كيف يتسلق أبو بريص السطوح الملساء؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
درس الباحثون آلية الالتصاق في قدم أبي بريص بشكلٍ مكثَّفٍ لعدة سنوات، ولكن لا يُعرف شيءٌ تقريباً عن منشأ هذه الآلية على وجه الدقة، إلا أنَّ باحثين من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد وجدوا أنَّ نوعاً من أنواع أبو بريص القزَمة والذي يعيش في أميركا الجنوبية واسمه العلمي Gonatodes humeralis يوفِّر لمحةً خاطفةً على تطور تلك الآلية الفريدة؛ إذ أظهرت التحليلات التي أُجريَت على هذا النوع باستخدام المجهر الالكتروني وجودَ شعيراتٍ مجهريةٍ -على نحوٍ غير متوقع- تتموضع تحتَ أصابعِ قدم أبو بريص، وتُدعى هذه الشعيرات بـ (الأهلاب Setae)، وتمنح تلك الأهلاب هذا النوع G. humeralis قدرةً مميزةً عن باقي أفراد الجنس Gonatodes، وهي تسلقُ السطوحِ الملساء كأوراق النباتات. وفي الفيديو أدناه، يظهر هذا النوع متسلِّقاً سطحاً شاقولياً أملسَ باستخدامِ نظام الالتصاق آنفِ الذكر:
ويُوضِّح أخصائيُّ أبو بريص، الأُستاذ المساعدُ في البيولوجيا في جامعة كاليفورنيا (تيموثي هايام) –الذي درس وزملاءُه عيناتِ النوع G. humeralis من غويانا الفرنسية وترينيداد (أميركا الجنوبية)-يوضِّحُ أنَّ الأهلاب تتفاعل مع السطوح عن طريق قِوى (فان دير فالزvan der Waals)*، وتتضِحُ الميزة التطوُّرية الهامّة من وجود تلك الأهلاب تحت أصابع هذا النوع في قدرته على تسلُّق السطوح الملساء واطِئَةِ الاحتكاك أو المائلة بزاويةٍ صعبةِ التسلق، مثل أوراقِ النباتات أو السيقان الزَلِقة، مما يمنح النوع G. humeralis أفضليةً في تجنُّبِ المفترسات حيث يتوضع في أماكنَ لا يمكن لباقي أنواعِ الجنسِ Gonatodes الوصول إليها. فعلى سبيل المثال، بينما يتمكن النوع G. humeralis من تسلق ساقِ خيزرانٍ شاقوليةٍ وملساء، وربما رطبة، بثباتٍ تامٍّ وفي أمانٍ من المفترسات، تقبع باقي أفراد الجنس Gonatodes على جذوع الأشجار الخشنة أو الصخور أو أشجار النخيل المتساقطة على الأرض، أو تسير على الأرض حيث يتربصها العديد من مفترساتها.
Image: Timothy Higham, UC Riverside
وتُثبِتُ نتائج هذه الدراسة أنَّ نشأةَ آليةِ الالتصاق لدى أبو بريص هي عمليةٌ تطوريةٌ تدريجيةٌ أدَّت إلى تحوّلاتٍ بيئيةٍ ووظيفيةٍ أساسية، فالتغيّراتُ المظهرية الدقيقة هنا لها قدرةٌ على إحداثِ التطور بوتيرةٍ أسرع.
أهلابُ النوع G. humeralis قصيرةٌ مقارنةً بالأبراصِ ذاتِ الوسائدِ تحت أصابعها (pad-bearing geckos)، وتتموضع تلك الأهلابُ بجوار بروزاتٍ قصيرةٍ هي شويكاتٌ (spinules) تزيدُ من قوة الاحتكاك وليس لها دورٌ في عملية الالتصاق، وتوجد هذه الشويكاتُ تحت أقدام عدةِ أنواعٍ من العضايا والأبراص. ويَعتقدُ الباحثونَ أنَّ أهلاب النوع G. humeralis محورةٌ عن تلك الشُّويكات.
ويمتلك أبو بريص خمسة أصابعَ في كلِّ قدم، وكلُّ إصبعٍ يحتوي على آلافٍ من تلك الأهلابِ، طولُ الواحدةِ لا يتجاوز (100 مايكرون) وقطرُها (5 مايكرون).
Image: Courtesy of Kellar Autumn, Lewis and Clark college
ومن النادر جداً في المملكة الحيوانية أن يُلاحِظ العلماء بدايةَ تطورِ آليةٍ معيَّنةٍ كآلية الالتصاق هنا، وهذا دليلٌ على بطلانِ فكرةِ التصميم الذكي، فالتطورُ يعمل بخطواتٍ تدريجيةٍ متزايدة، ولا تظهر ميزةٌ تطوريةٌ ما قفزةً واحدةً إلى الوجود، فلنتخيل أنَّ هنالك شريطَ فيديو يوثِّق بدايةَ ظهورِ آلية الالتصاق بشكلٍ بدائيٍّ جداً و هكذا حتى تكتمِل وتصبحَ ميّزةً مستقلةً وواضحة، فملاحظاتُ (هايام) وزملاءُه حولَ النَّوع G. humeralis في هذه الدراسة ما هي إلّا لقطةٌ واحدةٌ (snapshot) من مجموع ذلك الفيديو، فالتعقيدُ لا يبدأ بتعقيد، بل هي تغيراتٌ مورفولوجيةٌ طفيفةٌ تؤدي تدريجياً إلى التعقيد الوظيفي.
وقد تتسائلُ –عزيزي القارئ- عن فائدة دراسة نظام الالتصاق هذا، فالباحثون في مجال التقنية النانوية (Nanotechnology) والمحاكاة البيولوجية (Biomimicry) يهتمون بدراسةِ هذه الأنظمة لدى الكائنات الحية لتصنيع أنظمةِ التصاقٍ اصطناعيةٍ في المختبر، مثلاً، أو بناءِ روبوتاتٍ لديها قدرةٌ على الالتصاق وقادرةٍ على تسلق الجدران والسقوفِ الملساء، مستوحاةٍ من نظام الالتصاق لدى أبي بريص، يمكنُ أن تخدم الإنسان في مجالاتٍ شتّى، أو تخيل أنَّك يمكن أن تُعلِّق صورةً أو مرآةً على جدار غرفتك تَستخدم نظامَ الالتصاق المستوحى من ذلك الذي لدى أبي بريص ،دونَ الحاجة إلى مسامير ويمكن رفعها عن الجدار دون أن تترك حُفراً تُشوِّه الجدار، شيءٌ رائعٌ أليس كذلك؟
----------------------
* قوى (فان دير فالز van der Waals): قوى جذبٍ ضعيفةٌ نسبياً تنشأ بسبب الاستقطاب الكهربي المُستَحَثِّ في كلِّ جزيئةٍ بسبب وجود جزيئاتٍ أُخرى قريبةٍ منها.
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا