عشر أدوية غيّرت تاريخ البشرية - الجزء الأول
الكيمياء والصيدلة >>>> صيدلة
للإجابة عن السؤال السابق علينا أن نعرف ما الذي يجعل دواءً ما أكثر أهمية من غيره. بحسب الدكتور جون سوان John Swann وهو مؤرخ لدى إدارة الغذاء والدواء FDA، فـ "لا يجب أن تقتصر نظرتك إلى الأمر على أن دواءً واحدًا يعالج مرضى معينين، بل يجب أن تتسع لتشمل الكيفية التي غيّر بها الدواء البنية التحتية للصناعة الدوائية ولمزاولة مهنة الطب على حد سواء". يؤيده الدكتور تريفور ستون Trevor Stone رئيس قسم علم الأدوية في جامعة غلاسكو مضيفًا: "ثمة شيئان يجعلان الدواء مهمًا: أولًا، كونه يستخدم لعلاج عدد كبير من الأشخاص المصابين بطيف واسع من الأمراض، وثانيًا، أن يكون قد مهد الطريق لعلاج مرض ما لم يكن علاجه ممكنًا في السابق. أدوية من هذا النوع تنعش الصناعة الصيدلانية لإجراء مزيد من البحث والابتكار. فإذا لم يكن لدينا دواء نبتدئ به، لن يكون بمقدورنا معرفة ما يمكننا عمله، ومن ثَمّ إلى أين سنصل خلال الرحلة العلاجية".
لنتعرف الآن إلى أهم عشرة أدوية، ولكن قبل أن تتابع القراءة حاول أن تخمّن قائمتك الخاصة ثم قارنها بالأدوية الآتية.
1. البنسلين:
المتربع على قمة قوائم الأدوية كلها، يقول د.ستون: "يتربع البنسلين على عرش قائمة الأدوية الأكثر أهمية. فكونه الصاد الحيوي الأول كان قد مهد الطريق لعلاج الأمراض الميكروبية. ولولا وجود البنسلين لما كان 75 في المئة من البشر الموجودين حاليًا أحياء، لأن آباءهم وأجدادهم ما كان يمكنهم أن ينجوا من العدوى مسببة الموت. إن تأثير دواء كالبنسلين هو قطعًا مدهش ومحير للعقول. فليس ثمة دواء غيّر وجه العالم كما فعل البنسلين، وقبل ظهوره كنت في عداد الأموات لإصابتك بعدوى خطرة فحسب.
لكن المثير للسخرية أن الاستخدام الخاطئ للبنسلين -ولغيره من الصادات الحيوية التي تلته- سبب مقاومة الجراثيم له. إن الأمر يشبه السباق، ويبدو أن الجراثيم تنافس بقوة ملحوظة.
يقول د.غيرنبيرغ Greenberg: "نحن نستمر بإنتاج صادات حيوية أحدث وأكثر فاعلية لكننا في الوقت نفسه نستنزف الصادات الرئيسة، لذلك يستمر التساؤل المطروح في ما إذا كان بإمكان اختصاصيي الأدوية التماشي مع التغيرات التي تحدثها الجراثيم (مقاومة الصادات الحيوية) بكونه الأهم مستقبلًا.
2. الإنسولين:
العلاج الهرموني الأول
لا يستطيع المرضى المصابون بالداء السكري استخدام الطاقة المخزنة في أجسامهم، فبغض النظر عن كمية الطعام التي يتناولونها هم يتضورون جوعًا، وذلك لأن أجسامهم توقفت عن تصنيع هرمون الإنسولين الضروري لتحويل السكر في طعامهم إلى طاقة.
كانت قديمًا الطريقة الوحيدة لعلاج المرض هي اتباع مرضى السكري لحمية تقارب حد التجويع، أي إنهم يتناولون ما تستطيع أجسامهم أن تستقلبه وتحوله إلى طاقة (في غياب الإنسولين) فحسب، ما كان يعني موتهم المحتم. إلى أن اكتشف الباحث الكندي الدكتور فريدريك غرانت بانتيغ Frederick Grant Banting وطالب الدراسات العليا آنذاك تشارلز بيست Charles Best الإنسولين لأول مرة عام 1921. وفي عام 1922 تلقى مريض كندي أول علاج فعال من إنسولين مستخلص من حيوان، ثم سارعت الشركات الدوائية إلى زيادة إنتاجها من الدواء.
