبت مؤلفة كتب الجريمة الشهيرة أجاثا كريستي "وجدنا امرأة في البئر!! لقد أحضروهاعلى قطعة من الخيش، ككتلة هائلة من الطين" لم تكن تصف جثة الجريمة في آخر ألغازها. والمفتشون الذين كانوا يحاولون التعرف على جثة المرأة لم يكن أحدهم المفتش البلجيكي هيركيول بوارو ولا الأرملة الانكليزية الغنية جاين ماربل (هيركيول بوارو و جاين ماربل هما أشهر أبطال روايات أجاثا كريستي).
إن المرأة التي كانت محط الأسئلة لم تكن شخصاً على الإطلاق، بل كانت قطعة أثرية تمت استعادتها كجزء من حملة حفريات أثرية. فقد كانت كريستي تصف القناع العاجي، والتي يطلق عليها الآن موناليزا نمرود (موناليزا الشرق)، وقد اكتشفت في عام 1952م خلال عمليات التنقيب التي كانت تجري في العاصمة الآشورية القديمة كالح (تقع الآن في العراق)، وتعرف اليوم باسم نمرود.
Image: https://s-media-cache-ak0.pinimg.com
الشكل (1): موناليزا نمرود
كان ماكس مالوان وهو زوج أجاثا كريستي الثاني، هو قائد المنقبين، أما المحققون في هذه القضية لم يكونوا ضباطاً في الشرطة بل علماء آثار. و كانت كريستي تساعد زوجها في جمع، وتنظيف، وتخزين المكتشفات من عمليات التنقيب. فقبل أكثر من 20 عاماً وقعت كريستي بحبه وحب علم الآثار بين آثار حضارة ما بين النهرين.
فخلال مسيرة حياتها، نشرت أجاثا كريستي 66 رواية بوليسية، و قد بيع منها حوالي 2 بليون نسخة حول العالم، و هذا ما جعلها الكاتبة الأكثر مبيعاً على مر العصور. لكن طريقها نحو العظمة لم يكن خالياً من الأحزان والمصاعب. فقد اكتشفت أن زوجها الأول آرشي كريستي كان على علاقة خارج إطار الزواج في عام 1926م، وتحت تأثير الخيانة المدمرة عانت أجاثا من انفصال عصيب،حيث اختفت لفترة من الزمن وقد أطلقت عملية بحث واسعة النطاق من قبل الشرطة للبحث عنها، وبعد أسبوع تقريباً عُثر على الكاتبة الهاربة في فندق في شمال انكلترا، وبعدها بعامين انتهى زواج أجاثا من آرشي.
قررت أجاثا وهي بعمر 39 عاماً بأن تأخذ إجازة منعزلة في جزر الهند الغربية –وهي مجموعة الجزر الواقعة بين أميركا وأميركا الجنوبية والتي تضم جمايكا وكوبا ..... الخ، وقد سميت بهذا الاسم بعد أن وصل إليها كريستوف كولومبس لتمييزها عن الهند الشرقية التي تقع في آسيا- حيث ستساعدها هذه الإجازة لكي تستعيد عافيتها بعد الانفصال.
ولكن قبل ذهابها بيومين كانت مدعوة إلى عشاء في منزل أصدقائها في لندن حيث التقت هناك بثنائي عادا مؤخراً من بغداد. وقد سحرت أجاثا تماماً برواياتهم عن الشرق الأوسط، وأسواق البصرة والموصل، وآثار أور المذهلة، والتي تدين بالفضل للاكتشافات المثيرة لعالم الآثار البريطاني ليونارد وولي، والتي كُتب الكثير عنها في الصحف في ذلك الوقت.
كانت الطريقة المتعارف عليها للسفر إلى بغداد هي عن طريق القارب البخاري، ولكن كان هناك خيار آخر وهو (قطار الشرق السريع) القطار الذي يأخذ المسافرين إلى بغداد عن طريق ميلانو واسطنبول. إن امكانية القيام بهكذا رحلة كان نقطة تحول في حياة أجاثا كريستي، وفي اليوم التالي ألغت تذكرتها إلى جامايكا واشترت بدلاً منها واحدة إلى بغداد.
بسبب شهرتها كمؤلفة منذ أواخر العشرينات، فقد تلقت أجاثا عندما وصلت إلى بغداد دفقاً ثابتاً من الدعوات من سكان المستعمرة البريطانية. ولكن ألعاب البريدج والتنس والكريكت أضجرتها. كانت تتوق للهرب من الأشياء التي تذكرها بانكلترا وأن تكتشف الحضارة الغنية وتاريخ العراق الشهير. وبعد بضعة أيام في بغداد ذهبت بمفردها في رحلة إلى موقع مدينة أور؛ العاصمة العظيمة للملوك السومريون من منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، وقد كانت هذه الرحلة علاجاً مثالياً كما تحدثت عنها لاحقاً:
"لقد وقعت في حب أور، بجمالها في المساء، الزقورات المنتصبة وظلالها الخافتة - الزقورة وجمعها الزقّورات وتقع معظمها في بلاد ما بين النهرين وهي عبارة عن معابد مدرجة– وبحر الرمال الواسع مع ألوان المشمش الشاحبة الزرقاء والبنفسجية والتي تتغير في كل دقيقة. لقد استمتعت بالعمال والمشرفين عليهم والصبيان الذين يحملون السلال الصغيرة، والأشخاص الذين يلتقطون الآثار، التقنية المتبعة والحياة بكاملها. إن إغراء الماضي قد أتى وانتزعني، إن رؤية خنجر بلمعانه الذهبي يظهر ببطء بين الرمال كان مشهداً رومنسياً، والحرص أثناء رفع الأواني والأشياء من التربة قد ملئني بالرغبة لأصبح أنا نفسي عالمة آثار".
خلال رحلتها الأولى إلى أور التقت كريستي بالسير ليونارد وولي وزوجته كاثرين وقد كان وولي مدير حملة التنقيب، ونشأت صداقة قوية بين الإمرأتين والتي تعمقت بسبب افتتان كاثرين بأعمال الكاتبة، فقد سحرتها رواية كريستي "مقتل روجر أكرويد" والتي نشرت قبل 3 سنوات، وبعد عودة كريستي من الصحراء العراقية استضافت الزوجين في منزلها في جادة تشلسي في لندن،وبالمقابل فقد اقترحا عليها أن تنضم إليهم عندما سيعودان للتنقيب مجدداً في أور، ولم تحتج كريستي إلى أي إقناع وانضمت إليهم في عام 1930م.
ما الذي حدث في رحلتها الثانية إلى الشرق؟ هذا ما سنتعرف عليه في جزئنا الثاني، فانتظرونا...
المصدر:
IGNACIO MARQUEZ ROWE، AGATHA CHRISTIE IN MESOPOTAMIA، NATIONAL GEOGRAPHIC HISTORY، ISSUE: MAY / JUNE 2017، P30- 41