حياةٌ بدون شمسٍ؟ قد لا يكون ذلك مستحيلًا...
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
تُعدّ الشّمس حاجةً أساسيّةً من حاجات الحياة على كوكب الأرض. فالنّباتات تعتمد على أشعّتها في عمليّة التّركيب الضّوئيّ، وبقيّة الكائنات الحيّة بعضُها يستهلك النّباتات مباشرةً، وبعضها الآخر يتغذّى على بعضها الأوّل. ولكنّ تلك الكائنات الصّغيرة تدفعنا إلى إعادة صياغة مفاهيمنا حول ذلك، إذ كانت أوّل نوعٍ حيٍّ نصادفه لا يعتمد على الشّمس لأجل البقاء، بل يستعيض عن مصادرِ الطّاقة الّتي تعتمد عليها الأنواعُ الأخرى بالمغذّيات الّتي تتفاعل مع الإشعاع أو الموادِ المشعّة في عمليّةٍ تُسمّى التّحلّلَ الإشعاعيّ Radiolysis. ولذلك من الممكن أن تفتح لنا هذه البكتيريا طريقًا جديدًا في مضمار البحث عن كواكبَ صالحةٍ للحياة وأنواعِ حياةٍ فضائيّةٍ.
في ورقةٍ بحثيّةٍ نُشرت في دوريّة الجمعيّة الملكيّة، طرح العالم ديميترا آتري Dimitra Atri من معهد بلو ماربل سبيس للعلوم (BMSIS) فكرةً قد تغيّر من طريقة بحثنا عن الحياة خارج الأرض: بما أنّ تلك البكتيريا تستطيع الحياة على الأرض دون شمسٍ عن طريق التّحلل الإشعاعيّ، فربّما يكون التّحلّل الإشعاعيّ ممكنًا في الفضاء أيضًا.
درس آتري بالاعتماد على نماذجَ وحساباتٍ إمكانيّةَ بلوغِ الأشعّةِ الكونيّةِ* أعماقًا تحت أسطحِ الكواكب أكبرَ من تلك الّتي تبلغها الطّاقة الضوئيّة أو النّجميّة. ففي المِرّيخ على سبيل المثال، أظهرت نماذج آتري إمكانيّة وصول الأشعّة الكونيّة إلى عمقِ أقدامٍ تحت السّطح حيث تستطيع التّفاعل مع جزيئاتِ المُغذّيات والماء.
البقاءُ في الفضاء
وضّح آتري قائلًا: عمومًا، عندما نتحدّث عن البحث عن الحياة في مكانٍ آخرَ، فإنّنا نبحث عن أشكالِ حياةٍ تطابق تلك الّتي نراها على كوكبنا. ولكن نوع الطّاقة (النّاتجة عن التحلّل الإشعاعيّ) مختلفٌ تمامًا (عن نوع الطّاقة الّتي تعتمد عليها الأنواع الحيّة على كوكبنا). فلكي يحدث التحلّل الإشعاعيّ (على كوكبٍ ما)، يحتاج الكوكب الكثير من الأشعّة الكونيّة والقليل من الحماية منها. وذلك -في الواقع- عكسُ ما نفكّر فيه أثناء البحث عن الحياة في مكانٍ غير الأرض.
لم يأتِ البحث عن أشكال حياةٍ خارجيّةٍ تشبه أشكال الحياة على الأرض بأيِّ نتائجَ إيجابيّةٍ إلى الآن. حتّى أنّ البعض يظنّ أنّ ذلك لن يحدث أبدًا. فلربّما قد عثر آتري على طرف الخيط، ولربّما قد سلكنا الطّريق الخطأ في بحثنا عن الحياة خارج الأرض.
يحتاج آتري إلى استخدام مسرّعِ جسيماتٍ لتأكيد نظريّتِه، ولكنّه قد ينتظرُ لأعوامٍ عديدةٍ قبل أن يحصل على فرصة استخدام ذلك الجهاز. إن كان على صواب، فإنّ تلك الكائناتِ الدّقيقةَ قد تكون الطّريق لإيجاد حياةٍ على كواكبَ أخرى. بل وربّما نستطيع مستقبلًا أن نطوّر تقنيةً تمكّن البشر من الاعتماد على التّحلّل الإشعاعيّ كمصدرِ طاقةٍ من أجل البقاء، ما قد يفتح العديد من الأبواب في رحلة بحثنا عن كوكبٍ صالحٍ للحياة.
ذلك أملٌ بعيدٌ، ولكنّه يستحقّ المحاولة.
-----------------------------------------------------------
*مجموعةٌ من الجزيئات المشحونة الّتي توجد بغزارةٍ في الفضاء
المصدر: هنا