كويكب يقترب من الأرض مطلع أيلول
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
تُطالعُ بين الحينِ والآخرِ خبرَ مرورِ كويكبٍ قربَ الأرضِ في وسائلِ الإعلامِ أو مواقع التّواصلِ الاجتماعيّ، وغالباً ما يرافقُ أخبار كهذه نبرةً من الخوفِ أو الخطرِ المُحدقِ بالحياةِ على كوكبنا، لكنّنا لن نثير هلعكَ حولَ هذا الخبرِ، فنحنُ نُطمئنك مُقدّماً أن مرورَ "فلورنس" سيكونُ بلا تهديدٍ يُذكر، أمّا إن كان سؤالكَ ما هو "فلورنس" فالإجابةٌ في مقالِنا الفلكيّ هذا.
يمرُ عبرَ مدارِ كوكبِنا آلافٌ من الأجسامِ المعروفةِ باسمِ: الأجرامِ القريبةِ من الأرض "Near-Earth Objects"، إذ يمرُّ أكثرُ من أربعةِ عشرَ ألفِ كويكبٍ بالقربِ من الأرض دوريّاً، وقد أصبحت هذه الأجرامُ مصدراً لاهتمامِ علماءِ الفلكِ منذ ثمانيناتِ القرنِ الماضي نتيجةً للتّهديدِ الّذي تُمثّلهُ لكوكبنا، لكنّ الدّراساتِ المُستمرّةِ منذ عقودٍ لمساراتِ هذه الكويكباتِ الكبيرةِ كشفتْ أنّها تمرُّ قربَ الأرضِ دونَ أيّ تأثيرٍ يُذكر. والأهمُّ من ذلكَ أنّهُ قد تمرُّ فتراتٍ طويلةٍ جدّاً - ملايينٌ السّنينِ - حتى يتمكّنَ جرمٌ كبيرٌ من الاقتراب لدرجةِ الاصطدامِ بالأرض.
سيقتربُ الكويكبُ المعروفُ باسم فلورنس "3122 Florence" مطلع أيلول المقبل لمسافةٍ قريبةٍ من كوكبِنا، لكنّه لن يُشكّلَ أي خطرٍ علينا. يُعتبرُ هذا الكويكبُ من أكبرِ الأجرامِ المرصودةِ حتّى الآن؛ إذ يبلغُ قطرهُ حوالي 4.4 كيلومتر. ولكي نُقرّبَ لك الفكرةَ، حتّى يتسنّى لكَ تقديرُ حجمِ ضررِ تلكَ الكويكباتِ، فإنّ من المُرجّحِ أنّ الكويكبَ الّذي يُعتقدُ أنهُ سَببُ انقراضِ الدّيناصوراتِ قبلَ ما يُقاربُ 65 مليون عام، كانَ بقطرٍ يبلغُ 10 كيلومتر، كما امتدّ تأثيرهُ ليشملَ تدميرَ ثلاثةِ أرباعِ أنواعِ النّباتاتِ والحيواناتِ الّتي كانتَ تحيا على كوكبنا، لذلك أُنشأتِ المؤسّساتُ الّتي تُعنى بدراسةِ تلكَ الكويكباتِ الكبيرةِ؛ كمركز دراساتِ الأجرامِ القريبةِ من الأرضِ "Center for Near-Earth Object Studies"، والمعروفِ اختصاراً "CNEOS" التّابع لوكالة ناسا.
أوضحتِ الوكالةُ أنّ هذا الكويكبَ تحديداً سيمرُّ بسلامٍ قربَ الأرضِ على مسافةٍ تبلغُ سبعةَ ملايينِ كيلومترٍ بالحدِّ الأدنى، أي حوالي 18 ضعفِ المسافةِ بين الأرضِ والقمرِ، على حدّ تعبيرِ "باول تشوداس" مديرُ مركزِ دراساتِ الأجرامِ القريبةِ من الأرضِ في مختبرِ الدّفعِ النّفاثِ في كاليفورنيا، وذلك خلالَ بيانٍ صحفيٍّ لوكالةِ ناسا، كما أوردَ قائلاً: "مرّتِ العديدُ من الكويكباتِ على مسافةٍ أقربَ للأرضِ من مسافةِ فلورنس المُتوقّع، إلا أنّها جميعاً كانت بحجمٍ أصغر. يُعدُّ فلورنس أكبرَ كويكبٍ يمرُّ قربَ كوكِبنا منذ أن بدأَ برنامجُ ناسا في تحرّي الكويكبات القريبةِ من الأرضِ وتعقّبها".
يُمكنُ لمرورِ هذا الكويكبِ أن يُمثّلَ فرصةً لدراستهِ عن كثب، إذ تُخطّطُ ناسا لدراسةِ الكويكبِ راداريّاً باستخدامِ نظام "Goldstone Solar System Radar" الموجودِ في كاليفورنيا، بالإضافة لمرصدِ "Arecibo Observatory" الموجودِ في بورتوريكو التّابعِ لمؤسّسةِ العلومِ الوطنيّةِ. من المُتوقّعِ أن تكشفَ هذه الدّراساتُ عن بياناتٍ دقيقةٍ حول حجمِ الكويكب، بالإضافةِ إلى التّعرّفِ على معالمِ سطحهِ بدقّةٍ تصلُ إلى 10 أمتار.
اكتشفَ عالمُ الفلكِ الأمريكيّ شيلبت باس "Schelte Bus" هذا الكويكبَ في الثّاني من شهرِ آذار عامِ 1981، في مرصدِ "Siding Spring" في أستراليا، وقد سُمّيَ بهذا الاسمِ تخليداً لمؤسّسةِ علم التّمريضِ الحديثِ فلورنس نايتنغيل (1820 - 1910) "Florence Nightingale"
المرورُ المُتوقّعُ لهذا الكويكبِ ليس الأوّل، إذ مرّ الكويكبُ في 31 من شهر آب من عام 1890 على مسافةٍ قُدّرت بـ6.7 مليون كيلومتر، كما سَجّلَ مروراً في 29 من شهر آب عام 1930، وقُدّرت المسافةُ آنذاكَ بحوالي 7.8 مليون كيلومتر. من المُتوقّعِ أن يمرّ الكويكبُ سبعَ مرّاتٍ خلال الخمسمئةِ عامٍ المُقبلة.
أما لمن يريدُ تتبّعَ فلورنس، فإنّه سوف يسطعُ بشكل ملحوظٍ في الفترةِ بينَ نهايةِ آب وبدايةِ أيلول، إذ سيكونُ مرئيّاً لراصدي الفلكِ ومستخدمي التّلسكوبات الصّغيرةِ على مدى عدّةِ ليالٍ وهو يتحرّكُ خلالَ كوكبةِ الحوتِ الجنوبيّ "Piscis Austrinus"، وكوكبةِ الجدي "Capricornus "، وكوكبةِ الدّلو "Aquarius" وكوكبة الدّلفين "Delphinus".
المصدر:
هنا