يقول د. سوان: "يستطيع الإنسولين أن يغير كليًا حياة المرضى المصابين بداء السكري، إن الحميات التي اتبعها المرضى قبل اكتشاف الإنسولين كانت مريعة ولم تكن لديهم فرص في النجاة. يعد الإنسولين نموذجًا عظيمًا لما يمكن أن يُنجَز في حال التنسيق بين الصناعة الدوائية والبحث الأكاديمي".
لأن الإنسولين هرمون، فهو يمثل السلف العتيد لجميع ما تلاه من علاجات التعويض الهرموني.
3. لقاحات الجدري وشلل الأطفال
على الرغم من أن اللقاحات لا تعدّ أدوية بالمعنى الحقيقي لكن الخبراء يجادلون في ضرورة أخذ العلاج الوقائي بالحسبان وعدّه من الأدوية. إن عددًا قليلًا جدًا من الأدوية الوقائية كان له أثر يشابه ذلك الذي أحدثه لقاحا الجدري وشلل الأطفال. هنالك ما يشبه الإجماع العالمي على كون الجدري أكبر بلاء هدد الإنسانية يومًا ما. ولكن بفضل اللقاح قُضي عليه كليًا (ما عدا المستنبتات الخلوية الموجودة في المختبرات لأغراض بحثية طبعًا).
ويوشك شلل الأطفال أن يكون ثاني بلاء يُمحى، وبفضل اللقاح أصبح من الصعب تخيل كم كان شلل الأطفال مروعًا في السابق. يقول بينيت: "لقد أحدث لقاح شلل الأطفال أثرًا عظيمًا، ففي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي لم يكن بإمكان الأطفال السباحة لأن الوالدين كانوا قلقين من إصابتهم بالفيروس، كانت أعداد الإصابات هائلة". بعد نجاح هذين اللقاحين، تمكنت لقاحات حديثة من التغلب على جراثيم أخرى وعلى الأمراض التي تسببها.
4. الإيثر: صناعة الجراحة الحديثة
لقد مهد الإيثر لأدوية أحدث لكن أهميته تبقى استثنائية. يقول ستون: "إن السبب وراء ذلك كان أن الإيثر هو أول مخدر يُستخدم في العمليات الجراحية. كان الناس يجرون علميات بتر الأطراف بالمنشار بينما يُثَبَّت المرضى، حتى جاء الإيثر بوصفه مادة تثبط وظيفة دماغ المصاب (فلا يشعر بالألم) حتى يمكن إجراء عملية له، ومنذ ذلك الوقت طُوِّرت نسخ أفضل من أدوية التخدير". للأسباب آنفة الذكر، كان للإيثر منزلة ثابتة بين أهم الأدوية التي اكتُشفَت على الإطلاق.
5. المورفين:
كبح مصدر الألم
على الرغم من أن إدمان الأدوية المخدرة يعدّ مشكلة كبيرة إلا أن عالمًا يخلو من المورفين سيحتوي على كم أكبر من المعاناة والألم. فالمورفين هو المادة الفعالة في الأفيون الذي استخدم منذ عصور ما قبل التاريخ للتغلب على الألم. لقد عُزِل في مطلع القرن التاسع عشر وسُمّيَ بذلك تيمنًا بـ "مورفيوس" إله الأحلام عند الإغريق.
يقول ستون: "لولا المورفين لقضت أعداد هائلة من البشر حياتها في ألم رهيب، فهو يستخدم بعد العمليات الجراحية مخففًا كثيرًا من المعاناة، ويعدّ رائدًا في مجال تخفيف الألم إذ تلته أجيال عدة لأدوية تقع ضمن التصنيف ذاته. المورفين باختصار واحد من أعظم الأدوية على الإطلاق".
لكن ما يثير السخرية أن محاولات الإتيان بصيغة من المورفين أقل قابلية للإدمان أدت إلى تصنيع، ومن ثم تسويق، ثنائي أسيتيل المورفين، الذي عُرف في عام 1898 باسمه التجاري: الهيروين. على الرغم من ذلك شكّل المورفين وسلالته (مشتقاته وأشباهه) حجر الأساس لعلاج الألم في العصر الحديث.
المصدر:
هنا